محافظ المنيا يوجه باستغلال الفصول الدراسية لمواجهة الكثافة الطلابية    أسعار الفاكهة اليوم الإثنين 11 أغسطس في سوق العبور للجملة    تراجع أسعار الذهب اليوم الاثنين 11 أغسطس في بداية التعاملات    أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    «الدوما»: قادة أوروبا يستحقون الشفقة وهم يحاولون اللحاق بالقاطرة الروسية الأمريكية    دولة واحدة دافعت عنها.. انتقادات حادة لإسرائيل خلال اجتماع مجلس الأمن    هدية قطر لترامب تثير الجدل من جديد.. شكوك حول موعد تسليم الطائرة الرئاسية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يرد على تغريدة محمد صلاح.. فماذا قال؟    حبس التيك توكر «نوجا تاتو» في اتهامها بنشر الفسق والفجور    السيطرة على حريق هائل بمحل دهانات في المنيا    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان على طريقتها    حظك اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    6 عادات يومية تؤثر على صحة عمودك الفقري.. احذر منها    بعد قرار جون إدوارد.. عبدالله السعيد يتدخل لحل أزمة نجم الزمالك (تفاصيل)    «بشهر أغسطس».. مباريات قوية تنتظر صلاح مع ليفربول في الدوري الإنجليزي    «حد فاهم حاجة».. الغندور يكشف مفاجأة بشأن رحيل كهربا عن الاتحاد الليبي    رابط نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 لطلاب الثانوية العامة.. أحدث بيان رسمي من مكتب التنسيق    زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب سواحل المكسيك    أصعب 48 ساعة فى أغسطس.. إنذار جوى بشأن حالة الطقس: ذروة الموجة شديدة الحرارة    النيابة تنتدب المعمل الجنائى.. و«الحى»: كل الأكشاك غير مرخصة ويفترشون الأرصفة مقابل رسوم إشغال    فلسطين تطالب بتحرك عربى فعّال لمواجهة جرائم الاحتلال    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بعد الهبوط العالمي الأخير.. قائمة ب10 بنوك    إجمالى إيرادات الفيلم فى 11 ليلة.. تصدر شباك التذاكرب«28» مليون جنيه    تعرف على القائمة الكاملة لفيلم سفاح التجمع    موسمُ الرياض سعوديًّا... وعقلٌ لا يعجبه العجب!    أمين الفتوى: لا مبرر للجوء إلى الحرام.. الله قدّر أرزاق العباد قبل خلقهم (فيديو)    جمال العدل: الزمالك هو الحياة.. ولا نية للترشح في الانتخابات المقبلة    لدعم صحة أعصابك.. أهم مصادر فيتامين B12 الطبيعية    بروتوكول المناعة الثقافية: وكيف نحصّن هوية أمتنا؟    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    محافظ الفيوم يكرم أوائل الثانوية والأزهرية والدبلومات الفنية    برشلونة يمطر شباك كومو في كأس خوان جامبر    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    هتقعد معاكي لأطول مدة.. أفضل طريقة لحفظ الورقيات في الثلاجة    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    يوسف الحسيني: اجتماع الرئيس بقيادات الهئيات الإعلامية يفتح آفاقًا جديدة للإعلام    تكريم اسم الفنان لطفي لبيب والإعلامي عمرو الليثي بمهرجان إبداع للشباب- (25 صورة)    فرصة ذهبية لطلاب الإعدادية.. تخفيض الحد الأدنى للالتحاق بالثانوي بدمياط    الإسكندرية السينمائي يطلق استفتاء جماهيري لاختيار أفضل فيلم سياسي مصري    "تضامن سوهاج" تكرم 47 رائدة