حتى الآن .. 259 طعنًا علي انتخابات مجلس النواب أمام الإدارية العليا والقرار نهاية الجلسة    سعر الدولار يصعد بدون رحمة.. اعرف آخر تحديث بالبنوك    الجامعة العربية تؤكد دعم مراكز الفكر لتكون شريكًا استراتيجيًا في صنع القرار والتنمية    عاجل- رئيس الوزراء يبحث تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع رئيسة وزراء اليابان على هامش قمة العشرين    «يونيفيل»: إعادة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب خطوة لبسط سلطة الدولة    مصر وقطر تبحثان تعزيز العلاقات الثنائية و تطورات الأوضاع الإقليمية    فيديو.. تكدّس شاحنات المساعدات عند معبر رفح وسط زيادة الشحنات الدولية    قرارات ل اتحاد الكرة.. 4 حالات شطب وقبول استقالة واعتماد خطة حتى أولمبياد 36    حملة أمنية مكبرة على شارع شل بالإسماعيلية وضبط عدد كبير من الخارجين عن القانون    العناية الإلهية تنقذ أسرة من الموت بأعجوبة عقب انهيار منزل بالأقصر    الوطنية للإعلام تنعي الإعلامية ميرفت سلامة    شيرين عبدالوهاب تحسم الجدل حول اعتزالها الفن بشكل نهائي    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    ترامب يستعرض قوته وتايلور جرين تظهر ضعفه.. خلاف يفجر أزمة فى الحزب الجمهورى    صحة غزة: 106 شهداء وجرحى بالقطاع خلال 24 ساعة    مصرع سائق توك توك بطلق ناري على يد عاطل بعد تدخله لفض مشاجرة في شبرا الخيمة    حاكم موسكو: اندلاع حريق في محطة كهرباء تغذي العاصمة جراء هجوم بطائرات مسيرة أوكرانية    محافظ الشرقية: المرأة شريك أساسي في بناء الوطن وحماية المجتمع    «المنوفية» تحصد 12 ميدالية في «بارلمبياد الجامعات المصرية»    المصل واللقاح: نمر بذروة انتشار الفيروسات التنفسية وعلينا تجنب العدوى    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفال دار الإفتاء بمرور 130 عامًا على تأسيسها    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ورئيس الوزراء ووزير خارجية قطر    موعد انطلاق المرحلة الثانية من امتحان شهر نوفمبر لصفوف النقل    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    ورشة عمل عملاقة.. أكثر من 200 منشأة قيد التنفيذ لدعم مشروع الضبعة النووي    متحف الأكاديمية المصرية بروما يجذب أعدادًا كبيرة من الزوار الأوروبيين    الزمالك: إجراءات سحب أرض فرع أكتوبر خاطئة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    جامعة بني سويف ال 8 محليا و 130 عالميا في تصنيف تايمز للعلوم البينية 2025    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    غرف السياحة: كريم المنباوي ضمن أقوى 50 شخصية مؤثرة بسياحة المؤتمرات عالميا    11 شرطا للحصول على قرض مشروع «البتلو» من وزارة الزراعة    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    جوزيه جوميز: كنا نستحق نقطة واحدة على الأقل أمام الهلال    حالة الطقس.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار المتوقعة: رعدية ببعض المناطق    «غرق في بنها».. العثور على جثة شاب أمام قناطر زفتي    قرار هام من المحكمة في واقعة التعدي على أطفال داخل مدرسة خاصة بالسلام    "أنا متبرع دائم".. جامعة قناة السويس تنظم حملة التبرع بالدم للعام ال15    أول لقاح لسرطان الرئة فى العالم يدخل مرحلة التجارب السريرية . اعرف التفاصيل    موعد مباراة ريال مدريد أمام إلتشي في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    اليوم.. الزمالك يبدأ رحلة استعادة الهيبة الأفريقية أمام زيسكو الزامبى فى الكونفدرالية    وزير الرى: تنفيذ خطة تطهيرات للترع والمصارف خلال السدة الشتوية    أنواع الطعون على انتخابات النواب.. أستاذ قانون يوضح    «هنيدي والفخراني» الأبرز.. نجوم خارج منافسة رمضان 2026    ضايل عنا عرض.. عندما يصبح «الفرح» مقاومة    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    إرشادات القيادة الآمنة لتجنب مخاطر الشبورة    جولة نارية في الدوري الإيطالي.. عودة نابولي وتعثر يوفنتوس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا.. أمة عظيمة أم شيطان كبير؟
