قبل أيام قليلة وقفت فتاة صينية نحيلة وسط زحام ميدان المحطة بالمعادى، توزع إعلانا صغيرا ملونا عن مركز صينى للتجميل والتدليك، يفتتح قريبا. ربما لم يعد الأمر يثير الدهشة كما حدث قبل سنوات، عندما ظهرت «الدلالة» الصينية وهى تحمل ما يشبه «المخلة»، تطرق الأبواب فى أحياء القاهرة، تسأل فى ابتسامة واسعة بلهجة مصرية ركيكة «فيه عروسة هنا؟». تستأذن فى الدخول إذا سمحت لها ربة المنزل من أجل مشاهدة البضائع التى تحملها فى «الحقيبة الكبيرة». هذه كانت بداية زحف الشعب الصينى إلى مصر الذى لم يتقن اللغة العربية ولا الإنجليزية، ولكن يعرفون الحسابات فقط والأسعار محفوظة عن ظهر قلب، حتى إن الدلالة الصينية تعلمت كيف ترد الفصال الذى تتقنه السيدة المصرية، ودائما تقول البائعة الصينية فى حزم «ده آخره»، إذا زاد الفصال عن حده. والمدهش فى الأمر أن تلك الملابس التى باعتها الصينيات فى البيوت كانت مصرية، وهذا مدون على «التيكت الداخلى». وهنا اكتشفت السيدات الحيلة، الصينيات يذهبن إلى منطقة العتبة والموسكى، ويشترين البضائع بسعر الجملة، ثم يكون مكسب القطعة الواحدة ما يساوى عشرة جنيهات. ظهرت المنتجات الصينية فى «المعرض الصينى» الذى يقام فى الأحياء الشعبية بمصر، منها المطرية، حلوان، شبرا، الهرم، وبعض المحافظات، وداخل النوادى الاجتماعية الكبرى فى القاهرة. وفى هذا التوقيت تحديدا ظهرت فئة من المحال فى مصر تحت اسم «اتنين ونص»، وهذا يعنى أن سعر أى منتج داخل المحل يساوى جنيهين ونصف الجنيه، وهذا يعتبر بداية الغزو. جميع المنتجات داخل المحل بداية من ألعاب الأطفال، أدوات المنزل، الملابس الداخلية الحريمى، الماكياج، وأدوات التجميل، وأدوات المدارس. فرحة المصريين بفئة المحال الجديدة الصينية، كان يمكن رصدها بسهولة من خلال التجول فى هذه المحال التى وجدت داخل أكبر المراكز التجارية بالأحياء الراقية، وفى نفس الوقت وجدت بالأحياء الشعبية. أصبحت رحلة تسوق عائلية، الأمهات يقفن أمام أدوات المطبخ والماكياج، والصغار يسرحون مع لعب الأطفال. لاقت المنتجات الصينية رواجا بين المصريين بسبب انخفاض أسعارها، وفى فترة قليلة اكتشف المستهلك الخدعة «الصينى مش أصلى»، لأن المواد المستخدمة فى التصنيع رديئة جدا وتتلف سريعا. رغم ذلك استمرت الصين تضخ بضائعها فى أسواقنا، فأصبح الآن لدينا فانوس، وسجادة صلاة وسبحة وسجادة صلاة صينى، بخلاف الملابس والأجهزة الكهربائية حتى الدراجات البخارية والسيارات، التى أغرقت السوق المصرية ونافست الماركات العالمية بأسعارها البسيطة. وضربت الصين المنتج المصرى بمحاكاة كل ما تتميز به مصر، حتى التماثيل الفرعونية التى تباع للسياح مختومة بختم الصين، وفى محال الملابس تجد البنطلونات الجينز من الماركات العالمية مقلدة من الصين «بربع الثمن». وإن كان المنتج الصينى درجات، فمصر لديها الأسوأ، فالدولة التى تقوم بحرب اقتصادية على كل أنحاء العالم، تصنع من الحذاء نوعين، الأول بعشرين جنيها، والثانى يزيد ثمنه على 200 جنيه، والفرق فى الجودة، وهذا ما شجع المستوردين فى مصر إلى اللجوء للمصانع فى الصين، «وكله حسب طلب الزبون». ولم تتوقف الأيدى الصينية عند حد معين، فكل يوم يستيقظ المواطن المصرى على منتج صينى جديد، ينضم إلى منزله، فبعد أن أصبحت الفواكه والخضراوات، والغسالة، التليفزيون، السجاد، الأثاث، الديكورات، والسيارة صيني، هبطت العروس الصينية لتنافس المصرية على الرجال. وانتشر إعلان ترويجى كوميدى عن مميزات تلك العروس التى تعمل بالريموت، وفى الحقيقة أشيع أنه يمكن للشباب التزوج من أى صينية مقابل ألف جنيه تدفعها العروس من أجل حصولها على الإقامة فى مصر. وفى شهر أكتوبر الماضى، تم القبض على شبكة دعارة تقودها سيدة صينية فى مركز صحى بالمعادى. الفتاة الصينية فى ميدان المحطة بالمعادى قبل أيام وزعت إعلانها على السيارات والمارة، دون أن تتحدث مع أحد، والمركز يقدم خدمات التدليك والتجميل، الحمام وتصفيف الشعر ورعاية الوجه، وحتى الحجامة على الطريقة الصينية «وغير ذلك خدمات كثيرة، ويمكن للنادى تلبية احتياجات عملائه على اختلافاتها»، كما يقول نص الإعلان. الإعلان بالعربية والإنجليزية والصينية، إلا أن السيدة الصينية التى تجيب على الهاتف لا تتحدث غير اللغة الصينية، ولا تعرف من اللغة الإنجليزية غير عبارة «هاو آر يو؟». جنون الذهب .. شبكة الفقراء دبلة صينى الجنيه .. من ورقة إلى قرص معدنى باهت