إقالة ضابط في الجيش الإسرائيلي على خلفية فشل عملياتي خطير في لبنان    وزير الخارجية يبحث مع نظيره العُماني تعزيز التعاون بالمجالات الاقتصادية والاستثمارية    إسرائيل بين أزمة داخلية ومعضلة استراتيجية    مباشر.. مصر 0-0 أنجولا.. كأس أمم أفريقيا    شركة استادات ووزارة التربية والتعليم يطلقان المرحلة الثانية من دوري مدارس مصر    محافظ البحيرة ترفع درجة الاستعداد وتوجه بانتشار فرق الطوارئ لمواجهة الأمطار    القضية اللى هى.. المسرح يعيد قضية ظل الحمار إلى الجمهور    مباحثات مصرية - تركية لتعزيز التعاون في مجال الرعاية الصحية    استقرار أسعار الخضراوات والفاكهة في سوق العبور اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    وزير الخارجية يشارك في الاختبار الشفوي للمتقدمين لمسابقة التعيين بوزارة الخارجية    فجوة هائلة بين أعداد المرضى.. مسؤول يكشف تفاصيل مروعة عن أوكار علاج الإدمان    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    العيال فهمت على مسرح ميامى احتفالًا برأس السنة    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    مدرب تونس: لا وقت للرد على الانتقادات.. وهدفنا حسم التأهل أمام تنزانيا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    موعد ومكان جنازة والدة الفنان هاني رمزي    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الإصطناعى    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    صعود مؤشرات البورصة بختام تعاملات الإثنين للجلسة الثانية على التوالى    الأهلي يكشف حقيقة التفاوض مع محمود بنتايج بعد فسخ عقده بالزمالك    الاتحاد الدولي للسكري يعترف رسميًا بالنوع الخامس من مرض السكري    الأزهر ينتقد استضافة المنجمين والعرافين في الإعلام: مجرد سماعهم مع عدم تصديقهم إثم ومعصية لله    حصاد 2025 في قطاع التعليم بأسيوط.. مدارس جديدة وتطوير شامل للبنية التحتية وتوسعات لاستيعاب الزيادة الطلابية    مراد مكرم يطرح أغنية جديدة في 2026    وزير الصحة يستقبل نظيره التركي بمطار القاهرة الدولي    وزارة السياحة الفلبينية: المنتدى المقبل للآسيان فرصة لمناقشة استدامة السياحة وتحقيق التعاون الإقليمي    "دورة محمد جبريل".. الثقافة تكشف تفاصيل مؤتمر أدباء مصر في العريش    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    وزير الاستثمار يفتتح فعاليات منتدى الأعمال المصري- السوداني    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    تايلاند وكمبوديا تتفقان على ترسيخ وقف إطلاق النار وإعادة بناء الثقة السياسية المتبادلة    تصفية ودمج.. رئيس الوزراء يُتابع إجراءات رفع كفاءة أداء الهيئات الاقتصادية    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    محافظ الإسكندرية يوجه برفع درجة الاستعدادات للتعامل مع موجة الطقس غير المستقر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    وزير العمل يفتتح المقر الجديد للنقابة العامة للعاملين بالنقل البري    وزارة التضامن الاجتماعى تقر تعديل قيد جمعيتين في محافظتي القليوبية وكفر الشيخ    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    ارتفاع جماعي في مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة اليوم    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    نتنياهو يلتقي ترامب في الولايات المتحدة لمناقشة مستقبل الهدنة في غزة    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    الجيش الصينى يعلن عن تدريبات عسكرية حول تايوان فى 30 ديسمبر    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    لا رب لهذه الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتظار شقة الحكومة على رصيف الدويقة
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 09 - 2010

مها طالبة العام النهائى بكلية السياحة والفنادق، وترفض ذكر اسمها الحقيقى، لا تجد ما تفعله كل يوم من التاسعة صباحا سوى الجلوس أمام خيمتها الصغيرة، ترتدى العباءة والطرحة.
تفترش مها، مع أكثر من مائة أسرة، رصيف شارع رئيسى فى منطقة الشهبة بالدويقة، بعد حرمانهم من الحصول على شقق المحافظة، بدعوى أنهم ليسوا من سكان الدويقة، فى الوقت الذى يترقب فيه سكان الدويقة حضور السيدة سوزان مبارك فى الساعات المقبلة لتسلم شقق بديلة عن المساكن التى تم إزالتها ضمن مشروع تطوير الدويقة.
