فى السادسة مساء كل يوم يصعد محمود الشحات، الشهير بمحمود موندين، السلم إلى الدور الثانى بمحل الملابس الذى يمتلكه بشارع سعد زغلول، ليجرى بعض المكالمات السريعة، ويطمئن على سير العمل، ثم يهبط إلى الشوارع فى قعدة انتخابية مختصرة على المقهى، أو لقاء مطول مع ناخبى إحدى المناطق. الشحات لم يتابع أعمال الاختيار الداخلى لمرشحى الوطنى، لأنه ممنوع، ولأنه معترض. ينافس الشحات، قيادى الحزب الوطنى بالإسماعيلية من سنوات، على مقعد الفئات بالدائرة الأولى، على الرغم من أنه صاحب مصنع للملابس الجاهزة، ومحل بوسط البلد، لأنه نقل ملكية المصنع والمحل إلى أولاده منذ سنوات. يترك محمود الشحات جانبا ما يجرى فى المجمع الانتخابى للحزب لسببين، الأول أنه مشغول بلقاء الناس فى الشوارع، والثانى أنه يعترض على أساس عملية التصويت الداخلى، ويطالب ببعض التعديلات فى طريقة الاختيار. يشير الشحات بإصبع السبابة ويعلو صوته ويمتنع عن أخذ نفس كان مقررا من سيجارته، وهو يراجع دروس انتخابات 2005، «وأولها أهمية وجود وجوه جديدة وشابة لها وجود فى الشارع ومحبوبة من الناس، واستراتيجية جديدة بعيدة عن القديمة التى اتبعها الحزب لسنوات، فرض خلالها الحزب ما يريده على الناس». 6 مرشحين وطنى عام 2005 لم ينجح منهم أحد، كان ضمنهم أحمد أبوزيد زعيم الأغلبية السابق فى البرلمان، «25 سنة»، يكررها مرتين وهو يدق بقبضة يده على سطح المكتب، «تأبيدة كاملة». يستعيد هدوءه، وهو يعدد على أصابعه أخطاء الحزب الوطنى فى الماضى، وهو يثق أن الحزب سيعالجها، وخطايا الانتخابات الحالية. أولا: الوجوه القديمة التى سيطرت سنوات طويلة على المشهد السياسى بالإسماعيلية. ثانيا: الشائعات، «وآخرها الاتنين اللى فات إشاعة عن انسحابى من الانتخابات». ثالثا: اتصالات شخصية من معاونى بعض المرشحين، تتم باسم الأمانة العامة للحزب الوطنى لتأييد بعض الأسماء. رابعا: «الخير اليومين دول كتير»، تبرعات للجمعيات الأهلية، والفقراء والغلابة، دورات كرة القدم، دورات تحفيظ القرآن. خامسا، ظهور حملة المباخر «الأرزقية» الذين يتقاضون من كل المرشحين ويروجون لكل المرشحين. أما أكثر ما يضيق به صدر محمود الشحات فى عملية الاختيار الدخلى لمرشحى الحزب، فهو أن يتحكم فى حسم المنافسة شباب صغار، ربما تنقصهم المعرفة بالمتنافسين. «أنا راجل بقى لى 20 سنة أشارك فى أنشطة الحزب، وييجى شاب يعمل عضوية من قريب، ويبقى من حقه يقول رأيه فى تاريخى، ويقرر مدى صلاحيتى لتمثيل الناس والحزب فى مجلس الشعب، إزاى؟». يقترح القيادى بالوطنى إذن شرط مرور 3 سنوات على عضوية الحزب، للتصويت فى المجمع الانتخابى الذى يحسم المنافسة على كل مقعد. يرفض إغلاق التسجيل عند إجابة أى سؤال «أنا عندى المحبس وعارف بقول إيه»، لا يتوقف عن التدخين إلا لدقائق بعدها يتصاعد الدخان ومعه قلق المرشح الذى لا يتوقف عن التفكير فى احتمالات الغدر، «فى الانتخابات كل حاجة وأى حاجة ممكنة»، بدليل هذه المكالمة. أحد زملاء الشحات فى الوطنى يخبره فى فزع أن مكالمة جاءته حالا من الأمانة العامة فى القاهرة، تطلب انتخاب أربعة أعضاء عن الدائرة الأولى، وتجاهل الباقين. يسأل محمود: مين الأربعة؟. يرد الطرف الآخر: محمود عثمان، وخالد الجداوى، محمود درويش، وسامى جمعة. ينهى المكالمة بابتسامة، وهو يقول: بدأنا الألاعيب.