البعض ينظر إلى خلط الدين بالسياسة على طريقة خلط بنزين 80 ببنزين تسعين، أو خلط السولار بالبنزين فى محطات الوقود.. وفى تصريحاته الخاصة للأهرام أمس شدد صفوت الشريف، أمين عام الحزب الوطنى ،على رفض حزبه وزملائه الشرعيين للرقابة الدولية على الانتخابات، وقال إن غرف عمل بالمحافظات تنشط فى الإبلاغ عن محاولات خلط الدين بالسياسة. والواضح من سياق تصريحات الشريف أن هذه الغرف والمجموعات تتبع الحزب الوطنى، ومن ثم فهى ليست طرفا محايدا فى العملية الانتخابية، فضلا عن أن خلط الدين بالسياسة تعبير فضفاض ومرن للغاية، بحيث ينكمش هنا ويتمدد هناك، حسب رغبة السادة المسئولين عن غرف الإبلاغ والسيطرة والتحكم، وعليه لا تصلح هذه الغرف بديلا موضوعيا لمراقبة الانتخابات بنزاهة وحيادية. وربما فاجأتنا هذه الغرف بتقرير يتهم مرشحا ما بخلط الدين بالسياسة لمجرد أنه استهل مؤتمرا انتخابيا بالبسملة والحوقلة أو استخدم آيات قرآنية أو أحاديث نبوية فى خطابه للجماهير، أو أن يوزع ملصقا دعائيا أمام مسجد أو كنيسة، وهنا يجد نفسه مطلوبا أمام الجهات المختصة بتهمة الخلط أو زيادة نسبة الدين فى الخطاب السياسى بما يتجاوز الحدود القانونية، التى هى غير موجودة أصلا إلا فى نيات ورغبات وأهواء السادة المسئولين عن الرصد والإبلاغ. وليت الأفاضل الذين يغضبهم خلط الدين بالسياسة يقولون لنا هل ما فعله وزير التضامن الاجتماعى فى دائرته بمحافظة الشرقية مستخدما ميكروفونات المساجد ومنابرها لمخاطبة الناخبين بأنه يستقبل طلباتهم بالمقر خلطا للدين بالسياسة أم لا؟. وهل لحوم الأضحى المنخفضة الأسعار التى وزعت على الجماهير باعتبارها هدية العيد من الحزب الوطنى ورئيسه تدخل فى إطار الاستخدام السياسى لشعيرة دينية أم لا؟. وهل عجول السيد وزير الرى التى نحرت بالعشرات ووزعت كلحوم أضاحى يوم العيد استغلالا للدين فى الانتخابات أم أنها تعبير عن قيم اجتماعية أصيلة؟ أغلب الظن أن الكلام عن خلط الدين بالسياسة تعوزه الدقة والتحديد أكثر، لأنك لو أمعنت النظر فى تفاصيل المشهد الراهن ستكتشف أن الوطنى يحلل الدين لنفسه ويحرمه على خصومه. والأخطر من خلط الدين بالسياسة هو ممارسة نوع من الشعوذة الانتخابية والكلام الكبير عن النزاهة والشفافية بينما هناك طرف يلعب ويمسك بالصفارة فى الوقت ذاته.