من يعش خارج الوطن يتلهف على خبر «حلو» من بلده. وبعد يوم عمل مرهق، قررت أن أتجنب الصحف المعارضة والمستقلة، وأن اعتمد أساسا على الصحف التعبيرية لأن لديها قدرة جيدة على إعادة تركيب الصورة الحقيقية بما يتناسب مع إرضاء السادة المسئولين، فقررت أن أبحث فى الأهرام عما يستحق مناقشته. فتحت صفحة الأهرام على الانترنت ووجدت الأخبار المعتادة ولكن معها الأخبار التالية: «4 مجرمين احتجزوا قوة شرطة فى قسم الوراق»، «حمام دماء فى حوادث طرق بالشرقية بما أفضى إلى مصرع 36 بينهم 14 طفلا»، «مندوب شرطة يطلق الرصاص عشوائيا على قطار بسمالوط فيقتل ويصيب مجموعة من الركاب»، وبالتدقيق فى أسمائهم بمن فيهم من أشارت الصحيفة إلى أن العناية الإلهية أنقذتهم تبين لى أنه إما أن هناك عربة قطار مخصصة لإخواننا المسيحيين أو أن هذا القطار كان خارجا من قرية مسيحية إلى قرية مسيحية أخرى أو أن من أطلق الرصاص انتقى الأشخاص بعلامة معينة فيهم بحيث لم يكن بينهم أى شخص غير مسيحى. وهكذا توالت الأخبار السيئة فتشككت أن هذه ليست الأهرام. ولفرط عجزى عن تخيل حجم التردى فى أحوال قطاع منا، قررت أن أعتذر عن كتابة عمود اليوم، وقمت من مكانى مغاضبا. ولكن بعد دقائق وجدت عقلى يطرح على أسئلة من قبيل: ماذا يحدث فى مصر؟ هل المصريون فى حالة انتحار جماعى؟ هل هناك مرض نفسى عام؟ هل معمول لنا عمل؟ هل أى شخص يريد أن يفعل شيئا سيفعله: يقود سيارة بسرعة جنونية، يبنى عمارة فوق الحدود المسموح بها، يخرج مسدسه الميرى ويطلق النار على من يريد، يخرج فى الفضائيات ليقول ما يشاء، يركن سيارته مكان ما يحب، يتحرش لفظيا وماديا بمن تحلو له؟ من المسئول عن أحوال هذا البلد؟ ولكننى تذكرت أننا تعلمنا فى هذه الفترة المباركة أن علينا أن ننظر إلى الجزء الملىء من الكوب. وهى نفس مفارقة ابن عاصم والإخشيدى، فقد كان المصريون يعانون بسبب زلزال ضرب البلاد فى أول يوم تولى فيه كافور الإخشيدى حكم مصر، فتشاءم الجميع. ولكن محمد بن عاصم كان شاعرا تعبيريا محنكا، فحل المشكلة بقوله: ما زُلزلت مصرُ من خوفٍ يُرادُ بها لكنها رقصت من عدلك طربا إذن ما ألم بمصر لم يكن زلزالا وإنما ترقص الأرض احتفاء بعدل حكامها. أليس هذا هو حالنا اليوم؟