قبل أن تقرأ.. نوضح ما يلى: ما حدث فى عشر سنوات ليس حصرا للفائزين، ولا يتضمن تسجيلا للفاشلين وأصحاب الإخفاقات.. ولو كان هذا هو الهدف لأصدرنا كتابا من ألف صفحة عن هذا العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.. هدفنا من البداية أن نرصد ما جرى من تغيير، وأهم ما تحقق من إنجازات.. هدفنا رصد الأوائل والظواهر، وليس كل من أحرز لقبا أو ميدالية فى دورة رمضانية أو بطولة محلية.. وهو ما سوف نعتمده عند تقييم أحداث العقد الرياضية العالمية أيضا.. معيار التقييم فى الرياضة هو الأرقام والإنجازات والمراكز، إلا أن الدقة تستوجب مراعاة مستوى المنافسة، فالفوز ببطولة محلية له درجة أقل من إحراز لقب قارى أو عالمى. كذلك يفترض عند التقييم النظر إلى المستوى لاسيما فى اللعبات الجماعية مثل كرة القدم، وعندما راجعت السنوات العشر الأولى فى هذا القرن لم تكن هناك حيرة بشأن الاختيارات، فمن المصادفات العجيبة أن هناك فريقا واحدا حقق إنجازات كبيرة وتعد الأفضل فى تاريخه على الإطلاق، حتى إن جيل اللاعبين الذى مثله اعتبر أفضل أجياله منذ تأسيس فريق كرة القدم الأول عام 1911.. هو فريق الكرة بالنادى الأهلى الفائز فى 10 سنوات بثلاث وعشرين بطولة، متنوعة، بجانب حصوله على المركز الثالث فى بطولة كأس العالم للأندية عام 2006.. وقد فاز الأهلى ببطولة الدورى المحلى 6 مرات من 2005 إلى 2010. وفاز بكأس مصر 4 مرات ( 2001، 2003، 2006، 2007 ) كما فاز بكأس السوبر المصرى 6 مرات ( 2003، 2005، 2006، 2007، 2008، 2010 ). وفاز بكأس رابطة الأبطال الإفريقى 4 مرات فى أعوام 2001 و2005 و2006 و2008، وبكأس السوبر الإفريقى ثلاث مرات فى أعوام 2005 و2006 و2009. وخلال تلك السنوات العشر قدم الأهلى جيلا رائعا من المواهب، واتسمت عروض الفريق بالتنوع التكتيكى، وبالقدرة على تغيير الخطط أثناء المباريات، وكان ذلك فى معظمه تحت قيادة المدرب البرتغالى مانويل جوزيه.. فلعب الأهلى فى مباريات بطريقة 3/5/2 وفى مباريات بطريقة 3/4/3، وفى مباريات أخرى بطريقة 4/1/3/2.. واتسم أداء الفريق بأهم أسلحة الكرة الحديثة، دقة التمرير والاستحواذ على الكرة وسرعة الانتشار، وتعدد الخيارات أمام اللاعب الذى يمتلك الكرة، بجانب براعة المساندة وهو ما يعرف بالضغط على الخصم بلاعبين وبثلاثة، وأخيرا تميز الأهلى خلال تلك السنوات بتنوع أساليب هجومه، فاعتمد على الطرفين بقدر ما كان يخترق من العمق، وكان طوال سنوات يعد الفريق الوحيد الذى يدخل صندوق المنافس بخمسة وبستة لاعبين، فيما ظلت الفرق الأخرى والمنافسة تهاجم من خارج الصندوق فى كثير من الأوقات.. ولاحظ مثلا ما يجرى فى هذه الأيام التى شهدت تراجعا فى مستوى الأهلى، فالأطراف ليست قوية، والزيادات الهجومية شبه معدومة ودخول الصندوق للفريق المنافس بأقل عدد من المهاجمين وكل ذلك يرجع لظروف كثيرة معروفة. فى هذا العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، تعرض الزمالك لمحنة إدارية أثرت على قدرات الفريق الأول لكرة القدم وعلى استقراره، ومع ذلك فاز الزمالك بتسع بطولات متنوعة. فأحرز بطولة الدورى فى أعوام 2001 و2002 و2004، وفاز بكأس مصر مرتين فى عامى 2002، و2008.. وبكأس السوبر المصرى مرتين فى عامى 2001 و2002 وببطولة رابطة أبطال الدورى الإفريقى عام 2002 وبالبطولة العربية فى عام 2003.. كان الزمالك يضم فريقا عامرا بالمواهب والمهارات فى مطلع العقد، وأطلق عليه فريق الأحلام.. وترجم هذا الفريق بمهاراته تصدره فى بداية السنوات العشر من القرن، إلا أن الخلافات وغياب الاستقرار انعكسا على مسيرة الفريق الذى يعد القطب الثانى للكرة المصرية بتاريخه، وبمنافسته المستمرة للاهلى منذ عام 1914.. ومع بداية تولى حسام حسن مهمة تدريب الزمالك تغيرت القصة كثيرا، وصنع المدير الفن الجديد