وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات تطلق النسخة الثانية من حملة ال"Red Week"    الرئيس السيسى يستعرض آليات تعظيم الاستفادة من أصول الأوقاف والفرص الاستثمارية    وزير التعليم العالي يعلن صدور قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة .. اعرف التفاصيل    تعليم بني سويف تبحث تنفيذ برنامج تنمية مهارات التلاميذ في اللغة العربية    أيمن عطية: 3500 فرصة عمل جديدة للشباب في ملتقى توظيفي ضخم بنادي قليوب    الأمين العام الجديد ل"الشيوخ" يعقد أول اجتماع مع العاملين لبحث آليات العمل    محافظ سوهاج يتفقد المواقف للتأكد من الالتزام بالتعريفة الجديدة    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الإثنين في بورصة الدواجن    عاجل| السيسي ونظيره الكوري يبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي وإنشاء جامعة كورية ومراكز ثقافية جديدة في مصر    "اليوم السابع" تطلق أول مشروع لغرفة أخبار ذكية فى الصحافة العربية    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمراكز البيانات الحكومية    صعود المؤشر الرئيسي للبورصة لمستوى قياسي جديد بختام جلسة الإثنين    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الصومالي تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    وكالة "وفا": مقتل 47 فلسطينيًّا بنيران الجيش الاسرائيلي في مناطق متفرقة من قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الصومالي تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين (صور)    فوزي لقجع يهدي لقب مونديال الشباب للملك محمد السادس    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    باكستان: الهدف الأساسى من اتفاق وقف إطلاق النار مع أفغانستان القضاء على الإرهاب    وزير الرياضة يهنئ نظيره المغربي بتتويج منتخب الشباب بكأس العالم    الاتحاد السكندري ينظم رحلة لجماهيره لدعم الفريق أمام الأهلى باستاد القاهرة    في بيان رسمي .. اتحاد الكرة ينفي شائعات تعيينات المنتخبات ومكافآت التأهل لكأس العالم    أليجري يوضح سبب تغيير مركز لياو.. ورسالته بعد تصدر ميلان الدوري الإيطالي    أموريم: هاري ماجواير كان مثالا يحتذى به أمام ليفربول    تعليم الجيزة تعلن الجدول الاسترشادي لاختبارات شهر أكتوبر 2025    السجن 7 سنوات لعاطل بتهمة الاتجار بالمخدرات في الزيتون    حبس عصابة التماثيل الأثرية المقلدة بحدائق أكتوبر    عاجل.. فتح باب المرافعة من جديد في محاكمة محمود عزت و80 قيادي أخواني ب "التخابر مع تركيا"    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    ضبط ثلاثة أشخاص بالمنيا بتهمة النصب على المواطنين وانتحال صفة خدمة عملاء أحد البنوك    عامل مزلقان مغاغة.. بطل أنقذ سيدة من الموت وتصدر التريند    تعرف على جدول عروض مهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية    فاروق حسني يهنئ محمد سلماوى على اختياره الشخصية الثقافية بمعرض الشارقة    مواقف محرجة على السجادة الحمراء.. حين تتحول الأناقة إلى لحظة لا تُنسى    ترحيب حار ب يسرا من الحضور قبل بدء ندوة الاحتفاء بها وأحمد مالك يقيل يدها    محافظ الجيزة يفتتح مركز خوفو للمؤتمرات بميدان الرماية أمام المتحف المصري الكبير    اتحاد المبدعين العرب يمنح محمد صبحي وسام التفرد في الإبداع    صحة الدقهلية: نسعى لرفع نسب استخدام وسائل منع الحمل طويلة المدى إلى 80%    ندوة بصيدلة قنا تناقش مكافحة الإدمان    موعد مباراة الأهلي والاتحاد في الدوري.. والقنوات الناقلة    بعد الكشف عن استهداف ترامب.. كم مرة تعرض الرئيس الأمريكى لتهديد الاغتيال؟    