تنسيق 2025.. طريقة معرفة الكلية المُرشح لها الطالب بشكل نهائي    بعد انخفاضه.. ماذا حدث لسعر الذهب بحلول التعاملات المسائية السبت؟    كايا كالاس: الأمن الأوروبي ليس مطروحًا للتفاوض    رئيس استخبارات الاحتلال السابق: الفلسطينيون بحاجة إلى "نكبة" ليدفعوا الثمن    رئيس البرلمان العربي يعزي الجزائر في ضحايا سقوط حافلة نقل    هل تأثر بغياب إيزاك؟.. نيوكاسل يستهل موسمه بتعادل مع أستون فيلا    نادي القناة يتصدر بطولة كأس مصر للتجديف بالإسماعيلية    مصدر أمني يوضح أسباب حريق مخزن ببولاق أبو العلا | فيديو وصور    عرض مقتنيات نادرة لكوكب الشرق.. افتتاح معرض "صوت مصر" بمجمع الفنون الاثنين    في 3 أيام.. إيرادات "درويش" تتجاوز 8 ملايين جنيه    بفستان جريء.. أحدث ظهور ل نسرين طافش والجمهور يعلق (صور)    فحص 8 ملايين و336 ألف طفل لعلاج فقدان السمع.. إليك طرق التقديم    وكيل الشباب والرياضة بالقليوبية يتفقد حمامات السباحة والمنشآت الاستثمارية    انطلاق الحملة القومية للتحصين ضد فيروس الحمى القلاعية بكفر الشيخ    إليسا تخطف الأنظار في العلمين الجديدة.. فستان وردي وحضور غير مسبوق    منال عوض: اتخاذ إجراءات تطويرية خاصة بمحمية وادي دجلة لتعزيز حمايتها والحفاظ على مواردها الطبيعية    إنفوجراف| ضوابط تلقي طلبات المستأجرين المنطبق عليهم شروط قانون الإيجار القديم    نائب: البيان العربي الإسلامي حمل ردًا حاسمًا حول مزاعم "إسرائيل الكبرى"    الدنمارك تدرس فرض عقوبات على إسرائيل    نائب وزير الصحة يكشف عن عدة سلبيات داخل منشآت طبية بالمنيا.. ويجازي عددا من الأطباء    إصابة 9 أشخاص باشتباه في تسمم غذائي إثر تناولهم وجبات بمكان ترفيهي بالشرقية    تفاصيل إصابة 6 أشخاص في تصادم دراجات نارية علي طريق في الدقهلية    ضبط 35 شيكارة دقيق مدعم و150 قالب حلاوة طحينية مجهولة المصدر في كفر الشيخ    "حقوق أسيوط" تحتفي بمتفوقيها وتستعد لدعمهم ببرنامج تدريبي بمجلس الدولة    بعد حريق محطة الحصايا.. إعادة تشغيل الكهرباء بكامل طاقتها بمركز إدفو    «شعرت بنفس الشعور».. سلوت يعلق على بكاء صلاح بسبب تأبين جوتا    والدة الفنان صبحي خليل أوصت بدفنها بجوار والدها في الغربية    نجم بيراميدز يتحدى الجميع: سننافس على كل بطولات الموسم.. ويورتشيتش «كلمة السر»    محافظ بورسعيد يناقش آليات الارتقاء بمنظومة الصرف الصحي ومياه الشرب    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يوسّع دائرة اعتداءاته جنوب لبنان    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    تنفيذ 47 ألف زيارة منزلية لعلاج لكبار السن بالشرقية    5 أطعمة تقلل من مستويات حمض البوليك في الجسم.. تناولها    السيسي يوافق على ربط موازنة الجهاز المصرى للملكية الفكرية لعام 2025-2026    بالتعاون بين الشركة المتحدة والأوقاف.. انطلاق أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    التعليم: كتب وبوكليت مطبوع لتقييم الطلاب بالعام الدراسى 2026    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية: تصريحات نتنياهو تمثل استفزازًا صارخًا لمشاعر الشعوب العربية والإسلامية    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتاب خير جليس في زمن الحاسوب
نشر في القاهرة يوم 30 - 03 - 2010

انفضت كل حجج عديمي القراءة، وما زالوا علي عناقهم اللانهائي للخصام مع الكتاب، صارت الكتب متوفرة عبر هيئة قصور الثقافة بسلاسلها المتعددة، بأسعارها المشجعة، وكذلك مكتبة الأسرة التي بلغت سن الرشد، ومنحتنا مكتبات متنوعة، إضافة لرافد مذهل هو الإنترنت بمكتباته التي لا تبقي ولا تذر شيئا من الكتب إلا ونسخت ووضعت علي المواقع المتخصصة..
