سعر الدولار في البنوك المصرية صباح اليوم السبت 14 يونيو 2025    إعلام إيراني: طهران قصفت 150 موقعا إسرائيليا من بينها قواعد جوية    المشدد 10 سنوات لعصابة الكيف في السلام    طقس اليوم السبت 14 يونيو 2025.. شديد الحرارة والعظمى بالقاهرة 37 درجة    الأهلي يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    الأهلي يواجه إنتر ميامي بزيه الأحمر التقليدي في كأس العالم للأندية    صباحك أوروبي.. قيمة صفقة فيرتز.. عودة بوجبا.. وصفقات ريال مدريد    مرتجي يتسلم شهادة مشاركة الأهلي للمرة العاشرة في مونديال الأندية    الأهلي يواجه إنتر ميامي في افتتاح كأس العالم للأندية    موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 محافظة السويس الترم الثاني    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية خلية العجوزة    نقيب الفنانين العراقيين يطمئن على إلهام شاهين وهالة سرحان ببغداد    إعلام إيرانى: ضرباتنا استهدفت أكثر من 150 موقعا فى إسرائيل بينها قواعد جوية    قصور الثقافة تعرض "طعم الخوف" على مسرح مدينة بني مزار الأحد المقبل    فريق طبي بمعهد القلب ينجح في إجراء قسطرة لرضيع عمره 5 أيام    غرائب «الدورس الخصوصية» في شهر الامتحانات    طلع مدرس مساعد بجامعة بني سويف، مفاجأة غير متوقعة في واقعة تحرش مدرب جيم بطفل في الفيوم    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 14 يونيو 2025    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    ازدحام غير مسبوق في سماء السعودية    توجيهات رئاسية مُستمرة وجهود حكومية مُتواصلة.. مصر مركز إقليمي لصناعة الدواء    أسعار الفراخ اليوم السبت 14-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 14-6-2025.. انخفاض كبير فوق 600 جنيه    «معلومات الوزراء»: 2025 تشهد تباطؤًا واسعًا فى النمو الاقتصادى العالمى    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجارات قوية في شرق طهران    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إسرائيل دمرت الجزء الموجود فوق سطح الأرض من منشأة نووية إيرانية رئيسية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    الكويت تدعو مواطنيها فى مناطق التوتر بتوخى الحذر والمغادرة حال سماح الظروف    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    4 أبراج يتسمون ب «جاذبيتهم الطاغية»: واثقون من أنفسهم ويحبون الهيمنة    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيل والقال
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 01 - 2011

لا أتصور جماعة إنسانية تخلو من أفراد هوايتهم سرد حكايات عن الآخرين، بعضها حقيقى وبعضها من صنع خيالهم. ولا يبدو أن الجماعة، سواء كانت جماعة عمل أم جيران سكن أم رفاق رحلة، تستاء من وجود شخص فيها يمتلك هذه الموهبة ويجيد استخدامها، بل على العكس أغلب أعضاء الجماعة يعتبرونه عضوا مرغوبا فيه لأنه يرفه عنهم ويشبع فضولهم لمعرفة ما يفعله الآخرون فى الجماعة نفسها أو فى جماعات أخرى.
●●●
يعجبنا الطفل الفصيح، وكثير من الأهل يستدعونه ليتباهوا به أمام ضيوفهم، تماما كما يفعلون مع صغيرتهم التى تجيد تقليد الراقصات أو المطربات. أراقب وجوه أمهات وآباء وهم ينعمون بمشاهدة بناتهم وأبنائهم يعرضون خبراتهم فى السرد والرقص والغناء.
نرى فى عيونهم سعادة تذكرنا بسعادة أهل زمان فى حفل تخريج فلذات أكبادهم أيام كان الحصول على شهادة عليا أقصى المنى. أما الأطفال فهم أيضا يسعدون بالاستماع إلى أهاليهم يغوصون فى سير الجيران وأصدقاء العائلة فترى عيونهم تلمع بالترقب والانتباه، يتظاهرون بالانغماس فى اللعب وهم فى الحقيقة آذان منتصبة.
أذكر، أننا كأطفال، كنا ننتظر بلهفة ليلة نهاية الأسبوع عندما كانت الأمهات الشقيقات يجتمعن فى بيت العائلة ليقضين ساعات النهار ومعظم الليل يتسامرن ويتبادلن الحكايات عن كل شخص غير موجود بينهن، حتى أزواجهن لم يفلتن فكان نصيبهم لا يقل عن نصيب الغرباء أبطال روايات السهرة. وطبقا لمنظومة الأخلاق التى نشأنا عليها قسرا أو إقناعا لم يكن يحق لنا التنصت إلى أحاديث الكبار، خاصة النساء، ولا كان من حقنا أن نكون شهودا على ممارستهن هوايات أخرى لم تتمكن عقولنا القاصرة من فهمها على كل حال. ولكن لم يكن ممكنا منع آذاننا من التقاط بعض الحكايات، خاصة تلك التى كانت تمس أزواجهن، أى آباءنا، الغائبين عن هذه السهرة الأسبوعية.