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    هاني شاكر يُشعل مسرح الأوبرا بأغنية "نسيانك صعب أكيد" والجمهور يشاركه الغناء| صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-10-2025 في محافظة الأقصر    سيدات يد الأهلي يبحث عن لقب إفريقيا أمام بترو أتلتيكو    اليوم العالمي لهشاشة العظام.. ما أهمية الكالسيوم للحفاظ على كثافته؟    دار الإفتاء توضح حكم تصفح الهاتف أثناء خطبة الجمعة    مجدي يعقوب: مصر بقيادة الرئيس السيسي تظهر للعالم معنى السلام    وزارة الرياضة : ننسق مع اللجنة الأولمبية واتحاد تنس الطاولة لمتابعة تطورات وتحقيقات الأزمة بين لاعبين ببطولة أفريقيا    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة الموقف التنفيذى لتطبيق «التأمين الشامل» بالمنيا    في زيارة مفاجئة.. وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد    14 عاما على اغتيال الزعيم الليبي معمر القذافى فى مدينة سرت    حظك اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025.. وتوقعات الأبراج    نحافة مقلقة أم رشاقة زائدة؟.. الجدل يشتعل حول إطلالات هدى المفتي وتارا عماد في مهرجان الجونة    صححوا مفاهيم أبنائكم عن أن حب الوطن فرض    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيل والقال
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 01 - 2011

لا أتصور جماعة إنسانية تخلو من أفراد هوايتهم سرد حكايات عن الآخرين، بعضها حقيقى وبعضها من صنع خيالهم. ولا يبدو أن الجماعة، سواء كانت جماعة عمل أم جيران سكن أم رفاق رحلة، تستاء من وجود شخص فيها يمتلك هذه الموهبة ويجيد استخدامها، بل على العكس أغلب أعضاء الجماعة يعتبرونه عضوا مرغوبا فيه لأنه يرفه عنهم ويشبع فضولهم لمعرفة ما يفعله الآخرون فى الجماعة نفسها أو فى جماعات أخرى.
●●●
يعجبنا الطفل الفصيح، وكثير من الأهل يستدعونه ليتباهوا به أمام ضيوفهم، تماما كما يفعلون مع صغيرتهم التى تجيد تقليد الراقصات أو المطربات. أراقب وجوه أمهات وآباء وهم ينعمون بمشاهدة بناتهم وأبنائهم يعرضون خبراتهم فى السرد والرقص والغناء.
نرى فى عيونهم سعادة تذكرنا بسعادة أهل زمان فى حفل تخريج فلذات أكبادهم أيام كان الحصول على شهادة عليا أقصى المنى. أما الأطفال فهم أيضا يسعدون بالاستماع إلى أهاليهم يغوصون فى سير الجيران وأصدقاء العائلة فترى عيونهم تلمع بالترقب والانتباه، يتظاهرون بالانغماس فى اللعب وهم فى الحقيقة آذان منتصبة.
أذكر، أننا كأطفال، كنا ننتظر بلهفة ليلة نهاية الأسبوع عندما كانت الأمهات الشقيقات يجتمعن فى بيت العائلة ليقضين ساعات النهار ومعظم الليل يتسامرن ويتبادلن الحكايات عن كل شخص غير موجود بينهن، حتى أزواجهن لم يفلتن فكان نصيبهم لا يقل عن نصيب الغرباء أبطال روايات السهرة. وطبقا لمنظومة الأخلاق التى نشأنا عليها قسرا أو إقناعا لم يكن يحق لنا التنصت إلى أحاديث الكبار، خاصة النساء، ولا كان من حقنا أن نكون شهودا على ممارستهن هوايات أخرى لم تتمكن عقولنا القاصرة من فهمها على كل حال. ولكن لم يكن ممكنا منع آذاننا من التقاط بعض الحكايات، خاصة تلك التى كانت تمس أزواجهن، أى آباءنا، الغائبين عن هذه السهرة الأسبوعية.
●●●
كبرنا وتعلمنا أن النساء أبرع من الرجال فى جعل «القيل والقال» ممارسة ممتعة . أذكر أننى قرأت أن إحدى الدراسات توصلت إلى أن براعة النساء فى القيل والقال تعتمد على ثلاثة عوامل: أولها كفاءة استخدام الصوت ونبرة الحديث لجذب اهتمام السامعين، وثانيها وفرة التفاصيل المتعلقة بالموضوع أو بالشخص باعتبار أن الاهتمام بالتفاصيل هو خاصية أنثوية بامتياز وأحد أهم أرصدة المرأة بشكل عام، ثالثها، حماسة الرد على المتشككين والمتشككات من بين الحضور والاستعداد فى كل الظروف لتقديم براهين تؤكد صدقية الرواية أو بالنطق بأغلظ القسم والتهديد باستدعاء اللعنات والمصائب لو كانت الرواية غير صحيحة.
