محافظ أسيوط يشارك في وضع حجر الأساس لمجمع سكني مشترك للأطباء والمهندسين    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات المهرجان الرياضي الثالث    مجلس الوزراء يكرم الأمين العام السابق للمجلس ويهنئ الأمين الجديد بتوليه المسئولية    ننتهج استراتيجية تعتمد على الابتكار والرقمنة.. وزير الري: نصيب الفرد من المياه لا يتجاوز 560 متر مكعب سنويًا    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ القاهرة الموقف التنفيذي لمشروعات التطوير    تداول 16 آلاف طن و756 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    مدبولي: الحكومة ماضية في نهج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبعه    عاجل - مدبولي: رسائل الرئيس في القمة العربية تجسد ثوابت الموقف المصري تجاه قضايا المنطقة    من 1980 إلى 2024.. رحلة إسبانيا الطويلة مع القضية الفلسطينية    نزوح مستمر من غزة وسط قصف مكثف وخيارات محدودة للهروب    وليد صلاح الدين: زيزو لم يطلب التأهيل في الخارج    محافظ شمال سيناء يفتتح مهرجان الهجن بالعريش    منتخب الناشئات يتوجه إلى غينيا الاستوائية لخوض التصفيات المؤهلة لكأس العالم    ضبط شقيقين تعدوا على بعضهم بالضرب بالسيدة زينب    مصرع زوجين وإصابة جارتهما في تصادم قطار بتروسيكل بالشرقية    7 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب"السوق السوداء"    الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    عيد أبو الحمد يكشف تفاصيل أزمته الصحية الأخيرة ويشكر متابعيه    محمد قناوي يكتب: 4 ملاحظات علي المؤتمر الصحفي لمهرجان الجونة في دورته الثامنة    فرقة التراث تحيي ذكرى رحيل منير مراد على المسرح الكبير (تفاصيل)    قبل عرضه بالسينما أكتوبر المقبل.. تعرف على أحداث فيلم «فيها إيه يعني»    شعبة الصيدليات: منظومة التتبع الدوائي خطوة استراتيجية لضبط السوق    «الدميري»: الفحص قبل الزواج خطوة لبناء أسرة صحية وسليمة    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    وكيل تعليم الشرقية يطمئن على جاهزية المدارس لاستقبال العام الدراسي    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    الأزهر للفتوى: يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه في حالة واحدة    عالم أزهري يكشف لماذا تأخر دفن النبي بعد موته وماذا جرى بين الصحابة وقت ذلك    «التضامن» تقر قيد تعديل 4 جمعيات في محافظة البحيرة    229 درجة في الأماكن الشاغرة.. بدء المرحلة الثالثة لقبول طلاب الثانوية العامة بسوهاج    في ذكرى ميلاد خليل الحصري.. قارئ أضاء تاريخ التلاوة بصفاء صوته    "عليهم أن يكونوا رجالًا".. هاني رمزي يفتح النار على لاعبي الأهلي عقب تراجع النتائج    «التعليم» توضح 11 نقطة حول تفاصيل «البكالوريا» وسداد المصروفات الدراسية    قبل بدء الدراسة.. تعليمات هامة من التعليم لاستقبال تلاميذ رياض الأطفال بالمدارس 2025 /2026    تخفيضات وتذاكر مجانية.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    عاجل- انقطاع الإنترنت والاتصالات الأرضية في غزة وشمال القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    أبو مسلم يهاجم ترشيح فيتوريا لقيادة الأهلي    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    آخرها فيروس «A».. تعرف على تاريخ إصابات إمام عاشور مع الأهلي    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    «جوتيريش»: سيذكر التاريخ أننا كنا في الخطوط الأمامية من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في الشرقية    سياسي ألماني يطالب حكومته بإفساح المجال أمام فرض عقوبات على إسرائيل    «ڤاليو» تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقًا عبر منصة «نون»    «ليه لازم يبقى جزء من اللانش بوكس؟».. تعرفي على فوائد البروكلي للأطفال    بتقديم الخدمة ل6144 مواطن.. «صحة الشرقية» تحصد المركز الأول بمبادرة «القضاء على السمنة»    «طلبت الطلاق أمام البنات».. ضبط «جزمجي» أنهى حياة زوجته في الغربية    وزير الدفاع السعودي ولاريجاني يبحثان تحقيق الأمن والاستقرار    كندا: الهجوم البري الجديد على قطاع غزة «مروع»    الصورة الأولى للشاب ضحية صديقه حرقا بالشرقية    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الأوراق المطلوبة والفئات المستحقة    حرق من الدرجة الثانية.. إصابة شاب بصعق كهربائي في أبو صوير بالإسماعيلية    مسلسل سلمى الحلقة 25 .. خيانة تكشف الأسرار وعودة جلال تقلب الموازين    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا نفعل بأساطيرنا المعاصرة؟
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 12 - 2010

انتقص الشاعر القديم كثيرا من قدر الكتاب عندما وصفه بأنه خير جليس فى الأنام. ذلك أن الكتاب ليس بالنسبة لصاحبه مجرد جليس، إنما هو فى الحقيقة صديق. والذين يملكون منا كتبا كثيرة لهم أصدقاء كثيرون، ومن الصعب أن يخيروا أنفسهم بين أعداد منها يضمونها إلى صدورهم وأعداد أخرى يستغنون عنها. كل الكتب أصدقاء وان اختلفت درجات الصداقة ونوعيتها.