أصحاب الخيام المرصوصة بعشوائية على جانبى الطريق، عسكروا فى الشارع منذ 21 من مارس الماضى، وصنعوا خياما من الملاءات والبطاطين، وخلفهم تنتصب عمارات «مساكن سوزان مبارك» الخالية.
الملاءة المرفوعة قليلا تكشف جانبا من خيمة مها التى يعيش بها خمسة أفراد. «المرتبة» موضوعة على الأرض الترابية، المكان لا يكاد يكفى لنوم شخصين، خصوصا بعد وضع بعض الحقائب البلاستيكية التى تحتوى على ملابسهم واحتياجتهم اليومية داخل الخيمة المزدحمة.
دراما إزالة المنازل فى منطقة الدويقة بدأت مع كارثة الانهيار الصخرى فى سبتمبر 2008، حيث سقطت صخرة من جبل المقطم على المنازل، وقتلت 119 شخصا، وأصابت 55 آخرين. وحددت محكمة جنح مستأنف منشأة ناصر جلسة 14 سبتمبر الحالى للنطق بالحكم النهائى فى القضية، المتهم فيها نائب محافظ القاهرة وسبعة مسئولين آخرين من المحافظة وحى منشأة ناصر، بالقتل الخطأ.
شنطة أوراق «مزورة»
تنظر مها التى تجلس لحراسة الخيمة وحدها، إلى اللافتة الانتخابية عن دائرة الجمالية ومنشأة ناصر للمرشحة سحر الرفاعى، التى علقت مؤخرا على العمارة المواجهة لخيمتها.
سحر اختارت عبارة «على خطى السيدة الفاضلة.. كلنا بالحب نمضى»، لتكون شعارها فى حملتها الانتخابية.
تتذكر الشابة الجامعية أنها يوم الحصر الذى تم فى الصباح الباكر كانت ووالدتها خارج الحجرة، «ماما كانت بتوصلنى علشان أركب مواصلات وأروح الجامعة فى أكتوبر، ورجعت بعد الحصر ما خلص».
مها ووالدتها تحملان بطاقات رقم قومى تتبع قسم شرطة الدويقة، «وبيقولوا إننا نصابين ومش من سكان الشهبة». لهذا السبب يرفض الحى منح الأسرة التى تعيش بلا أب الحق فى شقة بديلة تأويهم.
جميع الأسر المشردة تحتفظ داخل خيامهم البسيطة بأظرف ممتلئة بالأوراق التى تثبت أحقيتهم فى شقق بديلة، البعض يحمل أوراقا تفيد بوجودهم فى المستشفى وقت الحصر خاصة كبار السن والمرضى، وآخرون يمتلكون أوراقا تثبت وجودهم فى عملهم، والذين لا يحملون أوراقا هم فقط من تواجدوا عند أقاربهم احتفالا بعيد الأم الذى تزامن مع يوم الحصر.
فى رأى اللواء مصطفى عبادة رئيس حى منشأة ناصر، فإن «الناس دول نصابين وجايين يرموا بلاهم»، ولا يوجد أى شخص كان له حجرة ولم يحصل على شقة بديلة.
يعتبر رئيس الحى أن «الأوراق التى يحملونها مزورة»، حيث تم الرجوع إلى مستشفى الحسين الجامعى على سبيل المثال «وطلعت الشهادات مضروبة»، وسيدة أخرى أحضرت ورقة إثبات وجودها فى عملها، «وسألنا هناك وقالوا ما نعرفهاش، مع إنها جايبة ورقة عليها ختم النسر». ويؤكد عبادة أنه يمتلك أوراقا رسمية لنحو 246 عملية نصب، من أشخاص ليس من حقهم الحصول على شقق وحصلوا عليها «بأوراق مضروبة»، وتم بيعها لسماسرة مقابل عشر آلاف جنيها.
قمر فى الخيمة
جدة مها تمتلك شقة تتكون من حجرة واحدة وصالة، فى مساكن الإيواء عند مدخل حى منشأة ناصر، لكن الأسرة المشردة لا تستطيع أن تسكن مع الجدة، «خالى ومراته وعياله عايشين معاها»، كما تقول مها.
الأسرة الصغيرة تعيش برعاية الأم التى تعمل ممرضة فى مستشفى عيون بمصر الجديدة، مقابل 300 جنيه شهريا، وتعول أبناءها بعد طلاقها من والدهم.