عرفنا فيما بعد، أن تفوق النساء على الرجال فى القيل والقال يعود إلى ميلهن الطبيعى واستعدادهن الدائم للمخاطرة، فالغوص فى أخبار الآخرين ثم المجاهرة بها أمام أطراف ثالثة هو نوع من المغامرة التى تحتاج إلى شجاعة خاصة وإرادة قوية وعزم أكيد وكلها من صفات المرأة الدءوب. وخلافا للشائع عن القيل والقال ، وجد باحثون أجروا دراسات مكثفة أن القيل والقال السلبى وهو ما يعرف عندنا بالنميمة لا يزيد عن خمسة بالمائة من مجمل القيل والقال. بمعنى آخر يتأكد الآن أن أكثر الناس يتكلمون عن الغائبين بالخير.
أكدت الدراسة ذاتها أن القيل والقال تقوم منذ القدم بوظائف اجتماعية مهمة مثل التقريب بين الناس عن طريق تعريفهم ببعضهم البعض ومثل التخفيف من شعورهم بالوحدة أو الملل. نعرف أيضا أن القيل والقال تقلل من فرص الوقوع فى حبائل الإحباط واليأس لأنها تكشف عن معاناة الآخرين. تقول سارة تشرشل الأستاذة بجامعة إست انجليا إن القيل والقال الإيجابى أمر رائع على عكس النميمة. فالنميمة قتلت مارى أنطوانيت وأسقطت رتشارد نيكسون وأذلت بيل كلينتون. النميمة هى قيل وقال مضافا إليها حكم أو درس أخلاقى.
●●●
تغير الكثير منذ أن أسس السير رتشارد ستيل قبل ثلاثمائة عام صحيفتى ذى سبيكتاتور وتاتلر لتسلية الطبقة الارستقراطية والرد على النميمة التى يبثها الفقراء، وقتها كان يقال إن النميمة سلاح الضعفاء فى مقاومة الأغنياء. تغير الكثير منذ أن كتب هوميروس عن تفاصيل العلاقة بين أوليس ملك إيتاكا وزوجته فى الأوديسة كأول عمل درامى يجسد أسلوب القيل والقال.
يحكى هوميروس حكاية زوجة أوليس التى كانت تراوغ الرجال من أصدقاء زوجها الذين تزاحموا لتقبل الزواج بأحدهم فكانت تقوم بحياكة ملابس العرس فى الصباح أمامهم لتفكها فى المساء بعد مغادرتهم وتستأنف انتظار زوجها الغائب فى ساحة القتال. ويوم عاد دعت أصدقاءه من النبلاء على وليمة وعندما اكتمل عددهم سلمته قوسه ليقتلهم جميعا.
تغير الكثير وتباعدت فرص التقاء الأصدقاء وتوقع الكثيرون أن يختفى القيل والقال أو يضعف الاهتمام به. غاب عن البال أن الهاتف النقال حل محل المشربيات والشرفات و«بسطة السلالم» كوسائل تقليدية لممارسة هذه الهواية. ولن يمضى وقت طويل حتى يخرج علينا الباحثون بدراسة تناقش تأثير وسائل الاتصال الإلكترونى المتنوعة على ممارسة هذه الهواية المفيدة.
لا نستطيع إنكار أن الصحف، وقد قامت أساسا من أجل القيل والقال لم تؤثر إلا قليلا فى استخدام النقل المباشر للقيل والقال باعتباره أهم الوسائل التقليدية, وقد تثبت الدراسات الجديدة أن الفيس بوك والتويتر والدردشة وغيرها من الأساليب الإلكترونية مثلها مثل الصحافة الورقية لن تؤثر كثيرا فى كفاءة وأهمية الأسلوب المباشر ولكنها بالتأكيد ستزيد من الحجم الكلى لما قيل وما يقال.
●●●
ألم تكن انتفاضة تونس ثمرة من ثمرات التوسع فى ممارسة هواية القيل والقال والزيادة الهائلة فى إمكانات انتشارها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.