يرتبط اسم مدينة البصرة في جنوب العراق بالعنف أكثر من ارتباطه بالضحك، لكن الوقت حان فيما يبدو لإعادة النظر في تلك السمعة. للمرة الأولى منذ عشرات السنين تستضيف البصرة سيركا أجنبيا يقدم عروضا للألعاب البهلوانية وعروض الحيوانات وألعاب السحر والخفة. وانطلقت مظاهر الفرح وارتفع صوت التصفيق من مقاعد الجمهور عندما قدمت مدربة حيوانات أوكرانية رقصة شرقية قصيرة قبل أن تقدم عرضا مع مجموعة حيوانات منها الشمبانزي والكلاب والثعابين والقنفذ. ومجيء سيرك مونتي كارلو المتجول بمهرجيه ومقدمي العروض البهلوانية إلى البصرة علامة على تحسن أوضاع الأمن في المدينة التي كانت العصابات والميليشيات تسيطر عليها ذات يوم إبان فترة من أعمال العنف الطائفية تلت الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة للعراق عام 2003. لكن أعمال العنف ما زالت تتربص بالمدينة، ففي يوم الاثنين قتل خمسة أشخاص وأصيب 48 آخرين بجروح عندما انفجرت سيارة ملغومة بالقرب من شارع يمتلئ بالمتاجر والمطاعم في حي القبلة بجنوب غرب البصرة. وذكر النمساوي ياردا روس، فنان ألعاب الخفة، أن السيرك موجود في البصرة للتسرية والترفيه عن أهل المدينة التي مزقتها أعمال العنف. وقال: "نريد الترفيه عن الناس ليفكروا في أمور مختلفة في الحياة ويسعدوا ويعيشوا حياة مختلفة." وانحسر العنف بصفة عامة في العراق بعد أن وصلت إراقة الدماء بين السنة الذين كانوا يحكمون البلاد يوما والأغلبية الشيعية إلى ذروتها عامي 2006 و2007، إلا أن هجمات وتفجيرات ينفذها مقاتلون إسلاميون ما زالت مستمرة، وبخاصة في بغداد وشمال العراق. وكان أكثر من 100 شخص قتلوا بعد احتجاز رهائن داخل كنيسة كاثوليكية في بغداد وبعد سلسلة من التفجيرات في العاصمة العراقية يوم 31 أكتوبر. وبالمقارنة مع مناطق أخرى في العراق ساد الجنوب الهدوء النسبي. والمخاطر الرئيسية في جنوب البلاد هي القنابل التي تزرعها ميليشيات شيعية على جوانب الطرق وتستهدف 50 ألف جندي أمريكي ما زالوا في العراق قبل الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية المقرر في نهاية عام 2011 . ولم يكن الهدوء سائدًا على الدوام في البصرة الواقعة على بعد 420 كيلومترًا جنوب شرقي بغداد. بل شهدت المدينة معارك ضارية في عام 2008 عندما أمر نوري المالكي، رئيس الوزراء، الجيش العراقي باستعادة السيطرة من الميليشيات الشيعية والعصابات الإجرامية. وقال سهيل عبيد اللبناني، مالك سيرك مونتي كارلو: إن اسم العراق كان يخيف الفنانين لكنه نجح في إقناع أعضاء السيرك بتقديم عروضهم في مدينة أربيل التي تتمتع بالحكم الذاتي في منطقة كردستان العراق، والتي كانت تتمتع بالامن والاستقرار عندما سقطت بقية أنحاء العراق دوامة في الفوضى. ووجهت الدعوة إلى السيرك بعد ذلك للذهاب إلى البصرة. وبعد بضعة أيام من الحضور إلى المدينة بدأ قلق أعضاء السيرك الذين يصل عددهم إلى 32 فردا بينهم إسبان وكينيون وإيطاليون ونمساويون وألمان وروس وأوكرانيون ينحسر، وبدأوا التجول في الأسواق والشوارع. وقال سكان البصرة إنهم يعتقدون أن مدينتهم لم تستضف سيركا أجنبيا منذ سبعينيات القرن الماضي. وذكر رجل من سكان البصرة حضر أحد عروض السيرك، ويدعى غسان محمد طه، أن أهالي المدينة في أمس الحاجة إلى الترفيه. وقال: "من خلال مشاهدتي الكاملة للعرض الذي بدأ منذ الساعة الثامنة، واستمر ساعتين، رأيت حماس الجمهور، ورأيت مدى استجابتهم وعطشهم إلى هكذا أمور ترفيهية. يعني تعبر عن حقيقة ما يحتاجه الشارع البصري. الشارع البصري بحاجة إلى تغيير المشهد من حالة مأساوية.. من حالة بؤسية إلى حالة أكثر ترفيها والاتجاه إلى الانفتاح بأعتبار أن البصرة هذا هو واقعها وهذه هي هويتها الحقيقية." كما قال مهند عبد الوهاب (50 عاما)، الذي يعمل مهندسا بالقطاع الحكومي بعد أن اصطحب ابنه وابنته إلى السيرك: "تجربة حلوة وجديدة بالنسبة إلى البصرة، وصار مدة ننتظرها ونشكر الذين قاموا بهذه المبادرة الترفيهية والحلوة، ومشكورون جدا عليها." ويتوقع أن يبقى سيرك مونتي كارلو في البصرة 40 يوما. وتتراوح أسعار تذاكر العرض الذي يمتد ساعتين بين عشرة دولارات و15 دولارا.