اجتماعية وتمنحهن شهادات تقدير    الشقق المغلقة تدفع 9 جنيهات.. تفاصيل خصومات شحن عدادات الكهرباء مسبقة الدفع 2025    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    الداخلية تضبط طالبا يستعرض بدراجة بخارية    قرار هام بشأن البلوجر مونلي صديق سوزي الأردنية بتهمة نشر فديوهات خادشة    السيطرة على حريق داخل مخزن مواد غذائية فى الزيتون دون إصابات.. صور    استشهاد الصحفي أنس الشريف بقصف إسرائيلي في غزة.. هذا آخر ما كتبه على «فيسبوك»    «لا يجب التنكيل بالمخطئين».. المسلماني: الرئيس طلب الاستعانة بكل الكوادر الإعلامية    سعر السكر والأرز والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    94 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة بداية الأسبوع    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    الشوربجي يشكر الرئيس السيسي على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين    موعد إجازة المولد النبوى الشريف 2025 للقطاعين العام والخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الأستاذ هيكل
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 02 - 2011


دي
قال الأستاذ محمد حسنين هيكل إن ثورة الشباب أعادت الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، إلا أن أسوأ ما فى مصر يحاول الآن بشراسة أن يقتل أنبل ما فيها، مضيفا أن الشعب أعلن كلمته يوم الثلاثاء العظيم فى استفتاء لم يزور، الأمر الذى طوى صفحة النظام القائم بصورة لا رجعة فيها، رغم أننا شهدنا محاولة للالتفاف على إرادة الشعب من خلال الإيحاء بأنه خلال ستة أشهر يمكن إنجاز ما عجز النظام عن فعله خلال ثلاثين عاما.
وهو يتحدث كان الأستاذ يتابع من شرفة بيته الأفواج التى كانت تعبر جسر الجلاء متجهة إلى ميدان التحرير للانضمام إلى الحشد الكبير الذى اعتصم به معلنا نهاية عصر وبداية عصر آخر، ولدت فيه مصر من جديد. وقد لخص تعليقه على المشهد بقوله: أخيرا قدر لمصر أن تستعيد روحها الوثابة، وأن تثبت لنفسها وللعالم أنها مازالت تحتفظ بكبريائها، وأنها قادرة على الثورة. وإذا لم يكن لثورة شبابها الراهنة من فضل سوى إشهار تلك الرسالة على الملأ، لكان ذلك كافيا. أضاف فى هذا الصدد أن التاريخ له إملاءاته، وأن إطلاق تلك الرسالة من ميدان التحرير له رمزية عميقة الدلالة.
س: كيف رأيت الجموع المحتشدة فى الميدان؟
ج: هم تجسيد لحلم خلاص مصر وكبريائها، وهم أنبل وأجمل ما أنجبته البلد. وسيظلون فى الحقيقة وفى التاريخ رمزا لكبرياء ذلك الشعب وحلمه. وقد التف حولهم الشعب واحتفى بهم، بعدما أدركت جماهيره بعبقرية حسها الحضارى والتاريخى، إن هؤلاء الشبان هم أبناؤه الحقيقيون والبررة. لذلك فإنهم حين دعوا المصريين إلى التعبير عن غضبهم واحتجاجهم فى يوم الثلاثاء العظيم، فإن ما بين خمسة وسبعة ملايين مواطن من كل أنحاء مصر استجابوا لهم، وقالوا كلمتهم بصوت هادر وقاطع فى استفتاء نادر لا مثيل له، به كتبت شهاد ميلاد مصر من جديد.
وهى الرسالة التى لم تجلجل فى فضاء مصر والعالم العربى فحسب، ولكن أصداءها ترددت بقوة فى أرجاء الكون بأسره، حتى تسلمها ووعاها كل معنى بشأن مصر. ومنذ ذلك اليوم بقى الشباب فى الميدان رمزا للفكرة وشعلة وضاءة فى طول البلاد وعرضها.
