ركزت الدورة الثانية لمهرجان الفيلم العربي في برلين على أحلام الهجرة التي تشبه حلم الوصول إلى الجنة. وعالجت العديد من الأفلام التي قدمت في المهرجان هذه الأحلام وما يليها من اصطدام بالواقع المرير. وسط النقاش الدائر في ألمانيا حول عملية الاندماج وهجرة الأجانب، عرض مهرجان الفيلم العربي ببرلين الذي يستمر حتى الثاني والعشرين من نوفمبر، وبدأ دورته منذ يوم 3 نوفمبر حوالي 30 عملا سينمائيا، تشكل قضية الهجرة أهم موضوعاته. وتبين هذه الأفلام، كيف تتحول الهجرة في خيال كثير من الشباب العربي إلى تلك الجنة التي تقع على الجانب الآخر من المتوسط، ثم ما تلبث أن تتحول إلى الجحيم بعينه، عندما يصطدم المهاجر بواقع مختلف عما كان في مُخيلته. وتتفاقم مع هذا الواقع الجديد أزماته الشخصية، فتزيد من صعوبة الاندماج في المجتمعات الأوروبية الجديدة. وشكل موضوع الهجرة إلى أوروبا محور الندوة الرئيسية للدورة الثانية للمهرجان، التي شارك فيها كل من المخرج المغربي أحمد المعنوني، والكاتب المصري الشاب مختار شحاتة، والمخرج الألماني والباحث في العلوم الإسلامية صامويل شيلكة، والمخرجة النمساوية دانيلا سوروسكي. يقف أبطال الفيلم الروائي الجزائري "حراقي" للمخرج مرزوق علوش، فوق ربوة عالية على شاطئ البحر المتوسط، ويتطلعون إلى ما بعد الأفق، حيث الجانب الآخر من شمال البحر المتوسط، وقد وصفوه بالجنة التي ينبغي الوصول إليها والعيش فيها، وأخذوا ينسجون عالما من الخيال حول حياة الجنة على الجانب الآخر من البحر، حيث البلدان الأوروبية، والحرية التي تتمتع بها هذه البلدان. ويصور الكاتب المصري، الشاب مختار شحاتة، تجربته الشخصية للهجرة الافتراضية في الفيلم الوثائقي "رسائل من الجنة" للمخرجين دانيلا سوروسكي وصامويل شيلكه، من إنتاج نمساوي وهولندي مشترك، ويقول شحاتة إن الهجرة الافتراضية هي أشبه بالجنة "كنت أحلم بالهجرة، وكتبت روايتي الأولى "لا للإسكندرية" التي تحدث عنها الفيلم، وكنت أنا بطلها. ففي الرواية هاجرت إلى ألمانيا وعشت الهجرة الافتراضية في برلين. برلين كانت مكانا رائعا أشبه بالجنة". وعندما يصطدم أبطال الفيلم الروائي الجزائري "حراقي" بالواقع المرير على الحدود، ويتم القبض عليهم، تتحول حياتهم إلى جحيم، كما يروي أحد أبطال الفيلم في نهايته. ويقول الكاتب المصري الشاب مختار شحاتة: "زيارتي للمهرجان هي أول مرة في حياتي أسافر فيها خارج مصر، وكانت صدمة بالنسبة لي، فبرلين التي عشت فيها في أحلامي من خلال روايتي، هي أجمل بكثير مما شاهدته في الواقع"، لهذا يجد شحاتة أنه على الرغم من فوائد السفر "تمنى لو بقي في عالم الخيال ولم يشاهد برلين الواقعية". صامويل شيلكة، الذي شارك في إخراج "رسائل من الجنة" يجد هو أيضا أن الهجرة تبقى جميلة ما دامت هي في الخيال، ويقول في حديث مع "دويتشة فيلة":" الجنة من وجهة نظري، هي المكان غير الموجود، والذي يتمناه الإنسان، وإذا تحققت الهجرة لا توجد جنة، حيث قد تجعل منه قواعد وشروط الحياة في مكان الهجرة جحيما". في فيلم "عراقيون في منفى متعدد الطبقات"، يعالج المخرج فجر يعقوب أزمة النزوح العراقي إلى الخارج، ومن خلال ثلاثة كُتَّاب عراقيين يعيشون في المنفي، يسلط الضوء على المجتمع العراقي في المهجر، وكيف يعيش أفراده في جزر منعزلة، تكاد أن تطبق على أصحابها، وتتحول إلى سجون تطوق الذين يعشون فيها. وهذا أيضا حال العديد من أبطال الفيلم التسجيلي "رسائل من الجنة"، فأحدهم يعيش في فينا، ويرفض العادات والتقاليد الغربية؛ لهذا قرر أن يعيش داخل غرفته، التي تحولت مع الوقت إلى مكان أشبه بالسجن، بسبب عدم قدرته على التكيف مع المجتمع الجديد الذي يعيش فيه. يرى أحد أبطال فيلم "رسائل من الجنة"، وهو مغربي يعيش في المغرب، أن أهم شيء يجب الحصول عليه هو تأشيرة الدخول إلى أوروبا. كما أن الآخر يعيش في كفر الشيخ بمصر، يرى أن جواز السفر الأوروبي هو المفتاح لبلوغ الجنة الأوروبية. ويشرح صامويل شيلكة طريقة تفكير الشباب الساعي إلى الهجرة بالقول: "الكثير من الشباب الذين يعيشون في بلدان جنوب المتوسط، يظنون أنهم قد جاءوا بخطة جهنمية، وذلك عندما يخططون للحصول على جواز السفر الأوروبي والتمتع بميزات الجنة الأوروبية، دون أن يقدموا شيئا في المقابل، أعني أشياء تساعدهم على الاندماج"، ويكمل صامويل أن الطريق للحصول على مفتاح الجنة أي جواز السفر الأوروبي، يتحول في كثير من الأحيان إلى الطريق نحو الجحيم. وقد قام بتنظيم الدورة الثانية للفيلم العربي جمعية الفيلم العربي في برلين، تحت رعاية عمدة برلين "كلاوس فوفرايت"، وبالتعاون مع مؤسسات عربية، منها سفارة مصر في برلين، وسفارة قطر، وجامعة الدول العربية، وسفارة فلسطين، وأيضا مؤسسات ألمانية مثل مدينة برلين، ومعهد جوته، ومركز دراسات الشرق الحديث ببرلين.