«القومي للمرأة»: غرفة عمليات لمتابعة المشاركة في جولة الإعادة بانتخابات النواب    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي يؤديان صلاة الجمعة بالمسجد العباسي في بورسعيد    وزير الإنتاج الحربي: التكامل مع قطاع الأعمال يعزز الصناعات الوطنية والقدرة الإنتاجية    وزير المالية: الاقتصاد المصري يتحسن بشراكة قوية مع القطاع الخاص    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    أنشطة وزارة الإسكان خلال الفترة من 20/12/2025 حتى 25/12/2025.. فيديو جراف    غداً.. فصل التيار عن 9 مناطق بمركز بيلا في كفر الشيخ    مقتل إسرائيليين قرب العفولة في عملية طعن ودهس    تركيا: اعتقال مشتبه به ينتمي ل "داعش" كان يخطط لشن هجوم في رأس السنة الجديدة    جيش الاحتلال: هاجمنا أهدافا لحزب الله في لبنان    زعيم كوريا الشمالية يأمر بزيادة إنتاج الصواريخ وقذائف المدفعية    البرهان في أنقرة: تحية خاصة لأردوغان وكلمات عربية تعكس تعميق الشراكة السودانية-التركية وسط أزمات السودان المتصاعدة ( تحليل )    مجموعة مصر بأمم أفريقيا، التشكيل الرسمي لمباراة أنجولا وزيمبابوي    أمم أفريقيا 2025| مدرب تونس: جهزنا لمواجهة نيجيريا جيدًا.. ونسعى لمواصلة الانتصارات    بمشاركة 60 ألف متسابق.. وزير الرياضة يطلق إشارة البدء لماراثون زايد الخيري    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية في سلاح السيف    تحرير 910 مخالفات مرورية لعدم ارتداء الخوذة    مصرع مرشدة سياحية ووالدتها في حادث مروري بطريق قنا - سفاجا    اختل توازنه.. كواليس مصرع طفل سوداني سقط من علو بالطالبية    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    ضبط قضايا إتجار غير مشروع فى العملات الأجنبية بقيمة تتجاوز 3 ملايين جنيه    بعد مغادرته المستشفى، تفاصيل الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    محمود حميدة يغادر المستشفى ويطمئن الجمهور على حالته الصحية    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    أسباب انتشار مشاكل الجهاز التنفسي العلوي والسفلي بين الأطفال في الشتاء    الرعاية الصحية تعلن قيد جمعية الخدمات الاجتماعية للعاملين بالهيئة رسميا بوزارة التضامن    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    نائب وزير الصحة تشارك بورشة عمل «مصرية–ليبية» حول تطوير الرعاية الصحية الأولية    تعزيز الوعى الصحى لطلاب جامعة القاهرة.. فعالية مشتركة بين طب قصر العينى والإعلام    باكستر: جنوب إفريقيا فرصتها أكبر في الفوز على مصر.. ونجحت في إيقاف صلاح بهذه الطريقة    زامبيا وجزر القمر في مهمة الأهداف المشتركة ب أمم أفريقيا 2025    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد العباسي ببورسعيد (بث مباشر)    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    غارات وقصف ونسف متواصل يستهدف مناطق واسعة بقطاع غزة    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 26-12-2025 في قنا    زيلينسكي: اتفقت مع ترامب على عقد لقاء قريب لبحث مسار إنهاء الحرب    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    مسؤول أمريكي: إسرائيل تماطل في تنفيذ اتفاق غزة.. وترامب يريد أن يتقدم بوتيرة أسرع    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة حقيقية الغرق فى مياه الخليج (2)
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 09 - 2010

ابتعدنا بالزورق الزودياك المطاطى عن اليخت الحديث الذى كان يدور غارقا فى مياه الخليج، بعد أن اندلع حريق فى غرفة الآلات، دون سبب معروف. وعندما أسرعت لإيقاظ أبى وهو نائم فى إحدى القمرات، رأيت جدران القمرة البلاستيكية تغلى من شدة الحرارة، فأصابنى الفزع.. كنا 12 شخصا فى الزودياك، وشاءت الأقدار أن ينقذنا هذا القارب الصغير الذى طلبته قبل أن نغادر الميناء بلحظات لممارسة رياضة الغطس على حافة صخور الجزيرة التى سنتجه إليها فى قلب الخليج العربى..
أنقذنا الزودياك، على الرغم من أن اليخت كان مجهزا بقوارب إنقاذ يمكن إنزالها إلى المياه هيدروليكيا.. لكن لحظة اشتعال النيران توقفت العقول، وضاع التفكير
كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرا.. ونحن فى وسط المياه التى غابت عنها الأمواج فجأة، وأصبح البحر بساطا، وكان الموج يضرب فى مقدمة اليخت ونحن فى الطريق إلى الجزيرة، ويؤرجحه يمينا ويسارا.. لكن هدوء البحر بعد غضبه كان رسالة.. أدركنا معناها فيما بعد، إذ كانت تكفى موجة واحدة لتقلب القارب رأسا على عقب، ليبتلع البحر من لا يجيد السباحة وتلتهم أسماك القرش التى تحيط بنا من يجيد السباحة..