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 10 - 2010

قبل انتهاء فترة خدمة دبلوماسى مرموق بالسفارة المصرية بواشنطن منتصف العام الماضى، سألته عن رؤيته لأمريكا وخبرة السنوات الأربع التى عاشها فى عاصمتها. وانتهت إجابته إلى خلاصة مفادها «إذا كانت مصر حقا هى أم الدنيا.. فأمريكا هى الدنيا ذاتها!». ورغم معارضة الدبلوماسى المصرى شكلا ومضمونا للسياسات الخارجية الأمريكية فى منطقتنا العربية، وعدم رضائه عن الكثير من السياسات الداخلية الأمريكية، وتمنيه أن يخدم لاحقا كسفير لمصر فى «جمهورية كاليفورنيا» حالما بانهيار الولايات المتحدة كما نعرفها الآن، وتفككها لدول صغيرة، إلا أن إعجابه وفهمه لما يمكن أن نطلق عليه «الحيوية والديناميكية الأمريكية» لم يكن محل شك. وضاعف من إعجاب الدبلوماسى الشاب بالحدوتة الأمريكية وصول مواطن أسود شاب له جذور مسلمة لمقعد رئاسة الولايات المتحدة قبل عودته للقاهرة بشهور قليلة.
ورغم تمتع الولايات المتحدة بتاريخ قصير جدا طبقا لمعايير عمر الأمم والدول حيث لا يتعدى 234 عاما، فإنه لا توجد دولة تحبها كثيرا أو تكرهها بشدة شعوب العالم مثل الولايات الأمريكية.
وتعتقد المدرسة الفكرية الأمريكية أن «أمريكا» الفكرة والحدوتة، عظيمة بطبيعتها. وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون فى كلمة لها أمام مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن الشهر الماضى عندما قالت إن «العالم ينتظر من الولايات المتحدة أن تقود العالم وأن تحل مشكلاته، لذا فعليها أن تمهد الطريق لقيادة العالم فى العقود المقبلة»، وأكدت أن حل مشكلات العالم يتطلب مؤهلات وإمكانيات ودور «تستطيع أمريكا فقط أن تقوم به». وبعد ذلك قال باراك أوباما إن كل دول العالم تشعر بالغيرة، وتتمنى أن تكون فى مكانة وقوة أمريكا!.
ويمكن للمتابع للشأن الأمريكى أن يحلل سلوكيات الولايات المتحدة، ويراها رمزا لقوى الشر المطلق، وقوة عظمى على شفا الانهيار، إلا أنه يمكن أيضا أن يراها كأمة عظيمة لو تناول أدوات تحليلية مختلفة.
يمكن أن تتمثل لنا أمريكا كشيطان كبير، وذلك ليس فقط بسبب استمرار احتلالها لأفغانستان والعراق، ودعمها المطلق لإسرائيل فقط، بل بسبب الفشل الأمريكى فيما يتعلق بأسلوب الحكم، فمع أن الأمريكيين يفخرون دائما بديمقراطية بلادهم ورغم أنها حقا تعتبر أنجح الديمقراطيات فى العالم، إلا أنها تتمتع أيضا بنظام سياسى قد يكون الأكثر فسادا فى العالم. والسبب وراء عدم إدراك معظم الأمريكيين لهذه الحقيقة هو أن الفساد هنا يكتسب الصفة القانونية. فرغم أن الأمريكيين يؤمنون بأن حكومتهم «حكومة الشعب ومن الشعب ولأجل الشعب»، فإن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك، فهى تبدو «حكومة الشعب من جماعات المصالح ولأجل مصالح هذه الجماعات»، وقد أنفقت جماعات المصالح الأمريكية العام الماضى ما يقرب من 4 مليارات دولار على جيش من اللوبى بلغ عددهم 13 ألف شخص يعملون فى واشنطن فقط، من أجل التأثير فى صنع السياسات الأمريكية المختلفة. لذا ليس من المستغرب أن تبلغ نسبة ثقة الشعب الأمريكى فى مؤسسة الكونجرس 12% فى استطلاع جرى منذ شهرين، فى حين يوافق فقط 46% من الشعب الأمريكى على الطريقة التى يدير بها باراك أوباما حكمه. ولهذا السبب لا يذهب نصف الشعب الأمريكى لصناديق الاقتراع ويفضلون قضاء يوم عادى بسبب عدم إيمانهم بوجود فروق حقيقية تذكر بين الحزبين فى القضايا العامة المهمة.
