يبنون المستوطنات الإسرائيلية على أرضهم المحتلة، فيما قادتهم يحاربون الاستيطان.. هكذا يتحرك العمال والسلطة الفلسطينية فى دائرة مفرغة لا نهاية لها سوى بإيجاد فرص عمل لهؤلاء العمال تلبى احتياجات عائلاتهم، لكن مسئول فلسطينى يشكو فى تصريح ل«الشروق» من نقص الدعم المالى العربى. هذا الإذلال يتحمله العمال الفلسطينيون بحثا عن أجور مرتفعة مقارنة بالأجور فى الأعمال الأخرى بالضفة، إذا يتقاضى العامل فى الضفة نحو 100 شيكل «30 دولارا» يوميا، مقابل أكثر من الضعف فى المستوطنات. ورغم أن أجورهم تقل كثيرا عن نظرائهم الإسرائيليين، يرضى الفلسطينيون بهذا الإجحاف، خوفا من البطالة التى طالت 24% من الشباب الفلسطينى، وهو الإجحاف الذى تحاربه منظمات الحقوق الإسرائيلية لا الفلسطينية. وبحسب إحصاءات رسمية إسرائيلية، فقد ساهم نحو 15 ألف عامل فلسطينى فى بناء 177 مستوطنة، يقطنها أكثر من 500 ألف مستوطن يهودى. ولا يفوت المحتل الفرصة لتوزيع صور هؤلاء العمال فى الكثير من الفاعليات الدولية كتأكيد على أن المواطن الفلسطينى لا يعارض المستوطنات، بينما السلطة تتشد إزاءها. وتفيد تقارير فلسطينية بأن نحو 25 ألف فلسطينى يعملون فى مستوطنات الضفة والقدس الشرقية، وهى المناطق المحتلة من حرب يونيو 1967. ولا يدخل عمال البناء الفلسطينيون المستوطنات إلا بعد معاناة. فكثيرا ما يسحب الجنود تصاريح العمل الخاصة بالعمال، ويجبرونهم على الانتظار عدة ساعات يوميا عند البوابات الحديدية التى تفصل الضفة عن إسرائيل قبل دخول المستوطنات؛ لذا يبدأ العمال رحلة الخروج إلى العمل مع منتصف الليل. أحد هؤلاء العمال، رفض ذكر اسمه، قال لوكالة «أسوشيتدبرس» للأنباء مؤخرا: أقوم بهذا العمل منذ عشرين عاما.. رغم عداوتى للمحتل، لا أمانع فى بناء المستوطنات لأنى بحاجة للقمة العيش». على نفس المنوال، قال آخر: «السلام لا قيمة له بدون لقمة عيش.. لا أهتم إن كان المستوطنون سيعيشون هنا أم لا، ما يهمنا هو العيش بسلام، وأعتقد أن مسألة مقاطعة بضاعة المستوطنات التى شرعت فيها السلطة لن تستمر طويلا». فى محاولة الخروج من هذه الدائرة المفرغة، أطلقت السلطة فى مارس الماضى مشروع «صندوق الكرامة لتشغيل عمال المستوطنات»، بهدف توفير ما بين 70 و80 ألف فرصة عمل، برأسمال 50 مليون دولار، يتم جمعها من تبرعات القطاع الخاص الفلسطينى. هذا المشروع يهدف إلى تشجيع التشغيل الذاتى، عبر دعم مشاريع فردية أو جماعية، خاصة من خلال منح العمال قروضا صغيرة تتراوح بين 5 10 آلاف دولار بفوائد بسيطة، على أن يتم سدادها خلال ما لا يقل عن أربع سنوات. لكن حتى الآن، وبحسب عدد من المنتقدين، «لا تأثير لهذا الصندوق على الأرض»، وهو ما ترجعه السلطة إلى نقص التمويل. ففى تصريحات ل«الشروق»، قال وكيل وزارة الاقتصاد عبدالحفيظ نوفل: «خلال فاعليات المجلس الاقتصادى والاجتماعى العربى بالقاهرة الشهر الماضى استعرضت أمام الأشقاء جهود مشروع صندوق الكرامة». نوفل مضى قائلا: «لم أطلب دعما ماليا بشكل مباشر، لكن على كل الأحوال لم اتلق أية مبادرات عربية، وسأكرر الأمر فى اجتماع المجلس الشهر المقبل، وخلال القمة الاقتصادية العربية فى يناير المقبل». وختم المسئول الفلسطينى بالتشديد على أن السلطة تأمل أن يتمكن هذا المشروع من «تشغيل 15 ألف عامل»، مذكرا بأنه «فى عام 2001 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى (سبتمبر 2000) طرد الاحتلال نحو 200 ألف عامل فلسطينى، وتمكنت السلطة من احتوائهم، وتشغيلهم».