مع ذلك فإن بعض ما نملك من كتب يكون اقرب إلى عقلنا ووجداننا من غيره، تماما كالأصدقاء.
فى الآونة الأخيرة ألح علىّ عقليا ووجدانيا كتاب اشعر تجاهه بإعجاب قوى. واختار أن أعود إليه بين حين وآخر على الرغم من انه ليس بطبيعة موضوعه كتابا موسوعيا. إنه كتاب يقرأ من عنوانه أو بالأحرى ينطق عنوانه بموضوعه بصدق وبكفاية. الكتاب الذى أشير إليه هو للمفكر الفرنسى بول فين. صدر فى عام 1976، ويحمل عنوان «هل كان الإغريق يصدقون أساطيرهم؟».عنوان بالغ الغرابة وبالغ الجاذبية معا. وهكذا هو حال الكتاب الذى لا يتجاوز مائتى صفحة.
لا أظن أن أحدا غير المؤلف خطر له أن يطرح مثل هذا السؤال مهما كانت درجة دهشته من الأساطير اليونانية وما تنطوى عليه من خيالات وتخيلات. لكن بول فين سأل السؤال الفريد وأجاب عليه إجابة اعتقد أنها كاملة. واتت إجابته أكثر مدعاة للدهشة. ليس لأنها أبقت على تساؤلات مدهشة أخرى كما يفعل كثير من المؤلفين إنما لأنها غاصت فى الواقع لتثبت أن الإغريق ما كانوا فى الحقيقة يؤمنون بأساطيرهم الغريبة الكثيرة. بل إن العكس هو الصحيح. إنما عاشوا لقرون يرددونها ويزيدون عليها ويزيدونها غرابة على غرابتها. كانت تلك طريقتهم فى احتمال الحياة الواقعية التى كانوا يعيشونها.
يقول بول فين إن عددا من الفلاسفة الإغريق (اليونانيين القدامى) مثل اكسينوفان فى القرن السادس قبل الميلاد وصلوا فى نقدهم للأساطير فى زمانهم إلى حد وصف الشعراء الذين كانوا وراء تأليفها بأنهم كانوا زنادقة وكذابين. بل يؤكد المؤلف إن هذا الخط الفكرى فى معالجة الأساطير وجد التعبير الكاسح عنه فى محاورة الجمهورية التى يكاد يجمع المفكرون على أنها أهم محاورات أفلاطون على الإطلاق. ويضيف إنه فى القرن الخامس قبل الميلاد كتب يوريبيديس مآسيه العظيمة مستنكرا ومستهزئا بالأساطير القديمة على ألسنة شخصيات هذه المآسى.
عفوا، لست اقصد إلى عرض كتاب «هل كان الإغريق يصدقون أساطيرهم ؟» ولا إلى تلخيصه، فليس المجال لهذا أو لذاك.
إنما لأن الواجب يحتم علينا أن نتساءل، وقد تكاثرت الأساطير المعاصرة على عقلنا ووجداننا نحن العرب على نحو أصبح يستوجب، بعد 27 قرنا من الفكر الفلسفى اليونانى، أن نتساءل: إلى متى نظل نصدق أساطيرنا المعاصرة التى تتكالب على عقولنا فى مجالات شتى كالسياسة والأخلاق والعادات والعلاقات الاجتماعية... وما إلى ذلك؟
فلو أننا تأملنا قليلا فى أحوالنا لتبين لنا أن ثمة أساطير تكاد لا تعد ولا تحصى تتحكم فى سلوكنا وفى عاداتنا وتفرض علينا تقاليد وأخلاقيات وسلوكيات قد يكون التحرر منها اقرب الطرق إلى تحرير أنفسنا من أوضاع الواقع الظالم أو المسيطر ظلما أو المعرقل لتقدمنا وحرياتنا.
نسميها أساطير معاصرة لأننا نعيش معها وعليها فى زمننا الراهن وان كان بعضها أساطير موروثة من أزمنة موغلة فى القدم. ونتمسك بها لأنها كما كان حال الأساطير اليونانية تشكل جزءا من «النسق الإيمانى» لعقولنا ووجداننا حتى وان لم تكن ترتبط ارتباطا حقيقيا بالدين.
ألا تستبد بنا عقليا ونفسيا أسطورة تصور لنا أن الحاكم هو ظل الله على الأرض؟ ألا نعتقد فى أعماقنا أن حكامنا مخلوقون ليحكموا.. بل ليحكموننا؟ حتى عندما نتمرد فإن شيئا فى أعماقنا يظل يلح بأننا فسدنا وأن ما نفعله من تمرد ليس إلا خروجا على العقل وربما الدين... خاصة عندما لا ننتصر ويخفق التمرد داخلنا وخارجنا نتصور أن آلهتنا تعاقبنا وتكافئ حكامنا بهذه الطريقة.
