دون انتظار لنتائج التحريات والتحقيقات التى تجرى الآن لمعرفة أبعاد جريمة الإسكندرية البشعة والمخزية فإن المسئول عنها هو النظام الحاكم. ويجب وضعه وسياساته الخرقاء الحمقاء فى قفص الاتهام لمحاكمته، ليس فقط عن الدماء التى سالت فى الإسكندرية، ولا الأشلاء التى تمزقت أمام كنيسة القديسين، بل عن الوطن الذى يكاد يتمزق بسبب تحوله إلى طوائف متصارعة، والفشل الذى أدىّ إلى اختراق خارجى لمصر من أجهزة استخباراتية أو تنظيمات متطرفة استطاعت رغم كل ما يتم إنفاقه على جهاز الأمن المتضخم أن تحقق هدفا عزيز المنال وهو تمزيق النسيج الوطنى وإيجاد فتنة بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك يجب محاسبته عن الكارثة التى يمكن أن تؤدى بشباب محبط يائس إلى الانتحار مسببا هذا الحجم من الضحايا وهذا الجحيم من الغضب المنفلت أو بيع نفسه لقوى خارجية يتم استخدامه لكى يحقق زعزعة استقرار زائف لم يتم على أسس سليمة وليس له أى سند من الواقع، استقرار هش يمكن أن ينهار تحت وطأة أزمات لم تعد تختفى من حياتنا، كلما تنفسنا الصعداء أو كدنا خنقتنا أزمة جديدة، وكلما تعايشنا مع مشكلة دهمتنا أخرى لتمسك بخناقنا، فلم يعد أمام الشعب إلا رفع أكف الدعاء إلى الله أن يتدخل برحمته ليخلصنا من سبب الأزمات التى لا تنتهى ولا تنقضى. لقد اختار المجرم الأثيم توقيتا مريبا لارتكاب جريمته، ليذكرنا بأن جريمة مماثلة لا تزال فى أروقة المحاكم بينما الجناة الحقيقيون يسرحون ويمرحون، هؤلاء الذين تسببوا بسياستهم فى خلق مناخ أشبه بغرف الغاز التى تنتظر أى شرارة لإحراق الوطن. واختار زمنا عجيبا، بعد أن أممّ سدنة النظام آخر مؤسسة يتنفس فيها الشعب بعضا عن غضبه، ويحاول أن يدق أجراس الإنذار والتنبيه لعل عاقلا هنا أو هناك يعود إلى الرشد، وعندما احتكر النظام مجلس الشعب بتزوير الانتخابات، بعد أن أممّ المساجد واتحادات الطلاب ونوادى هيئات التدريس بالجامعات والنقابات العمالية، ومجلس الشورى والمجالس المحلية، وجمد معظم النقابات المهنية، وفرض الطوارئ لثلاثين سنة متصلة على الشعب المسكين، إذا ببركان الغضب ينفجر من الإخوة المسيحيين الذين اضطرهم النظام وشجعهم على اعتماد الكنيسة ملجأ وحيدا لهم، ومعبرا منفردا عن مطالبهم التى تحولت إلى مطالب طائفية وفئوية، لعل ذلك لأنهم أيقنوا أن المطالب الشعبية والوطنية قد تم سد كل المنافذ والنوافذ للمطالبة بها. لا يمكن تحميل الأمن مسئولية تامة عن الحادث رغم التقصير الواضح والشديد، بل إن الأمن ينفذ السياسات التى يكلف بها، وعندما يتم حشده لتزوير الانتخابات فماذا يتبقى لديه لحماية المواطنين. ولا يمكن لأى عاقل أن يهمل دلالة الإدانات الخارجية من الفاتيكان والدول الأجنبية التى ترسل رسالة واضحة وهى أن النظام الفاسد المستبد عاجز عن حماية المسيحيين، ونسى هؤلاء أنه عجز عن حماية كل المصريين، وماذا يجدى الآن رفض هذا التدخل المشئوم فى شأن داخلى بينما نترك الذين أتاحوا له القدرة على التدخل