أعلن السفير مزري حداد، مندوب تونس لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، أنه تقدم باستقالته من منصبه كرئيس وفد بلاده لدى اليونسكو، احتجاجا على الاضطرابات وأعمال العنف التي جرت على يد قوات الأمن التونسية ضد المتظاهرين المدنيين، مما أدى إلى وقوع اعداد من القتلى والمصابين على مدى الأيام الماضية. جاء ذلك في رسالة بعث بها حداد إلى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ناشده خلالها العمل على وقف حمام الدم، وإنهاء أعمال العنف ضد المتظاهرين. من جانبه أعلن التلفزيون الحكومي التونسي في خبر عاجل فرض حظر التجول في البلاد من الساعة الخامسة مساء وحتى السابعة صباحا، كما أعلن عن السماح باستخدام السلاح في حالة مخالفة أوامر قوات الأمن. أطلقت الشرطة التونسية، اليوم الجمعة، القنابل المسيلة للدموع بشكل مكثف لتفريق الآلاف من المتظاهرين عندما حاول بعضهم تسلق نوافذ مبنى الوزارة التي تقع في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة تونس. وأصيب العديد من المتظاهرين بالإغماء جراء الاختناق بدخان القنابل المسيلة للدموع. وقد استعملت الشرطة أيضا الحجارة لتفريق المتظاهرين. وقد خرج، اليوم الجمعة، عشرات الآلاف من التونسيين في مظاهرات حاشدة بشارع "الحبيب بورقيبة" مطالبين برحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي (74 عاما) الذي يحكم تونس منذ سنة 1987 وب"محاكمة شعبية" لعائلة ليلى الطرابلسي زوجة بن علي الثانية. ونظم المظاهرة فرع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمال في البلاد) بالعاصمة تونس، وقد شارك فيها مواطنون وصحفيون ومحامون وسياسيون ونقابيون وفنانون وعمال وموظفون وعاطلون قبل أن ينضمّ إليها مئات من المصلين أدوا صلاة الجمعة في جوامع العاصمة. ووقف المتظاهرون أمام مقر وزارة الداخلية التونسية مردّدين: "اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام"، و"خبز وماء وبن علي لا"، و"محاكمة شعبية لعصابة الطرابلسية"، في إشارة إلى عائلة زوجة الرئيس التونسي ليلى الطرابلسي التي تواجه عائلتها اتهامات كبيرة ب"الفساد" و"استغلال النفوذ" و"نهب ثروات البلد" و"تهريب أموال الشعب إلى بنوك في الخارج". وأكد شهود عيان في عدة محافظات تونسية أن عشرات الآلاف من المواطنين خرجوا اليوم في مسيرات "سلمية" مماثلة طالبوا خلالها الرئيس التونسي بالرحيل وبمحاسبة عائلة الطرابلسي. في غضون ذلك، قال شهود عيان: إن منزل "عماد الطرابلسي" (ابن شقيق ليلى الطرابلسي) الكائن بضاحية المرسى (شمال العاصمة تونس) تعرّض الجمعة للنهب بالكامل من قبل مواطنين غاضبين، وأن منزل شقيقها بلحسن الطرابلسي الكائن في منتجع الحمامات (جنوب العاصمة) أحرق ليلة الخميس. ويصف معارضون عماد وبلحسن الطرابلسي بأنهما "أكبر رمزين للفساد" في تونس، ويحملون العائلة المسئولية عن "تدمير الاقتصاد التونسي"، واحتكار كل المشاريع المربحة في البلد. وذكرت تقارير إخبارية أن عامة التونسيين يعتقدون اعتقادا قويا أن كل ما يحدث من "مشاكل" في البلد (بطالة وغلاء المعيشة وارتفاع مديونية البلد) سببه زوجة الرئيس وعائلتها. وترددت أنباء قوية في الشارع التونسي حول "هرب" أفراد عائلة الطرابلسي إلى الخارج خوفا من "أعمال انتقامية". وتعهد بن علي في خطاب توجه به مساء الخميس إلى الشعب التونسي بإطلاق الحريات وضمان الديمقراطية وبتكوين لجنة "مستقلة" قال إنها ستنظر "في ظواهر الفساد والرشوة وأخطاء المسؤولين". وقد طالب متظاهرون أن يكون بن علي وعائلة الطرابلسي "من أول من يتم محاسبتهم بسبب الفساد". وذكرت تقارير إخبارية نشرت في وقت سابق أن الأموال التي تم "تهريبها بشكل غير شرعي" من تونس نحو بنوك أجنبية خلال الفترة ما بين 1987 (تاريخ وصول بن علي للحكم) وإلى غاية سنة 2008 فاقت 13 مليار دولار، أي ما يعادل ميزانية البلاد خلال عام واحد. ويطالب تونسيون بمحاكمة علنية لعائلة الطرابلسي التي يصفونها ب"العصابة" و"المافيا" وبإرجاع "ما هربوه" من أموال إلى الخارج. وتشهد تونس منذ النصف الثاني من ديسمبر الماضي احتجاجات اجتماعية دامية على خلفية غلاء المعيشة وتفشي البطالة والفساد، وخاصة في صفوف عائلة زوجة الرئيس التونسي. واندلعت الاحتجاجات بعد انتحار محمد بوعزيزي (26 عاما) حرقا أمام مقر محافظة سيدي بوزيد (وسط تونس) احتجاجا على تعرّضه للصفع والبصق بعد أن تشاجر مع شرطية بلدية (امرأة) تشاجر معها عندما صادرت الفواكه والخضر التي كان يبيعها دون ترخيص من البلدية، ولرفض المحافظة قبوله لتقديم شكوى ضد الشرطية. وامتدت الاحتجاجات التي لا تزال مستمرة إلى مختلف مناطق البلاد. وقد سقط خلالها العشرات من المواطنين قتلى برصاص الشرطة. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان إنه أحصى 66 قتيلا. كان بن علي أعرب، أمس الخميس، عن عميق حزنه للأحداث التي تشهدها البلاد، وأسف لاستخدام الشرطة القوة المهلكة ضد المتظاهرين. وفي تصعيد جديد للأزمة التونسية، و تحت شعار "هم عربي واحد.. حل عربي واحد"، ينظم عدد من شباب القوى السياسية والأحزاب المختلفة وقفة احتجاجية حاشدة، ظهر بعد غد الأحد، أمام سفارة تونس تضامنا مع الشعب التونسي في انتفاضته ضد البطالة والفساد وسوء الأحوال الاقتصادية. ومن المنتظر أن يشارك في الوقفة الاحتجاجية عدد من التيارات السياسية المختلفة، من بينها حزب الكرامة، تحت التأسيس، وحزب العمل والاشتراكيون الثوريون وحركة حشد وحركة 6 أبريل وشباب من أجل العدالة والحرية "هنغير" والجبهة الحرة للتغيير السلمي وحملة حمدين صباحي مرشحا شعبيا للرئاسة، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وعدد من المدونين والمتضامنين مع الشعب التونسي.