لا لم تحدث معجزة فعلية فى زمن انعدمت فيه المعجزات لأن الأحزاب التى تسمى نفسها بالمعارضة سوف تخوض انتخابات مجلس الشعب المقبلة ولن تقاطعها حتى فى الأحلام. انطلاقا من هذا المفهوم فإن رهان الدكتور محمد البرادعى وأعضاء جمعية التغيير أو أى فصيل سياسى على هذه الأحزاب يصبح مثل رهان حركة حماس على نبل أخلاق حزب «إسرائيل بيتنا» وزعيمه «أفيجدور ليبرمان» كى يعيد الحقوق الفلسطينية السليبة. المفترض أن الدكتور محمد البرادعى وبعد هذه الفترة التى قضاها فى مصر قد بدأ يفهم قواعد اللعبة السياسية، وحتى إذا كان لايزال يتمتع ببعض البراءة السياسية فإن بعض المحترمين المحيطين به والقريبين منه يفترض أن يكونوا قد أخبروه بحقيقة تفاصيل وخبايا المشهد السياسى. وبالتالى فعليه أن يعتمد شعار هو «ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتول أنت جميع أمرك». صحيح أن السياسة لا يوجد بها أبيض وأسود فقط، وأن معظمها ممارسات رمادية لكن الأصح أنه لا أمل يرجى من أحزاب المعارضة بوضعها الراهن. وللموضوعية وحتى لا نكون سوداويين فإن هناك أعضاء شرفاء كثيرين داخل هذه الأحزاب، لكن لا حول لهم ولا قوة، قادة هذه الأحزاب اختطفوها بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وانتهى الأمر بهم إلى أنهم حولوها إلى فروع للحزب الوطنى تدار بالتعليمات التليفونية. أى مراقب موضوعى سيصل إلى قناعة أن هذه الأحزاب ولأسباب متعددة يطول شرحها قد تحولت إلى كيانات كرتونية هزيلة لا تستطيع أن تحشد ألف مواطن فى مؤتمر أو مظاهرة سلمية إلا إذا دفعت لهم بدلا نقديا وبدل سفر ومصاريف إقامة وأحيانا وجبة ساخنة. كما أن صحف هذه الأحزاب التى كانت تمدها بالمحاليل الجلوكوز حتى لا يتم إعلان موتها، قد ضمرت وتراجعت وإذا استمرت هذه الصحف بحالها الراهن فسوف تموت قريبا بالسكتة التوزيعية. إذن المعارضة هى الأكثر احتياجا للحكومة والمصادفة التاريخية أن الحكومة هذه الأيام فى حاجة ملحة لهذه المعارضة الورقية كى تحل محل الإخوان المسلمين فى اللعبة المسماة بالديمقراطية، كى نصدق جميعا أن ما يحدث وسيحدث يشبه العملية الانتخابية. ومن دواعى التمثيل هو ما تعلنه بعض أطراف المعارضة بأنها قدمت مطالب للحكومة للحصول على ضمانات من أجل نزاهة الانتخابات، وفى حال عدم رد الحكومة إيجابيا فإن هذه المعارضة سوف تقاطع الانتخابات. أما المتوقع أن يحدث عمليا فهو أن الحكومة ستعلن عبر بعض ممثليها وقادة الحزب الوطنى أنها ملتزمة بنزاهة الانتخابات هل رأيتم حكومة تعلن نيتها التزوير والأغرب أن هذه المعارضة ستصدق كلام الحكومة رغم درس مجلس الشورى الأخير. وبعد ذلك سيذهب الطرفان الحكومة والمعارضة لكى يلعبا لعبة غير نزيهة أو شريفة تنتهى بولادة برلمان قد يكون الأقل تمثيلا للإرادة الشعبية، حتى لو زادت فيه مقاعد أحزاب المعارضة المسماة شرعية إلى 100 مقعد. أن تقرر الجمعية الوطنية للتغيير مقاطعة الانتخابات فهذا حقها من واقع قراءتها للمشهد السياسى الراهن، لكن أن تراهن على أحزاب المعارضة فى فضح ما تسميه بالتزوير فهذا وهم عليها أن تفيق منه سريعا. أفضل ما تفعله الجمعية الوطنية للتغيير أن تستمر فى جمع التوقيعات على المطالب السبعة وأن تواصل عملها فى الشارع، عليها أن تؤمن بأن التغيير لا يتم من دون تضحيات حقيقية على الأرض، ثم إن عليها أولا وأخيرا أن تنسى أن هناك أحزاب معارضة: هذا ما قد يقود إلى بداية التغيير.