إننا نتعامل مع الواقع من منطلق أسطورى فنعتبره غير قابل للتغيير وهذه ليست من سمات الواقع تتحكم فى تفكيرنا وطريقة رؤيتنا للأشياء فكرة أننا كأفراد نبقى أفرادا ونبقى بالتالى غير قادرين على تكوين الحشد الكلى القادر على التغيير واللازم لهذا التغيير. الأغنياء منا أغنياء لأن هذا أمر ليس مرهونا بإرادتنا إنما هو مرهون بقوة غيبية هى نفسها التى تجعل منا فقراء ويمكن أن تحولنا فى لحظة لا ندريها إلى أغنياء مفرطى الغنى. ومع أن هذا التحول لا يحدث حولنا قريبا أو بعيدا منا فإننا تحت تأثير أسطورة تقسم عالمنا إلى أغنياء وفقراء.
أمريكا أكبر أساطيرنا المعاصرة. واقع أمريكا الذى يراه غيرنا حتى فى العالم الثالث فى أفغانستان وقبل ذلك فى العراق وقبل ذلك بكثير فى فيتنام. أمريكا التى تواجه بالتردد إيران وتخشى مناطحتها هى وإسرائيل هى بالنسبة لنا الأسطورة الأكبر فى عالمنا المعاصر. تملك قوة ضغط علينا ولا تملك قوة ضغط على طالبان. هى أسطورة إذا نظرنا إليها استراتيجيا وإذا نظرنا إليها اقتصاديا.. وأسطورة حتى إذا نظرنا إليها ثقافيا، بينما الدراسات الصادرة من داخل أمريكا نفسها تتنبأ بنهاية الإمبراطورية الأمريكية فى غضون وقت ينتهى فى أقصاه فى عام 2025. ونحن نتعامل مع أمريكا وكأنها أسطورة كل زمان ومكان ونرضى بأن نحذو حذوها فى التباحث مع إسرائيل وفى القبول بالسلام الإسرائيلى لأنه مقبول أمريكيا.
تحولت إسرائيل إلى أسطورة.. أسطورة فى قوتها وأسطورة فى عدم قدرتنا على على الأقل وقفها عند حدها. أصبحنا نسلم بضرورة تركها باسم السلام تتحكم وتستبد وتطغى، حتى عندما ينالنا مباشرة هذا الطغيان الإسرائيلى نفضل أن نغفله باسم السلام الذى وقعناه معها وباسم الفرص الخيالية التى يخلقها هذا السلام لقضايا ناضلنا كثيرا من اجلها مثل القضية الفلسطينية. غير مسموح لنا أو لغيرنا أن يعكر صفو هذا السلام الأسطورى الذى نحترمه نحن ولا تحترمه إسرائيل. وأسطورة إسرائيل قادرة على أن تجعلنا ننأى بمصر عن دورها الإقليمى التاريخى والجغرافى. مرة أخرى الواقع الحقيقى ينسى لحساب الأسطورة. وأسطورة إسرائيل قادرة على أن تجعلنا نشارك فى المحادثات أو المفاوضات إذا كانت مقبولة من إسرائيل، ونغفل عنها وننزاح جانبا إذا كانت إسرائيل غير مشاركة فيها.
ظلت وحدة مصر والسودان أسطورة حتى فى زمن الاحتلال البريطانى إلى أن لاحت فى أفق الواقع نتائج سياسات حكام السودان الشماليين وقرر الجنوبيون أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم فيعود السودان نفسه وحدة.. ونبدأ نحن فى مصر قبل غيرنا الاستعداد لانفصال الجنوب عن السودان وهو بمعنى ما انفصال عن مصر. الأسطورة التى كانت تسمى وحدة مصر والسودان تبخرت بفعل عمل مسلح على ارض الواقع غابت عنه مصر كما غابت عن العمل الدبلوماسى الذى كان ينبغى أن يمنع حكام السودان الشماليين من أن يظلموا الجنوب. ونختار أن نكون المتفرجين فى حلبة صراع الثيران التى يمكن أن تقضى على مزيد من وحدة السودان.
كنا واقع الدور الإقليمى وأصبحت قطر أسطورته.. كنا واقع ثلاثى الضمان الإقليمى مع سوريا والسعودية وتركنا الثلاثى ليصبح أسطورة ثنائية بدوننا...وغيرها وغيرها.. مواقع فضلنا فيها التعامل مع الواقع على انه أسطورة والتعامل مع الأساطير على أنها واقع. أصبح من الضرورى أن نتساءل متأخرين كثيرا عما إذا نصدق أساطيرنا المعاصرة وأن نبدأ متأخرين أكثر فى انتقادها والابتعاد عنها واعتبارها زندقة وليست إيمانا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.