ويمكن النظر لأمريكا كشيطان كبير عندما ننظر إلى سجل ملفات التعذيب والسجون السرية ونقل المعتقلين منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر، ورغم أن نص التعديلين الخامس والسادس من وثيقة الحقوق التى تعتبر جزءا أساسيا من الدستور الأمريكى تقضى بعدم قانونية احتجاز أى شخص للاستجواب حول أى جريمة كبرى أو جريمة شائنة إلا بتقديم أو توجيه اتهام من هيئة المحلفين العليا، إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية (باراك أوباما) ومن قبلها الإدارة السابقة (جورج بوش) تقوم بهذه الممارسات ويبررونها بكونها تمثل مصلحة للمصالح الأمريكية.
ويمكن النظر لأمريكا كشيطان كبير بالنظر إلى حجم مشكلة السجون فيها. ولتسليط الضوء على حجم مشكلة السجون هنا نشير إلى أن الولايات المتحدة تشكل 5% فقط من سكان العالم، لكن لديها 25% من كل سجناء العالم، بإجمالى 2.3 مليون مسجون، وهذا العدد أكثر كثيرا من مثيله فى الصين ذات 1.5 مليار نسمة، فى حين يبلغ عدد سكان أمريكيا 310 ملايين نسمة.
إلا أنه يمكن النظر أيضا إلى أمريكا كأمة عظيمة تهتم بجذب أفضل العقول فى العالم من أجل الدراسة فى برامج الدراسات العليا بجامعاتها. ويمثل الطلبة الصينيون والهنود والروس العدد الأكبر من طلاب درجة الدكتوراه فى معظم برامج الهندسة والتكنولوجيا بالجامعات الأمريكية. ودائما ما تنظر الولايات المتحدة إلى المستقبل، وتقوم بمحاولات لتطبيق أحدث صيحات التكنولوجيا التى يستفاد منها عالميا فيما بعد، وشبكة الانترنت هى أكبر مثال على ذلك.
ولا تنافس الولايات المتحدة أمة أخرى فى مجال توفير الفرص الإبداعية من قبل مواطنيها القادرين والمرموقين، وقد أسس رجال أمريكيون أغنياء أعظم جامعات العالم ومؤسساته الفكرية والعلمية (هارفارد)، (ستانفورد)، (ييل)، (جونز هابكينز)، (راند)، (فورد)، (روكفلير)، (فولبرايت) و(كارنيجى). أما (بيل جيتس) فقد تبرع بأكثر من 24 مليار دولار لصالح أبحاث الإيدز فقط. ويوجد بالولايات المتحدة أفضل مستشفيات فى العالم (كليفلاند)، (جونز هابكينز) (ماى كلينيك). وبجانب ذلك توفر الولايات المتحدة أكثر من 50% من الإنتاج الثقافى العالمى (كتب، مجلات، جرائد، أفلام، ومطبوعات وأبحاث علمية).
أما فى مجال العلوم والآداب، فمجموع ما حصل عليه الأمريكيون من جائزة نوبل منذ أن بدأت عام 1901 يبلغ 326 جائزة أو 40% من إجمالى كل جوائز نوبل، إذ حصلت على 63 فى الكيمياء، و22 جائزة فى السلام و12 جائزة فى الأدب و47 فى الاقتصاد و88 فى الفيزياء و94 فى الطب.
ومن الصعوبة تصور عدم استفادة البشرية جمعاء من نتائج أبحاث هؤلاء العلماء وغيرهم.
الولايات المتحدة حالة فريدة بحيث تجمع بين نقائض عديدة لا يصح معها أن نتعامل فقط مع القرارات الأمريكية دون النظر إلى الأسباب التى تجعل هذه الإدارة أو تلك تتبنى سياسة معينة. ومن الخطأ صياغة صورة نمطية تتجاهل زوايا وأبعادا مركبة وتفصيلية فى تلك الصورة، فالتقييم السلبى للولايات المتحدة كمصدر للكثير من أزمات المنطقة لم يحل دون احتلالها كنموذج سياسى وثقافى واقتصادى لموقع متقدم فى تقديرات الرأى العام المصرى والعربى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.