لا نرى أرضا حولنا، ولا نعرف أين موقعنا ولا نعرف إلى أين نتجه، ولا أمل فى ظهور وحدات إنقاذ لأننا لم نستغث طلبا للنجدة، ومياه البحر تبدو ممتدة بلا نهاية، والشمس تستعد للمغيب.. شاهدنا جزيرة على مسافة بعيدة، حاولنا التحرك إليها، إلا أن التيار كان يدفعنا إلى الخلف، وموتور الزودياك ضعيف ومثقل بأوزان 12 شخصا، وبمقاومة المياه.. قررنا أن نترك أمرنا لله سبحانه وتعالى، وقررنا الاستسلام لحركة التيار.. كانت تلك لحظة فريدة قلما يعرفها الإنسان.. لحظة انتظار بصيص أمل فى الحياة، وفى الوقت نفسه الاستعداد لمواجهة الموت.. وكان الاختبار شاقا وصعبا. فهى لم تكن لحظة خاطفة تحسم الأمر وتكسر الخيط المشدود الذى يفصل بين الحياة وبين الموت.. فقد استمر هذا الموقف 14 ساعة تقريبا، منذ اندلع الحريق فى غرفة آلات اليخت، وحتى الرابعة من فجر اليوم التالى..
لماذا شب الحريق فى آلات اليخت الجديد الكبير فجأة.. كيف اشتعلت فيه النار وأكلت اليخت فى 30 دقيقة..؟ هل هو هذا الحوار الفلسفى الذى كان دائرا أثناء تناول طعام الغذاء بين بعض أعضاء الرحلة حول وجود الله ومظاهر ودلائل وجوده؟
يقول رواد البحار إنه عندما تتعرض سفينة لخطر الغرق، فإن البحارة يرددون جملة «لا إله إلا الله» أملا فى النجاة. ومنذ بدأت المحنة ظل 12 رجلا تائها فى عرض البحر يرددون هذه الجملة وأولهم هؤلاء الذين كان يتناقشون ويتساءلون عن وجود الله ودلائل وجوده.. وأثناء تلك المناجاة والابتهالات بجملة التوحيد، كانت هناك مناجاة النفس.. أب يدعو الله بصوت خافت وفى توسل ورجاء: «يارب خذ حياتى فقد عشت وكبرت فى السن، وأنقذ ابنى فالحياة ما زالت أمامه»..
المياه تهاجم حواف القارب، ويقترب الشعور بالغرق، والابن يفكر فى مشهد انسحاب الأب أمامه إلى أعماق المياه لأنه لا يجيد السباحة، فيسأل الله أن يكون رحيما به وبنا جميعا.. ويناجى أب آخر الله سبحانه وتعالى أن يكتب له النجاة من أجل أسرته وابنه الصغير.. ويتعالى النداء بالتوحيد كلنا فى صوت واحد ونفس واحد بلا توقف: «لا إله إلا الله».. ويبقى سلطان السويدى رئيس الاتحاد القطرى لكرة القدم فى ذلك الوقت وصاحب اليخت على صلابته وشجاعته وحكمته، فيخفف من مشاعر الخوف والفزع التى تصيبنا، ويبعث الأمل فى النفوس، وبأنه لو كان الله سبحانه وتعالى يقدر لنا الغرق والموت لظلت أمواج البحر عالية وعاصفة حين بدأت المحنة ولغرقنا منذ اللحظة الأولى.. وقد كانت هديته سبحانه وتعالى هذا القارب الصغير الذى اشتريناه قبل أن نغادر الميناء بلحظات..
سكون الليل، وسط البحر، وحركة أسماك القرش التى تدور حول اليخت، جعلت اليأس يسكن نفوسنا، بعد أن مضت ساعات، دون أن نرى بصيص أمل فى النجاة.. ثم يعود الأمل مع أصوات الدرافيل التى أحاطت بالقارب.. هل حقا تسرع الدرافيل لإنقاذ الإنسان وهو فى
خطر.. كيف تشعر بأنه فى خطر؟!
الليل ينتصف. والخوف يختلط بالأمل. والموت يقترب بكل الظروف والمشاهد، وفى الوقت نفسه تدق القلوب بالرغبة فى الحياة وتتحدى الظلام والخوف واليأس.. وفجأة نرى ضوءا قادما من بعيد يبدو مثل شمعة صغيرة ضئيلة فى وسط المياه.. ضوء يحيى الأمل ويرفع درجة التحدى، ونندفع نحوه بهمة وبقوة دفع التيار.. كم كان جميلا أن يكون معنا التيار.. مضت الساعات، ونحن نقترب من الضوء.. وفى الرابعة فجرا وصلنا إليه بعد 14 ساعة من بداية المحنة.. وكان المشهد مذهلا. فهذا الضوء كان لحفار بترول فى مياه الخليج، وتحديدا فى المياه الإقليمية لدولة الإمارات.. وهو مبنى بارتفاع عمارة من 15 طابقا.. أخذنا فى الصياح والصراخ بأمل أن يرانا من يعملون بالحفار.. فكر بعضنا فى السباحة حتى السلالم المعدنية المثبتة فى جانب هذا المبنى العملاق، وكانت الفكرة مستحيلة حيث تكثر أسماك القرش وتسكن بجوار الحفارات، لتتغذى على فضلات الطعام التى تلقى بالمياه..
بمعجزة أخرى شاهدنا عمال الحفار وسط الظلام على الرغم من دوى الآلات، أسرعوا بتسليط الكشافات على المياه، ورفعونا بسلة عملاقة على مجموعات وقد ارتسمت على وجوههم علامات الدهشة والذهول.. من أنتم من أين جئتم وكيف وصلتم وماذا حدث لكم؟
كتب الله لنا عمرا جديدا.. وحين اكتملت صفوفنا فوق سطح الحفار اختلط البكاء بالضحك، وامتزج الصمت بالهذيان، والسعادة بالأحزان.. كانت الدموع تغرق الوجوه وتغسلها..وتغسل أجسادنا وأرواحنا.
حملتنا طائرة مروحية من الحفار إلى أبوظبى فى رحلة استمرت 45 دقيقة.. لعل ذلك يوضح كم كانت الأرض بعيدة، وكم كانت النجاة بعيدة.. وكم كانت صيحة التوحيد «لا إله إلا الله».. هى طوق النجاة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.