●●●
كبرنا وتعلمنا أن النساء أبرع من الرجال فى جعل «القيل والقال» ممارسة ممتعة . أذكر أننى قرأت أن إحدى الدراسات توصلت إلى أن براعة النساء فى القيل والقال تعتمد على ثلاثة عوامل: أولها كفاءة استخدام الصوت ونبرة الحديث لجذب اهتمام السامعين، وثانيها وفرة التفاصيل المتعلقة بالموضوع أو بالشخص باعتبار أن الاهتمام بالتفاصيل هو خاصية أنثوية بامتياز وأحد أهم أرصدة المرأة بشكل عام، ثالثها، حماسة الرد على المتشككين والمتشككات من بين الحضور والاستعداد فى كل الظروف لتقديم براهين تؤكد صدقية الرواية أو بالنطق بأغلظ القسم والتهديد باستدعاء اللعنات والمصائب لو كانت الرواية غير صحيحة.
عرفنا فيما بعد، أن تفوق النساء على الرجال فى القيل والقال يعود إلى ميلهن الطبيعى واستعدادهن الدائم للمخاطرة، فالغوص فى أخبار الآخرين ثم المجاهرة بها أمام أطراف ثالثة هو نوع من المغامرة التى تحتاج إلى شجاعة خاصة وإرادة قوية وعزم أكيد وكلها من صفات المرأة الدءوب. وخلافا للشائع عن القيل والقال ، وجد باحثون أجروا دراسات مكثفة أن القيل والقال السلبى وهو ما يعرف عندنا بالنميمة لا يزيد عن خمسة بالمائة من مجمل القيل والقال. بمعنى آخر يتأكد الآن أن أكثر الناس يتكلمون عن الغائبين بالخير.
أكدت الدراسة ذاتها أن القيل والقال تقوم منذ القدم بوظائف اجتماعية مهمة مثل التقريب بين الناس عن طريق تعريفهم ببعضهم البعض ومثل التخفيف من شعورهم بالوحدة أو الملل. نعرف أيضا أن القيل والقال تقلل من فرص الوقوع فى حبائل الإحباط واليأس لأنها تكشف عن معاناة الآخرين. تقول سارة تشرشل الأستاذة بجامعة إست انجليا إن القيل والقال الإيجابى أمر رائع على عكس النميمة. فالنميمة قتلت مارى أنطوانيت وأسقطت رتشارد نيكسون وأذلت بيل كلينتون. النميمة هى قيل وقال مضافا إليها حكم أو درس أخلاقى.
●●●
تغير الكثير منذ أن أسس السير رتشارد ستيل قبل ثلاثمائة عام صحيفتى ذى سبيكتاتور وتاتلر لتسلية الطبقة الارستقراطية والرد على النميمة التى يبثها الفقراء، وقتها كان يقال إن النميمة سلاح الضعفاء فى مقاومة الأغنياء. تغير الكثير منذ أن كتب هوميروس عن تفاصيل العلاقة بين أوليس ملك إيتاكا وزوجته فى الأوديسة كأول عمل درامى يجسد أسلوب القيل والقال.
يحكى هوميروس حكاية زوجة أوليس التى كانت تراوغ الرجال من أصدقاء زوجها الذين تزاحموا لتقبل الزواج بأحدهم فكانت تقوم بحياكة ملابس العرس فى الصباح أمامهم لتفكها فى المساء بعد مغادرتهم وتستأنف انتظار زوجها الغائب فى ساحة القتال. ويوم عاد دعت أصدقاءه من النبلاء على وليمة وعندما اكتمل عددهم سلمته قوسه ليقتلهم جميعا.
تغير الكثير وتباعدت فرص التقاء الأصدقاء وتوقع الكثيرون أن يختفى القيل والقال أو يضعف الاهتمام به. غاب عن البال أن الهاتف النقال حل محل المشربيات والشرفات و«بسطة السلالم» كوسائل تقليدية لممارسة هذه الهواية. ولن يمضى وقت طويل حتى يخرج علينا الباحثون بدراسة تناقش تأثير وسائل الاتصال الإلكترونى المتنوعة على ممارسة هذه الهواية المفيدة.
لا نستطيع إنكار أن الصحف، وقد قامت أساسا من أجل القيل والقال لم تؤثر إلا قليلا فى استخدام النقل المباشر للقيل والقال باعتباره أهم الوسائل التقليدية, وقد تثبت الدراسات الجديدة أن الفيس بوك والتويتر والدردشة وغيرها من الأساليب الإلكترونية مثلها مثل الصحافة الورقية لن تؤثر كثيرا فى كفاءة وأهمية الأسلوب المباشر ولكنها بالتأكيد ستزيد من الحجم الكلى لما قيل وما يقال.
●●●
ألم تكن انتفاضة تونس ثمرة من ثمرات التوسع فى ممارسة هواية القيل والقال والزيادة الهائلة فى إمكانات انتشارها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.