تدفع مها ثلاثة آلاف جنيه للجامعة سنويا، «بس على أقساط علشان حالتى المادية ما تسمحش»، لكنها لم تحصل على بكالوريوس السياحة والفنادق هذا العام، بعد أن قدمت اعتذارا عن الامتحانات لأنها أصبحت تعيش فى الشارع.
فى مقابل خيمة مها على الرصيف المقابل، تطعم قمر الزوجة العشرينية صغيرها أمام خيمتها والذباب يغطى وجهه. تصرخ قمر فى طفلها الآخر الذى لم يتجاوز الأربع سنوات ويلعب على جانب الطريق، «تعالى هنا العربيات هتخبطك».
قمر حزينة على طفليها، تقول بدموع ظهرت فى عينها «حرام أترمى بعيلين فى الشارع وما حدش معبرنا»، طفلها الرضيع تعلَّم الحبو فى الشارع، وتخشى من تعرضهما للخطر.
تنظر قمر إلى طفليها «فى واحدة هنا ابنها وقعت عليه الخيمة ومات»، هذه ليست الحادثة الوحيدة، فهناك طفل آخر أصابته ضربة شمس وتوفى. منذ شهرين فقط استطاعوا الحصول على حمام مشترك، بعد أن كانوا يستخدمون حمامات الصحة التى أغلقت أبوابها فى وجوههم، «واحد معانا هنا مراته حامل عمل حمام ورا الخيام».
هذا ليس كل شىء تشير الزوجة العشرينية إلى الغسالة والبوتاجاز بجوار الخيمة «حاجتنا مرمية فى الشارع وممكن تتسرق». لا تترك قمر الخيمة وحدها، طالما زوجها فى عمله، و«العيال على طول تعبانين وتشير إلى ورم أصاب عين طفلها».
الدخول فى الظلام
زوج قمر الذى يعود آخر الليل يعمل فى محل لبيع الأدوات المنزلية، مقابل 200 جنيه فى الأسبوع، كان قد اشترى الحجرة الصغيرة فى الشهبة قبل زواجه بفترة، وأخته كانت تعيش بجواره وهى الآن تأوى إلى خيمة مجاورة. «يوم عيد الأم طبوا علينا بتوع الحى»، قمر كانت عند والدتها قبلها بليلة، وتقول إن معظم السكان كانوا خارج بيوتهم فى هذا الوقت.
يرد عبادة رئيس الحى «مين منهم يعرف عيد الأم أصلا»، وفى رأيه أن هؤلاء الأسر، «اخترعوا الكلام ده علشان ينصبوا»، ويتساءل عبادة فى استنكار «ولما همّا عندهم أمهات عايشة فى بيوت، إيه اللى غصبهم على العشش؟».
تتحدث قمر بثقة عن رئيس الحى، «إحنا كنا عارفين أنه مش هايدينا حاجة».أكثر ما يؤرق الأسر المشردة هى مضايقة الشباب للفتيات ليلا، خصوصا الخيام التى لا يوجد بها رجل، تروى قمر «الشباب بيكونوا شاربين مخدرات وينزلوا على الخيام يتحرشوا بالبنات والستات».
يكذب مصطفى عبادة رئيس الحى وجود الأسر المشردة فى أماكنهم ليلا ويقول إنه تفقد المكان بنفسه فى الثانية صباحا «ما لقيتش منهم حد»، مؤكدا أنهم ليسوا من سكان حى منشأة ناصر ولا منطقة الدويقة، «ما حدش يعرفهم خالص فى المكان كله ولا عمرنا شفناهم».
تستعد قمر بالجراكن والزجاجات الفارغة لتذهب إلى سبيل المياه القريب وتقف فى الشمس لتحضر الماء، «علشان أطبخ وأشطف العيال»، وتترك الخيمة والأطفال فى حراسة جارتها.
أذان المغرب يعلن عن الدخول نهائيا فى ظلام حالك، بعد أن قرر الحى إطفاء أعمدة الكهرباء عليهم منذ أول يوم لاحتلالهم الرصيف، والمضايقات ما زالت مستمرة من سكان العمارات المحيطة، بسكب المياه عليهم والمهملات ليرحلوا.
تتنهد قمر المعذبة «بالنهار بنجرى ورا الضل»، خوفا من شمس أغسطس الحارقة، وفى الليل «نايمين جنب كلاب السكك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.