بالكلام تمهيدا للفعل فى شئوننا الوطنية ولا ننسى أن هذا هو بداية الاحتلال لأوطاننا كما حدث من قبل، وكما رأينا فى أوطان أخرى حولنا. وإذا امتد بصرنا إلى ما هو أبعد، سنرى أن سلسلة الاعتداءات على الإخوة المسيحيين انطلقت من العراق إلى مصر إلى نيجيريا فى أواسط أفريقيا وأن التدبير لهذه الاعتداءات الخطيرة لا يمكن أن يكون محليا، ورغم اختلاف الظروف فى كل بلد عن غيره إلا أن الفاتيكان يتدخل ويعقد مؤتمر البحث مشاكل مسيحيى الشرق الأوسط، ويدعو بابا الفاتيكان الدول الأوروبية صراحة لحماية المسيحيين فى بلادنا جميعا، فالخطر لا يستهدف مصر وحدهاه، بل دولا عربية عديدة لم يكن آخرها السودان. إلى أين تقودنا سياسة النظام وفشله فى معالجة قضايا الأمن القومى؟ تهديد الوحدة الوطنية، وتمزيق النسيج الاجتماعى لمصر، واستشراء الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وتكريس الطائفية، هذه ثمار مرة لسياسة النظام التى قامت على الاستبداد السياسى والفساد المالى والإدارى والظلم الاجتماعى، التى أدت إلى إنهاء دور المؤسسات المدنية والهيئات المجتمعية التى حاولت تخفيف آثار تلك السياسات الخطيرة، كل ذلك ينما يتبجح النظام بالمواطنة كشعار والديمقراطية التى ازدهرت وأينعت فكان قطافها 97% من مقاعد مجلس الشعب لحزب واحد. إهمال تأمين موارد مصر المائية من مياه النيل وترك السودان لمصيره المحتوم بانفصال الجنوب، وتأزم العلاقات مع إثيوبيا وبعض دول حوض النيل أدى فى النهاية إلى مخاطر مائية شديدة الوطأة فى مرحلة يتنبأ المراقبون فيها باندلاع حروب المياه فى السنوات القادمة. تفكيك المجتمع وتهديد الاستقرار والتماسك بين فئات المجتمع، والإغداق على نسبة لا تزيد على 10% بأموال طائلة وخدمات متميزة، وترك 90% من الشعب يعيش على الكفاف أو ما دون الكفاف تحت مستوى خط الفقر وإهمال المرافق والخدمات، وتمويل التعليم والصحة من جيوب الناس مع سياسة ضرائبية تقوم على الجباية فى كل المجالات، خاصة من الطبقة الوسطى دون تقديم مقابل سياسى فى انتخابات حرة أو مقابل خدمى فى مجالات الصحة والتعليم والنقل وبقية الخدمات. تحالف غير معلن مع العدو الصهيونى لحماية أمنه وحدوده وتوفير الموارد الطبيعية كالغاز ومواد البناء لمستوطناته، وقتل العشرات الذين يحاولون الهجرة عبر الحدود إليه. كل ذلك أدى وسيؤدى بسبب إصرار النظام على المضى فى تلك السياسات إلى كوارث متلاحقة ومصائب لن تتوقف. يجب أن نعلق الجرس فى رقبة المجرم الحقيقى، وأن نقول بكل شجاعة، حتى ولو انتهت التحقيقات إلى الإعلان عن اسم وانتماء الذى فجر القنابل أمام كنيسة القديسين، فإنكم تتحملون كامل المسئولية عن تلك الجريمة التى جرت فى حق الوطن كله وليس فى حق الإخوة المسيحيين. يجب أن نعلن بكل وضوح أن سفينة الوطن أوشكت على الغرق، وأن النظام الحاكم هو الذى يخرقها من كل جوانبها. يجب أن ينتبه الجميع إلى حجم الخطر وأن تتضافر الجهود لإنقاذ مصر من سياسات حزب فقد العقل والمنطق والضمير.