س: ما رأيك فيما جرى لأولئك الشباب بعد ذلك؟
ج: لنتفق أولا على أن الثورة التى أطلقها أولئك الشبان الشجعان كانت زلزالا هز أركان النظام القائم فى مصر منذ ثلاثين عاما. وللأسف فإن الرد كان صادما ومعيبا. فقد حاولوا إطفاء الشعلة بالدم، ووجدنا أن أسوأ ما فى مصر سعى إلى محاولة قتل أنبل ما فيها. وهو ما شاهدناه يومى الأربعاء والخميس وكان اقتحام الخيول والجمال والحمير لميدان التحرير رمزا له.
س: من تظن وراء هذه المحاولة الأخيرة؟
ج: الذين فعلوها صورة طبق الأصل من الأداة التى استخدموها. حيث لا أتردد فى القول بأنهم أناس لا يختلفون كثيرا عن الدواب التى استجلبوها وأطلقوها.
س: هناك تخمينات تحدثت عن شخصيات بذاتها فى الحزب الوطنى ورجال الأعمال لها دورها فيما جرى؟
ج: هذا صحيح، والأسماء متداولة ومعروفة، الذى لا خلاف حوله أن العملية كان لابد لها من تمويل، وكان هناك أشخاص جاهزين من أركان التحالف المشهود بيننا السلطة والمال والأمن. وهؤلاء الأشخاص لا يملكون إلا ما يستطيعون به استئجار الحناجر أو شراء الأسلحة وتجنيد البلطجية وأفراد العصابات.
س: إذا فهمنا من وراء مشهد الخيول والجمال التى أطلقت فى الميدان، فهل هناك تفسير للغياب التام للشرطة عن ضبط الأمن فى البلاد، الأمر الذى فتح الباب لعمليات الترويع والنهب والفوضى التى حدثت؟
ج: هذا جانب من الصورة يستدعى ملاحظات. الأولى أن مصادر الداخلية تقول إن الذين قاموا بالترويع والنهب وأثاروا الفوضى، ينتمون إلى تشكيل سرى لا علاقة لهم به. الثانية أن تعامل الأمن المركزى مع المتظاهرين فى البداية اتسم بقسوة مفرطة. حتى بدا وكأنه يمثل ذراعا لقوة غاشمة فى بلد احتلته، فما يشكل جريمة حرب فى أى بلد يحترم القانون الإنسانى. الثالثة أن قرار سحب الشرطة لاحقا يكتنفه الغموض فى الوقت الراهن. ويبدو أنه سيظل سؤالا معلقا علي التاريخ والضمير المصريين ستجيب عليه مستقبل الأيام. الرابعة أن ما حدث ليس مفاجئا تماما، لأنه تفكير مستلهم من خطط التأمين التى تتضمنها أدبيات الثورة المضادة المتداولة فى العالم الغربى، خصوصا فى الولايات المتحدة الأمريكية، وللمخابرات المركزية تحديدا إسهاماتها فى هذا المجال. التى أنبنت على ما عرف بخطة أجاكسى وأسهم فى وضعها خبراء بعض شركات النفط العالمية، شل وموبيل أويل وغيرها. ومن يدقق فى وقائع التعامل مع ثورة الشباب فى مصر يلاحظ أن ثمة قواسم مشتركة بينها وبين ما جرى من قبل فى إيران ضد ثورة مصدق وفى شيلى أيام بينوشيه، حيث برز فى هاتين التجربتين دور بارز للجماعات التى تعمد إلى ترويع الناس وإشاعة الخوف بينهم، لإقناعهم بأن الثورة تهدد استقرارهم وستجعل حياتهم جحيما.
س: قلت هناك من يحاول تصوير الاشتباك الحاصل باعتباره تراشقا بين متظاهرين يعارضون نظام الرئيس مبارك وآخرين يؤيدونه؟
ج: هذا تزوير للواقع فالمتظاهرون الحقيقيون هم المحتجون الذين اعتصموا فى الميدان وقرروا الدفاع عن كرامة هذا البلد وحلمه، بأسلوب سلمى مشرف. أما الآخرون فهم مستأجرون بلا قضية. سواء كانوا عناصر تابعة للأجهزة الأمنية أم مرتزقة تم شراؤهم أم موظفين وعمالا فى بعض المصانع والقطاعات الحكومية، الذين حملتهم سيارات الجهات التابعين لها إلى ميدان مصطفى محمود بالدقى لافتعال تجمع يؤيد النظام القائم. وقد ذهبت محاولات الانفعال إلى حد دعا الذين أخرجوا المشهد إلى الاستعانة بالفريق القومى لكرة القوم ومدربه.