حماسا فى نفوس اللاعبين، وهو أهم ما افتقده لاعب الزمالك فى السنوات الماضية.. كما امتلك الفريق العناصر والمواهب، وحدث تجديد للدماء ومزج بين أصحاب الخبرة وبين الناشئين، وهو ما انعكس على الأداء دون شك. أفضل فريق كرة قدم جديد ظهر فى تلك السنوات، هو حرس الحدود الفائز ببطولة كأس مصر فى عام 2009، وبكأس السوبر المصرى فى العام نفسه. ويليه فريق إنبى بطل الكأس عام 2005.. ويسجل لمدرب حرس الحدود طارق العشرى أنه بادر بتطبيق طريقة 4/4/2 مع فريقه وكان أول مدرب مصرى يلعب بها فى تلك الحقبة، مؤكدا أن الطريقة تخضع للأدوات التى يمتلكها الفريق، ولا يمكن اللعب بطريقة لا تتناسب مع قدرات تلك الأدوات.. ويحسب للمدربين المصريين متابعتهم لطرق اللعب الجديدة التى ظهرت فى محيط الكرة العالمية وتطبيقها فى الدورى والمسابقات المحلية، مثل 4/3/2/ 1 و4/2/2 / 2.. و4 /2/3/1 وهكذا.. وهو أيضا تغيير مهم يسجل للمدربين المصريين.. الكرة المصرية خلال هذا العقد تتجه لأن تكون صناعة، وهى تسير ببطء شديد نحو هذا الإتجاه، لكنها تسير. وقد تغيرت خريطة الدورى المصرى وتغيرت خريطة المسابقات المحلية، خلال هذا العقد، إلا أن التغيير لم يمتد بعد إلى خريطة البطولات، فالفرق الجديدة أصبحت تواجه الأهلى والزمالك بندية وبطرق وأساليب هجومية وأظن أن هذا أهم تغيير طرأ على الكرة المصرية فى سنوات كثيرة ولفترات طويلة أسيرة فكرة الدفاع أمام الفريقين الكبيرين حتى آخر قطرة عرق تسقط من لاعب.. وهذا تغير خلال تلك الحقبة.. وباتت مهاجمة الأهلى والزمالك تربكهما، وبقى للمشاهد وللمتابع متعة الشك فى نتيجة المباريات، لم تعد النتائج معروفة، ولم يعد السؤال: بكم هدف يفوز الأهلى أو بكم هدف يفوز الزمالك وإنما: هل يفوزان؟! الخريطة تغيرت وتتغير فى نتائج المباريات، ولكنها لم تتغير بطبيعة الحال على مستوى المنافسات فى البطولات، فمازال الأبطال هم نفس الأبطال تقريبا.. ويوم يتناوب لقب الدورى الاتحاد السكندرى وحرس الحدود وإنبى والشرطة مع الأهلى والزمالك يكون ذلك تغييرا جذريا فى الخريطة، مع ملاحظة أنه ليس كذلك عالميا.. فمازال برشلونة وريال مدريد هما الأبطال فى إسبانيا، والأربعة الكبار، مانشستر يونايتد وليفربول وتشيلسى هم أبطال الدورى الإنجليزى منذ قرابة العشرين عاما.. وهكذا.. المنتخبان الأول والعسكرى لكرة القدم سجلا انجازات رائعة فى هذا العقد، ففاز المنتخب الوطنى الأول ببطولات الأمم الإفريقية فى أعوام 2006و2008 و2010، وقدم فى بطولة غانا أفضل مستوى لمنتخب مصرى لكرة القدم فى كل العصور، واتسم أداء الفريق بنزعة هجومية غير مسبوقة، وحطم منتخب مصر أسطورة المحترفين، وأسقط جميع النداءات التى ظلت تخيم على سماء الملاعب المصرية فى الثلاثين عاما الأخيرة من القرن الماضى بشأن الاحتراف الخارجى، وارتباطه بإحراز كأس إفريقيا.. لكن دون شك أيضا تأثر مستوى بطولات الأمم الإفريقية باحتراف أهم نجوم القارة فى أوروبا، فلم يعد رفع علم البلد له نفس القدر من الأهمية والقوة المعنوية لرفع علم النادى الأوروبى عند اللاعب الإفريقى المحترف.. ويحسب لمنتخب مصر أنه هزم إيطاليا فى كأس القارات، ولعب مباراة لم يلعب مثلها من قبل ولا من بعد أمام البرازيل فى البطولة نفسها.. فى جميع الأحوال وبعيدا عن كل تلك التفسيرات نحن لنا التاريخ الذى سجل أن منتخب مصر الأول حقق إنجازا يصعب تكراره على مستوى القارة فى نصف قرن قادم على الأقل. كما فاز المنتخب العسكرى لكرة القدم ببطولة العالم ثلاث مرات فى أعوام 2001 و2005 و2007 وجاء ثانيا فى 2003. كما فاز ببطولة إفريقيا عام 2004.. الآن ماذا حدث فى العالم خلال السنوات العشر الأولى من القرن الحادى والعشرين.. ماذا حدث فى الرياضة وفى أرقامها وفى جوهرها.. وماذا حدث فى كرة القدم وكيف تغيرت وما هى أهم فرق تلك الحقبة؟!