فى أول إطلالة لمجلس الشعب الجديد تم انتخاب الدكتور أحمد فتحى سرور رئيسا له بطريقة لها. بصورة لها دلالتها العميقة، التى تسلط ضوءًا كاشفا على الصورة الحقيقية للمجلس والآمال المعلقة عليه. ذلك أنه حين فتح باب الترشيح لرئاسة المجلس تقدم اثنان. أحدهما الدكتور سرور، والثانى الدكتور محمد عبدالعال الذى يفترض أنه يمثل حزب العدالة الاجتماعية مجهول الهوية الذى لم يسمع به أحد فى الساحة السياسية أو فى مجالات العمل العام. وعند فرز الأصوات تبين أن الدكتور سرور حصل على 505 أصوات، فى حين حصل منافسه على صوت واحد، أغلب الظن أنه صوته هو، الأمر الذى يستدعى إلى الذاكرة تجارب التصويت فى انتخابات جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابقة، حين كانت الأجهزة الأمنية تدفع بمرشح متفق عليه لكى ينافس مرشح الحكومة المطلوب. فيحصل الأول على صوته فى حين يحقق الثانى فوزا كاسحا. وقد حدث فى جمهورية أوزبكستان أن مرشحا منافسا للرئيس إسلام كريموف ذهب إلى مقر اللجنة المختصة يوم الانتخابات وأعلن أنه سوف يعطى صوته لغريمه المبجل والمحبوب الرئيس كريموف! لقطة انتخابات الدكتور سرور تنبهنا إلى أمرين، أولهما أن ذلك سيكون مصير التصويت فى برلمان اللون الواحد والرأى الواحد. حيث تبين أن الذين أداروا العملية الانتخابية لم يكتفوا بإقصاء كل من رفع صوته بالمناقشة أو المساءلة، ولا كل الذين رفعوا شعار الإسلام هو الحل، وإنما كان شعارهم الذين اهتدوا به فى تصميم المجلس الجديد هو الإجماع هو الحل الأمر الثانى أنه إذا كان الدكتور سرور قد انتخب بأغلبية 505 أصوات. وحصل «منافسه» على صوت واحد، فكيف نتوقع التصويت حين يحين موعد ترشيح رئيس الجمهورية؟ صحيح أن الدستور بعد التعديل يتطلب لترشيحه تأييد 65 عضوا فى مجلس الشعب (وآخرين من مجلس الشورى والمجالس المحلية)، إلا أن الذين أخرجوا العملية حين حرصوا على «تنقية» المجلس من «شوائب» سابقة، توسموا فى تشكيله الجديد أن يندفع بكامل أعضائه لتأييد مرشح الحزب الوطنى، الذى هو الرئيس مبارك، حتى إشعارا آخر على الأقل. إذ فى هذه الحالة كيف سيعبر أعضاء المجلس عن حماسهم وإجماعهم، وهل يليق أن يتساوى الحماس لانتخاب رئيس المجلس مع الحماس لانتخابات رئيس الجمهورية، وهل يمكن فى هذه الحالة أن يلجأ الأعضاء إلى التصويت هم وعائلاتهم لصالح مرشح الحزب الوطنى، تعبيرا منهم عن ابتهاجهم وحفاوتهم؟ كانت تلك ملاحظتى الأولى على عملية انتخاب رئيس المجلس. أما ملاحظتى الثانية فتتعلق بتمسك السلطة بترشيح الدكتور سرور الذى بلغ من العمر 77 عاما، ويتولى رئاسة المجلس وإدارته لحساب الحكومة منذ واحد وعشرين عاما، الأمر الذى يستدعى إلى الأذهان مفهوم «الشخصنة» فى إدارة البلد الذى تحدث عنه المستشار طارق البشرى فى بعض كتاباته، وقصد بها أن تظل إدارة الدولة بيد أفراد بذواتهم من الفئة المحيطة (أهل الولاء والثقة) بحيث يظل هؤلاء فى مواقعهم ووظائفهم لأطول مدة ممكنة، وبحيث تحل العلاقات الشخصية محل علاقات العمل الموضوعية وذهب فى ذلك إلى القول بأن النظام المتشخصن نظام مغلق لا ينفتح على خارج ذاته، وأن الدولة المتشخصنة هى تلك التى تسعى دائما إلى تثبيت الأمر الواقع ومقاومة التغيير حتى وإن ادعته. وأى تغيير تضطر إليه يكون بالاستنساخ السياسى، بحيث يكون المستنسخ الجديد على صورة سابقة، فيحمل خصائصه وعمره. لذلك فإن النظام المتشخصن لا تقوم له أىة قدرة أو امكانية على التجديد الذاتى، وإنما يشكل فقط حالة من حالات الاستبقاء لأطول أجل، بأى ثمن وأى مقابل. فى رأى المستشار البشرى أن الركود فى العمل العام يفضى إلى الشخصنة، وإلى دوام بقاء الناس فى أوضاعهم بحيث لا يلحقهم فيها تغيير أو تبديل. إذ هم باقون لأن تحديا لا يطرأ واحتياجا جديدا لا يظهر، ومشاكل مختلفة لا تحدث. ومن ثم لا تظهر ضرورة ملحة إلى التغيير أو التعديل. وهذا الركود الذى يفضى إلى الشخصنة يظل بدوره سببا لقيامها واستمرارها. لأن الأوضاع الجديدة تحتاج إلى أناس جدد وإلى خبرة مختلفة لفهم المشاكل التى تجد واستحداث حلول لها. ولأنه لا جديد فى الأفق ولا أمل فى أى تغيير. فلا مناص من تثبيت الأمر الواقع بمختلف حقائقه وشخوصه وهى الفكرة التى فسَّرت لى الشعار الذى رفعه الحزب الحاكم ذات مرة وقال فيه إن بلدهم ستتقدم بهم، دون غيرهم