فهل تغيرت العادات القرائية لدي الناس؟ وهل الكتاب يختلفون عن غيرهم في هذا الأمر، في هذا التحقيق ننصت لتجارب وآراء مجموعة كتاب عرب، لكل تجربته وأفكاره..
الشاي البارد
إن كان الأديب الكبير"خيري شلبي" يلجأ للمقابر ليقرأ فيها ويكتب، فأديبنا القاص والشاعر سمير الفيل له عاداته أيضا، يقول ل «القاهرة» (للقراءة معي تاريخ طويل فقد خرجت للعمل المهني مبكرا في ورش الأثاث ثم في محلات الأحذية، وهذا دفعني لاقتناص أي فرصة للقراءة وسط الناس خاصة مع البدايات الأولي حيث الروايات العالمية، وأرسين لوبين وشارلوك هولمز. بعد التبحر في دنيا الأدب صارت القراءة لها طقوس خاصة كأن اقرأ في جو هاديء بعيدا عن الضوضاء لكن لا مانع من الإطلالة من الشرفة بين حين وآخر وفي يدي كوب شاي صغيرمن وقت لآخر، أتركه ليبرد وغالبا لا أشربه. هناك ورقة خالية أدون فيها ملاحظاتي وهواجسي مع كل كتاب أتناوله، ولا أكتب هوامش في الكتاب نفسه إلا في حالة إعداد بحث أو دراسة نقدية. جربت القراءة المختلسة في المواقع الميدانية خلال فترة الجيش، قرأت لأرنست هيمنجواي والبير كامي وسارتر وميشيل فوكو. ولما كانت الأوراق شحيحة وجدتني اتخذ ورقة الكافور كعلامة بين الصفحات دلالة علي التوقف كي تكون العودة سهلة وحتي أندمج مرة ثانية مع النص أعود لقراءة آخر صفحة من جديد.
جربت القراءة في القطارات والميكروباصات وسيارات الأجرة، فأصبحت "طلخا" لصيقة بقصائد "لوركا" و"كفر شكر" متسقة مع " ليس علي رصيف الأزهار من يجيب "لمالك حداد" ومدخل "شبرا" الذي يكتظ بالباعة مقترن برواية عبدالحكيم قاسم "أيام الإنسان السبعة ".
"شوهالحكي"
وتقول الأديبة اللبنانية رولي بتكجي تؤكد للقاهرة"، لا أدري متي بدأ ولعي بالمطالعة، كل ما أذكره أن أمّي كانت تضيق ذرعاً بي وأنا أعينها في توضيب الحقائب المرفوعة فوق الخزائن، وكنت أستغرق وقتاً يفوق اللازم في تلك المهمة وهي "منقوعة" عند أسفل السلم الخشبي، بانتظار نزولي المظفّر. ولأن والدتي قد فطنت إلي سبب تلكؤي في إنجاز مهمّتي_ أو ربّما لأسباب أخري_ فقد باتت تستبدل الجرائد التي تفرشها علي الحقائب بأغطية قديمة.
إبان حديثي عن المطالعة وشغفي بها بادرتني زميلة والغثيان يكتنف سحنتها بقولها: "شو هالحكي عن جدّ بتحبي تطالعي ؟ ياه!!" وزفرت وهي تحدّق بي بذهول وكأني كائن خرافي نزل لتوّه من المرّيخ. المطالعة كانت وستبقي تسريتي وتعزيتي وعالمي الذي أجد فيه ملاذي!
