في ظل إغلاقات جوية إقليمية.. الطيران: مجال مصر الجوي آمن والمطارات على أهبة الاستعداد    طلعت مصطفى تتصدر قائمة أقوى 100 شركة في مصر.. وتحصد جائزة المطور العقاري الأول لعام 2025    لجنة دولية: هجمات إسرائيل على إيران خلفت مآس كبيرة    باريس سان جيرمان يتقدم على سياتيل ساونديرز بهدف نظيف في الشوط الأول    السرعة الزائدة السبب.. التحريات تكشف ملابسات انقلاب سيارة ميكروباص بأكتوبر    رامي جمال يستعد لطرح أغنية «روحي عليك بتنادي»    فرقة طنطا تقدم عرض الوهم على مسرح روض الفرج ضمن مهرجان فرق الأقاليم    محافظ المنيا يوجّه بإخلاء عاجل لعمارة آيلة للسقوط بمنطقة الحبشي ويوفر سكن بديل ودعم مالي للمتضررين    وزير التعليم العالي: تجهيز الجامعات الأهلية بأحدث الوسائط التعليمية والمعامل    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات على جنوب لبنان    وزير الخارجية الفرنسي يطالب بضرورة وقف الهجمات على إيران منعًا للتصعيد    ميلوني تؤكد أولوية وقف إطلاق النار في غزة واستئناف المحادثات مع إيران    «المحامين» تعلن بدء الإضراب العام الأربعاء المقبل بعد تصويت الجمعية العمومية    تحذيرات من حالة الطقس في مباراة تشيلسي والترجى التونسي    الجونة يُعين أحمد مصطفى "بيبو" مديرًا فنيًا للفريق خلفا لعلاء عبد العال    من 1929 ل 2025.. إسبانيا تحتل الصدارة ب24% في مواجهات الأهلي مع الأندية الأوروبية    وزيرة التخطيط تُشارك في الاحتفال ب «اليوم الأولمبي» وتُكرم لاعبة مصر بعد فوز منتخب السيدات بالميدالية البرونزية    محلل أداء الأهلي السابق: ريبيرو يختلف تمامًا عن كولر    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    حبس سيدة التجمع المتهمة بدهس 4 أسر داخل حى النرجس على ذمة التحقيق    إصابة 9 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة أجرة ميكروباص بالوادى الجديد    ضبط مركز علاج طبيعي غير مرخص يديره أخصائي علاج طبيعي وينتحل صفة طبيب جلدية وتجميل بسوهاج    محافظ الغربية يتفقد المركز التكنولوجي بديوان عام المحافظة ويعقد لقاء المواطنين    ارتفاع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الإثنين    تزامنا مع الذكرى الثلاثين لرحيله.. "عاطف الطيب" على "الوثائقية" قريبا (فيديو)    استنفار بغرفة عمليات البيت الأبيض بعد قصف إيران قاعدة العديد الأمريكية في قطر    أسامة عباس: دخلت التمثيل بالصدفة.. وكنت أمارس المحاماة في البداية (فيديو)    نادى سينما الأوبرا يعرض فيلم أبو زعبل 89 على المسرح الصغير.. الأربعاء    أحمد صالح رئيسًا للمركز القومي للسينما (تفاصيل)    مجمع البحوث الإسلامية في اليوم الدولي للأرامل: إنصافهن واجب ديني لا يحتمل التأجيل    دار الإفتاء توضح بيان سبب بداية العام الهجري بشهر المحرم    هل من حق الزوجة معرفة مرتب الزوج؟.. أمينة الفتوى تُجيب "فيديو"    هل يجب حضور الراغبين في الزواج معا لنفس مركز إجراء التحاليل؟ وزارة الصحة تجيب    وزير الصحة يفتتح اجتماع اللجنة التوجيهية الإقليمية ReSCO    جامعة القناة تطلق قافلة طبية وبيطرية إلى رأس سدر لخدمة أهالى جنوب سيناء    تركيا تبرم اتفاقية مع الأونروا لاستضافة مكتب تمثيلي للوكالة بأنقرة    تأجيل محاكمة 35 متهمًا في قضية "شبكة تمويل الإرهاب الإعلامي" إلى 26 يوليو    أزمة في ليفربول بسبب محمد صلاح    طائرتان تابعتان لسلاح الجو الألماني تقلان 190 مواطنًا من إسرائيل    "حقوق إنسان النواب" تطالب بتعزيز استقلالية المجلس القومي وتنفيذ توصيات المراجعة الدولية    الخميس 26 يونيو إجازة مدفوعة الأجر للعاملين بالقطاع الخاص    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على 5 أشخاص مرتبطين ببشار الأسد    اعتراضا على رفع رسوم التقاضي.. وقفة احتجاجية لمحامي دمياط    مصرع عامل وإصابة اثنين آخرين في انفجار غلاية مصنع منظفات بأسيوط    حوار - جوزيه يتحدث عن غضبه من مدير الكرة بالأهلي وعروض الزمالك.. ورأيه في كأس العالم للأندية    سامو زين يستعد لبطولة فيلم رومانسي جديد نهاية العام | خاص    وزيرة البيئة تبحث مع محافظ الوادي الجديد فرص الاستثمار في المخلفات    السيسي يُعلن تدشين مقر جديد للمكاتب الأممية الإقليمية بالعاصمة الجديدة    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    وظائف شاغرة في الهيئة العامة للأبنية التعليمية    تناول هذه الأطعمة- تخلصك من الألم والالتهابات    مي فاروق تحيي حفلا بدار الأوبرا مطلع يوليو المقبل    وزير التعليم العالي يضع حجر الأساس لمركز أورام الفيوم    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    الحبس والحرمان، عقوبة استخدام الطلبة اشتراك المترو بعد انتهاء العام الدراسي    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديوان الأول والديوان الأخير
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 10 - 2010

فى 8 أكتوبر 1973 كتب الشاعر صلاح عبدالصبور قصيدة عنوانها «إلى أول جندى رفع العلم فى سيناء» بمناسبة نصر أكتوبر، ونشرها فى ديوانه الأخير «الإبحار فى الذاكرة» الصادر عام 1977. وفى يونيو 1956كتب قصيدة عنوانها «مرتفع أبدا» بمناسبة رفع العلم المصرى على مبنى البحرية فى بورسعيد، ونشرها فى ديوانه الأول «الناس فى بلادى» الصادر عام1957.
فهل اختلف التناول الفنى فى تصوير
الموقف الواحد لدى الشاعر نفسه بين ديوانه الأول وديوانه الأخير؟
للوهلة الأولى يلمح القارئ كثيرا من الملامح المشتركة بين النصين، فمن حيث الموضوع كلاهما يصور موقفا واحدا، ومن حيث البناء كلاهما يتكون من أربعة مقاطع، ومن حيث الطول يكاد يتساوى النصان فالأول 42 سطرا والآخر 40 سطرا، ومن حيث توجهات الخطاب فإن كلا النصين يستخدم صيغة المفرد المخاطب بصورها المختلفة (أنت والتاء والكاف)، ومن حيث الأفكار الرئيسية فإن المقطعين الثانى والثالث فى كلا النصين يؤكدان أن هذه اللحظة لا تعبر عن الجندى الذى رفع العلم فقط بل تعبر عن تاريخ طويل من كفاح الشعب بجميع فئاته وطبقاته، ومن حيث التصوير الشعرى يرتبط العلم ارتباطا واضحا فى النصين بالشمس والحرية، ومن حيث الإيقاع تتردد قافية الهمزة الساكنة بخاصة فى نهاية المقطع الثانى من النصين.
وعلى الرغم من كل هذه التشابهات التى قد توحى للقارئ بأن النصين متطابقين، فإن النظرة المتفحصة تكتشف العديد من التحولات الفنية الجوهرية التى تعكس خبرة الشاعر وتطوره.