س: كيف تقيم ما حققته ثورة الشباب حتى الآن؟
ج: إضافة إلى ما سبق أن ذكرته من أنهم أعادوا الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، وأنهم أثبتوا للعالم أن شعب مصر قادر على الانتفاضة والثورة، فإنهم نجحوا فى أن يعلنوا على الملأ ما لا يريده الشعب المصرى، وتركوا للعقلاء والنخبة أن يحددوا ما يريده الشعب. ذلك أن الجماهير الغاضبة بمقدورها أن تتحدى الطغيان وتسقط الطغاة، لكنها لا تطالب بأن تضع برنامجا يجيب على أسئلة المستقبل، بما يفصل فى الإجابة على السؤال: ما العمل؟
س: هل تعتقد أن العقلاء قاموا بهذا الدور؟
ج: للأسف فإنهم لم يستطيعوا أن يجيبوا على السؤال، لأن أغلبهم عجز عن قراءة الواقع والتفاعل معه بما يستحقه. إضافة إلى أن المعارضة المعترف بشرعيتها فى مصرأصبحت عنوانا فضفاضا تندرج تحته فئات بعضها لا وزن له ولا حضور، وبعضها لا يملك من مقومات الحضور سوى مقر وجريدة، والبعض الثالث يمثل أجنحة للحزب الوطنى.
س: ممثلو النظام فى مصر دعوا إلى الحوار مع المعارضين والقوى السياسية الأخرى؟
ج: هذا الحوار لابد منه ولكن له توقيته وأركانه وشروطه. إذ إضافة التثبت الظرف السياسى الملائم لإجرائه، فمن المهم للغاية شرعية الأطراف المشاركة فيه وأوزانها الحقيقية فى المجتمع. كما أن أى حوار يجب أن يكون هناك جدول أعمال متفقا عليه. وبغير الاتفاق على جدول الأعمال فإن ما يسمى حوارا سيتحول إلى محاولة إملاء شروطه طرف على آخر. وهذا هو الحاصل الآن. فشرعية تمثيل المعارضة الحقيقية مشكوك فيها، كما أنه لا يوجد جدول أعمال متفق عليه للمستقبل. وما هو متوافر الآن لا يتجاوز مجرد وعود لامتصاص الغضب لوح بها ممثلو السلطة ولم يكن للمعارضة الحقيقية أى إسهام فى صياغتها أو ترتيب أولوياتها.
س: الرئيس مبارك تحدث فى خطبته الأخيرة عن تصور للفترة المقبلة وخطوات الإصلاح المرتقبة فى المسقبل؟
ج: ما عبر عنه الرئيس فى ذلك الخطاب لم يكن مترابطا ولا يوفر فرصة كافية للتفاؤل أو الثقة. ذلك أنه أعلن أنه الآن فى ولايته الأخيرة. وتحدث عن ترتيبات للمستقبل منوطة بمجلس تشريعى تشكل بالتزوير ومطعون فى شرعيته بما يجعله غير مؤتمن لا على الحاضر أو المستقبل وكان لافتا للنظر فى هذا الصدد أن الرئيس فى ولايته الأخيرة أصدر تكليفات للمجلس المشكوك فى شرعيته تتعلق بترتيبات المستقبل الذى يفترض ألا يكون طرفا فيه. وهو أمر غير مفهوم. أما ما كان مثيرا حقا فهو أنه بعد ساعات قليلة من إلقاء الرئيس لخطابه بدأت محاولة الهجوم على المتظاهرين فى ميدان التحرير التى كانت فى جوهرها محاولة قتل الرمز الذى قاد الثورة وفجر مشاعر الغضب الجماهيرى. وهو ما نسف الثقة فى جدوى الحوار ومقاصده. كأن الرئيس أراد أن يغطى المرحلة الزمنية التى تسبق تركه منصبه بجريمة ترتكب بحق أنبل أبناء شعبه.