عادات تتغير
بكل تأكيد تتبدل العادات لدي الناس، ومنهم الأدباء وعلاقتهم بالقراءة، وربما كانت فترة الصبا تشكل أساسا ضخما للقاعدة الثقافية لدي القارئ / الكاتب، قبل الانشغالات والمجاملات ومئات الكتب المهداة التي لا فكاك من قراءتها، الأديب شريف صالح يقول (ففي فترة الصبا كان المرء يخرج إلي الحقول بصحبة يوسف إدريس وتوفيق الحكيم ومصطفي محمود وأصلان وعبد الحكيم قاسم.
أما الآن، فما عاد هناك صبا ولا حقول ولا وقت فراغ، فاختزلت عادة القراءة نفسها، في ثلاثة أنواع: وقت احتمالي قبيل النوم من ربع ساعة إلي ساعتين، مع إضاءة خافتة بجوار الفراش، لأقرأ نصوص الأصدقاء وغير الأصدقاء، أو مطالعة سريعة علي شاشة الكمبيوتر لأي كتاب إرواء للفضول، في أي وقت يتاح.. أما النوع الثالث فهو يرتبط بالدراسة الأكاديمية والتي تتطلب يقظة ووضع مجموعة كبيرة من الكتب فوق بعضها واختيار الفقرات المهمة وتصنيفها والتفاعل مع شاشة الكمبيوتر والعودة إليها مرات كثيرة.
الأديبة الفلسطينية عايدة النوباتي تخص "القاهرة" بأسرارها قائلة:
القراءة تقلصت كثيرا عندي... عندما اكتشفت متعة القراءة لم أصدق نفسي... ومازلت أشعر بأن الكتاب (صندوق الدنيا) الذي نفتحه لنبعث منه شخصياته أو نبعث نحن منه بأرواح جديدة...
كنت اقرأ بشكل عشوائي كل ما يقع تحت يدي... خصوصا كتب علم النفس والمسرح والروايات العالمية.... كتب لم أكن أفهم منها شيئا عن (الأنا والأنا الاعلي...) ومصطلحات كنت اخترع لها تعريفات حسب العمر والقدرة علي الاستيعاب... لم اترك كتابا في مكتبة المدرسة إلا وقرأته وبدأت أشتري الكتب وكل كتاب كنت احتفي به بطريقة خاصة ... احتضنه عدة دقائق قبل البدء بقراءته...اقرأ كل الوقت في باص المدرسة بالذهاب والاياب في فترة الاستراحة... في البيت بعد المدرسة أما يوم الخميس فله طقوسه الخاصة... اتذكر انني كنت امسك الكتاب في المساء ولا اتركه حتي صباح اليوم التالي.... انتهي منه واضعه تحت وسادتي وأنام جزءا من اليوم...
اقرأ وانا أمشي وأنا اجلس مع الناس أو وحدي لا يهم....انشغل عن الطعام بالقراءة وعن الشراب بالقراءة.... تلك أيام من الروعة بحيث أذكرها بحنان كبير..
القراءة بالملابس الرسمية
يروي الفنان محمود حميدة أنه كان يقرأ إحدي روايات تشيكوف، ولم يجد فيها شيئا خارقا يقابل الضجة الكبري حول قيمة تشيكوف، وشكا ذلك للمخرج الراحل "رضوان الكاشف " فقال له من يقرأ بهذه الطريقة حمار، ولما استفسره عن مقصده، أخبره الكاشف بضرورة التهيؤ لقراءة تشيكوف وأمثاله، لابد أن تستحم وترتدي ملابس الخروج، وتكون في قمة اليقظة ,, وهو ما فعله محمود حميدة بالفعل..