فصحيح أن النصين يستخدمان صيغة المفرد المخاطب، لكن الشاعر يخاطب العلم فى النص الأول، ويخاطب الجندى الذى رفع العلم فى النص الثانى، مما جعله أكثر حميمية وإنسانية، ففى حين جاء خطاب العلم فى النص الأول معتمدا على الوصف اللفظى المباشر:
يا أيها العظيم، يا محبوب، يا رفيع، يا مهيب
جاء خطاب الجندى الذى رفع العلم فى النص الثانى معتمدا على التهويم الشعرى المعنوى المتعدد:
ولكن، كيف كان اسما هنالك يحتويك؟
وأنت فى لحظتك العظمى
تحولت إلى معنى، كمعنى الحب، معنى الخير،
معنى النور، معنى القدرة الأسمى
كما أن البنية الأسلوبية للنص الأول تعج بالأفعال المضارعة المسبوقة بلام الأمر فى المفتتح والختام وما بينهما، مثل: «لترتفع، لترتفع، يا أيها المجيد/ ليسترح على وساد الشمس خدك الرقيق/لتضحك السماء لك/لتحترق على المدى جسومنا لكى تنير أنت»،بينما يعتمد أسلوب النص الآخر على صيغة الاستفهام التى تشمل المقطع الثانى كله الذى تبدأ سطوره كافة بكلمة «تُراكَ» مثل «تُراكَ ذكرتنى»،والمقطع الثالث كله الذى تبدأ سطوره كافة بحرف الاستفهام «هل» مثل «فهل باسمى وباسمهمو لثمت النسج محتشدا»، والفارق كبير بين مباشرة الأمر وشعرية السؤال حتى إذا تشابهت الأفكار الرئيسية للنصين، فما يشغلنا عند تحليل الخطاب الشعرى هو البحث عن «كيف قال؟» وليس البحث عن «ماذا قال؟».
ولهذا فإن الفارق الجوهرى بين النصين فى رأيى يتمثل فى الكشف عن تطور تقنيات الشاعر الذى انتقل من كلاسيكية التصوير فى النص الأول إلى حداثته فى النص الآخر،حيث يقول مثلا فى القصيدة الأولى:
مضى إلى السكون من أحبابنا ألوف
كى يجعلوا قلوبهم تلا من التراب
يقوم فوقه العلم
ليفتلوا عروقهم سارية مجيدة
يزين فرعها العلم
لينسجوا أيامهم ديباجة خضراء
ترف فى الهواء
كوجهك النبيل يا علم
ومن بياض المقلتين حين تشخصان للسماء
تستمطران فى ليالى اليأس بسمة الرجاء
هلالك الوسيم يا علم
فإن الضجر قد يصيب الناقد الحديث من بساطة الرابط المنطقى السطحى الكلاسيكى بين طرفى الصورة، مثل: جبل القلوب وجبل التراب، وفتل العروق وفتل الحبال، ونسج الأيام الخضراء لتصبح بلون العلم، وانتقال بياض العيون إلى بياض هلال العلم. فكل هذه الصور ينتهى دورها بإدراك المتلقى السريع للرابط المنطقى بين المشبه والمشبه به دون أن يشعر بالصورة أو يبقى فى ذاكرته شىء منها.
أما قول الشاعر فى ختام القصيدة الثانية:
رأيتك جزع جميز على ترعة
رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منتزعة
رأيتك حائطا من جانب القلعة
رأيتك دفقة من ماء نهر النيل
وقد وقفت على قدمين
لترفع فى المدى علما
يحلق فى مدار الشمس، حر الخفق مبتسما
فإن الرابط المنطقى بين المشبه «الجندى» والمشبه به «جزع الجميز وصخرة الهرم وحائط القلعة ودفقة ماء النيل» عميق عمق التاريخ وغامض غموض الفن، أو قل غابت فلسفة التشبيه البلاغى المقيد بالرابط المنطقى وحل مكانها الخيال الشعرى الجامح، وهكذا تبقى الصورة الشعرية محلقة فى ذهن المتلقى الذى يظل مستمتعا فى كل قراءة لها باكتشاف معنى جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.