س: تحدثت وسائل الإعلام عن أن حوارا بدأ بالفعل بين السلطة وممثلى المعارضة؟
ج: عندى ثلاث ملاحظات على ما أذيع فى هذا الصدد. الأولى تتعلق بشرعية من قدموا باعتبارهم معارضين، والسؤال هنا منصب على أوزانهم الحقيقية فى الواقع المصرى.. الثانية أنه لا يمكن أن يدور حوار حول الوضع الراهن فى غيبة ممثلين للشباب الذين أطلقوا الثورة. الثالثة والأهم أن ذلك الحوار المفترض يجرى دون اتفاق على جدول أعمال يحدد مواضع الخلل ومقاصد الحوار.
س: كيف يمكن تقدير النتائج المترتبة على ذلك الحوار؟
ج: المشكلة الأساسية فى ذلك أننا صرنا أمام وضع لا يمكن إصلاحه وأن الخلل فيه أصبح جزءا من بنيته الأساسية. ثم إن هناك تجاهلا لحقيقة لم يعد يختلف عليها العالم أجمع، وهى أن النظام الحالى طويت صفحته، وأن الكلام فى أهم عواصم العالم ينصب على مفردات الصفحة الجديدة فى مصر تدل على ذلك والترتيبات الأمريكية الأخيرة التى أعلن عنها مساء يوم الخميس، وتحدثت عن استقالة الرئيس مبارك، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة نائبه السيد عمر سليمان. وللأسف فإننا ندفن رءوسنا فى الرمال رافضين إدراك أو رؤية ما يدور حولنا. فنحن هنا نحاول ترميم وتجميل وضع يتحدث العالم الآن عن أنه قد سقط سياسيا وعمليا. وعناوين الصحف العالمية وافتتاحياتها تقول ذلك صراحة ودون مواربة. وإعلامنا الرسمى وحده لايزال يعيش فيما اعتبرته الدوائر السياسية والإعلامية العالمية قد صار ماضيا يجرى الآن الاستعداد بشكل حثيث وجاد للانتقال إلى غيره.
س: إلى أى مدى يمكن الحديث عن دور أمريكى فى تشكيل الوضع الراهن؟
ج: الأمريكيون حاضرون فى المشهد من بدايته وبصورة أبعد كثيرا مما هو مألوف فى العالم العربى على الأقل. فالإدارة الأمريكية لديها مجموعة عمل تتابع الموقف أولا بأول، والتصريحات الأمريكية اليومية تتناول الموضوع بدرجة أو أخرى. وهو ما لمسناه فى الاتصالات التى أجراها الرئيس أوباما وفى تصريحاته الأخيرة التى شدد فيها على ضرورة الانتقال السلمى للسلطة الآن وليس بعد انتهاء ولاية الرئيس فى شهر سبتمبر. وهو ما عبرت عنه أيضا تصريحات وزيرى الخارجية والدفاع الأمريكيين. ولرئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس «جون كيرى» كلام شديد فى دعوة الرئيس مبارك إلى التنحى. وقد نقلت وكالات الأنباء مساء يوم الخميس الماضى خبرا ذكرت فيه أن مشروعا قدم إلى مجلس الشيوخ يدعو إلى مطالبة الرئيس مبارك بنقل السلطة إلى حكومة انتقالية موسعة، كما تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن اتصالات أمريكية لهذا الغرض جارية مع نائب الرئيس المصرى ووزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة. وكانت الصحيفة قد نشرت فى عدد الأول من شهر فبراير الحالى تفاصيل مهمة عن رحلة المبعوث الأمريكى فرانك ويزنر إلى القاهرة. وتحدثت فى تقريرها عن اجتماع للرئيس أوباما في مجلس الأمن القومى لمدة ساعتين لبحث تطورات الموقف فى مصر، بعد إعلان الشعب عن رفضه لسياساته ونظامه، وأشارت إلى أن الاجتماع بحث تقريرا أعده اثنان من الخبراء حول آخر التطورات. وتم الاتفاق على أن يتوجه السفير فرانك ويزنر إلى القاهرة حاملا معه رسالة تدعو الرئيس مبارك إلى أمرين، الأول إعلانه على الملأ أنه لن يرشح نفسه لولاية جديدة فى نهاية العام الحالى، وهو المطلب الثانى أن يعد بألا يترشح ابنه جمال إلى الرئاسة القادمة. وهو ما رفضه وامتنع الرئيس مبارك عن الاستجابة له.