الأديب محمود الديداموني يقول إنه يتهيأ لكاتب ما (إن كانت لدي أفكار مسبقة عن كتاباته (تاريخ اجتماعي) ولكن القراءة لديه ترتبط - كما يقول - بحالة الوعي لديه، فالقراءة تزيد يقظته وليس العكس. أما أديبنا سمير الفيل فيقول (لا يوجد استعداد لكاتب معين باستحداث طقوس خاصة لكن لي تجربة مع محمود درويش هي أن هذا الشاعر الفريد يحتاج إلي فترات من السكون لكي تقتحم تلك الغابات المتشابكة من الصور والأخيلة وجماليات النص، وهو ما تحتاجه تجارب شبيهة كنصوص بورخيس.
في رواية "فساد الأمكنة" لصبري موسي كنت أستحضر الأطلس وأمرر يدي علي مناطق بعينها لأتمكن من الإحساس بالشخصيات تتحرك في محيطها الحيوي. هناك لقطة لا أنساها لطفل كان يقرأ كتابا من بعيد، ويحرك أصابعه وهو يجري بفرح. اقتربت منه وتأملت الصفحة. كان بالكتاب فراشات ملونة والطفل يشخصها ويكاد لخفة جسده يطير. ليتنا نتعلم هذا النوع من القراءة!
وتسر لنا رولي بتكجي - القاصة اللبنانية - بأنه "ما أعوّل عليه من قراءات يكون في شبه عزلة، ولا جدوي ترتجي لي من قراءة ما قبل النوم، وقد تبرّعت مرّة لمرافقة سيدة تنوي استئجار مسكن تعود ملكيته لوالدتي، ولدي مغادرة المستأجرة العتيدة عكفت علي إتمام مطالعة الكتاب الذي كنت قد دسسته في حقيبتي أظنّه "يساري أنت أم يميني" لعزيز نيسين ولم أرجع إلا بعد فراغي منه طبعاً نلت توبيخاً" من كعب الدست " من الوالدة لأنها قلقت، ناهيك عن تورّم قدمي فقد قضيت وقتاً لا بأس به واقفة قبل أن يتفتّق ذهني عن فكرة ارتقاء السطوح واقتعاد بعض الحجارة.
أما عذاب شريف صالح - وهو يدرس الدكتوراة في المسرح الآن - بكلماته (لعل ما يزعجني في هذا الصخب القرائي أنني أخفقت خلال عشرين عاماً في "منهجة" عادة القراءة، بنفس القدر في "منهجة" عادة الكتابة. وبالتالي مازلت أحلم بقراءة روحية عميقة ومنتظمة لأسماء مثل تشيكوف، ديستوفسكي، كافاكا، نجيب محفوظ، كازنتزاكيس وغيرهم. وهو حلم لن يتحقق إلا إذا تخلص المرء من وطأة الضرورة و وهب حياته لمتعة المعرفة المزدوجة) الأديبة الفلسطينية عايدة النوباتي تقول (استعد احيانا لكتاب مهم بفنجان قهوة اضعه جانبا وانشغل بالقراءة فأنساه تماما حتي يبرد و لا اشربه ابدا في هذه الحالة.. بعض النصوص تجعلني اقرأ بطريقة عكسية اي من الفقرة الأخيرة ثم اصعد فقرة فقرة حتي أصل للبداية.... بعض الكتب لا تفارقني اقرأ قبل النوم واتركها تحت الوسادة لاقرأها حين استيقظ، هناك اوقات يأخذنا العمل من انفسنا ومن القراءة لكني حين ابحث بامعان لا اجد أوقاتاً كثيرة لم اقرأ بها حتي لو كانت قراءة لمدد قصيرة..).
ربما ينتهي الكلام بشهادة الشاعر السوري الكبير شاهر خضرة ل "القاهرة".
بالأمس حملت كتابي بطلب من مدير أمسية لأوزعه علي الموجودين حملت شنطة وذهبت، هناك وجدت تصغيرا لنفسي أن أوزع كتابي مجانا هكذا علي الرغم من أنني دائما أوزع كتبي مجانا ولكن في هذا الجمع خجلت من نفسي أن أدور كمن يوزع شايا في عرس فعدت بالكتب إلي البيت ولم أخبر أحدا أنني كنت أحمل كتابي علم المعني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.