س: هل الاهتمام الأمريكى الشديد بالوضع فى مصر نابع من الحرص على استمرار علاقات البلدين أم أنه يضع فى الاعتبار الحرص على العلاقات الأمريكية المصرية أم أوثق صلة باستمرار وتأمين العلاقات المصرية الإسرائيلية؟
ج: واشنطن مدفوعة بالأمرين معا. فمصر تحتل موقعا متميزا فى الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، كما أنها مهتمة باستقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية. يضاف إلى ذلك أن الرئيس أوباما يحتاج إلى أصوات اليهود الأمريكيين فى محاولته تجديد ولايته. ومن ثم فمفهوم أن يولى اهتماما خاصا بما يعتبره أمن إسرائيل ومصالحها.
س: بماذا نفسر الاهتمام الإسرائيلى الخاص بالوضع فى مصر؟
ج: إذا تذكرنا وصف إسرائيل للرئيس مبارك بأنه «كنز استراتيجى لها» فإن ذلك يفسر لنا بدقة قلقهم فى تل أبيب إزاء احتمال تغيير النظام القائم فى مصر. ثم إننا فى مثل هذه المواقف ينبغى أن نستعيد علامات الاستفهام الكثيرة التى تثار حول العلاقات المصرية الإسرائيلية، خصوصا تلك التى تتعلق بالتعهدات والضمانات غير المعروفة التى قدمها الرئيس السادات لإسرائيل ليس فقط لضمان أمنها. ولكن أيضا للتأكيد على أنه لن تكون هناك حروب أخرى مستقبلا ضدها.
انتهت أسئلتى، فاستوقفنى الأستاذ هيكل وقال أكتب على لسانى هذه النقاط التى ينبغى أن يعيها جميع المصريين فى اللحظة الراهنة:
أولا: أن النظام الجريح سيظل شاغله الأوحد هو الانتقام. وإذا كان قد أبدى استعدادا لقتل 300 مواطن على الأقل وتشويه وجرح خمسة آلاف آخرين لكى يبقى ستة أشهر. فإن أحدا لا يستطيع أن يتصور الثمن الذى يتعين على المصريين دفعه لقاء استمراره.
ثانيا: إن أحدا لا ينبغى أن يبخس شباب مصر الشرفاء والشجعان حقهم فى صناعة حاضر مستقبل ومستقبلها، كما أن أحدا لا ينبغى أن ينسى أن شهادة الميلاد الجديدة لمصر كتبت بدماء الثلاثمائة شهيد الذين أراد النظام قتلهم، فحولهم إلى نجوم مضيئة وباهرة فى سماء مصر.
ثالثا: إن الأمة مدينة لأولئك الشبان الذين اعتبرهم أجمل وأنبل من أنجبتهم مصر، لأنهم بثورتهم ردوا إلىّ أملا غاب وراء السحب الداكنة التي تكاثرت فى سماء مصر. وشاءت المقادير أن أعيش لحظة انقشاع تلك السحب وبزوغ شمس ذلك الأمل الذى ملأ أرض مصر كلها بضياء ودفء افتقدته طوال العقود الأربعة الأخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.