«يا جريد النخل العالى، ميِّل وارمى السلام». يمشى الحاج محمد أبوشريف فى مزرعته الصغيرة فى الإسماعيلية، منسجما مع أغنيته المحببة، لكنه يصمت فجأة، ويسند أذنه إلى جذع إحدى النخلات، وكأنه يصغى لشىء ما: «يا حول الله، السوسة هَرَت النخلة خلاص»، ثم يزعق «نادى عمك شعبان يا ولد». فى مصر نحو 7 ملايين نخلة، حسب إحصاءات وزارة الزراعة لعام 2009، تتركز النسبة الأكبر منها فى محافظات القناة والوادى الجديد وأسوان، تتهددها أنواع مختلفة من الآفات، لكن أكثرها خطورة سوسة النخيل. يأتى عم شعبان، ليتباحث الأمر مع أخيه الذى اكتشف منذ قليل أن سوس النخل قد لحق ببناته «آه، دول بناتى، واللى يمسهم يمسنى»، يقرر الثنائى أولا فحص بقية النخل فى المزرعة، على أن يكون الغد هجوما شاملا على السوس. فى الصباح، يأتى شعبان بالمبيد فى «جركن» كبير، ويثقب النخلة فى الجزء الذى ينخره السوس، ثم يمرر ماسورة مجوفة، يسكب من خلالها المبيد ليصل إلى قلب النخلة، «إنت ما بتشوفش السوس، بتسمع صوته بس، وصعب توصل له، لكن احنا كده هنقضى عليه بالمبيد». أحيانا يلجأ الحاج أبوشريف إلى طريقة أخرى للقضاء على السوس، إذا كان اكتشافه للحشرة متأخرا، يسكب عليها المبيد بكثافة، ثم يغطى جذعها حتى الجزء المصاب، وتدريجيا، يطلع الجزء المطمور وكأنه جذع جديد للنخلة. أثناء عملية الإبادة، يتجمع الجيران للمشاركة والتشجيع والدعاء بالخير، «يقال والله أعلم، إنه مستورد من بره»، هكذا يقول سالم الشافعى، خبير النخل فى مزارع دينا، موجها حديثه إلى الحاج أبوشريف، الذى يسأله عن «اليوم الأسود اللى ظهر فيه السوس مصر». أما الحشرة، فحمراء تشبه الخنفساء لكنها تطير، بجناحين صغيرين، ولها فى فمها سن مدبب رفيع، تخترق به جذع النخلة، ثم تستوطن قلبها، «تسمع صوتها خروشة فى قلب النخلة، فتعرف أن السوس دخلها». قبل سنوات، كانت وزارة الزراعة تمدّ مزارعى النخل بالمبيد، بأسعار مخفضة، لكنها منذ عامين انقطعت عن هذا، دون أن يعرف أصحاب النخل السبب، «هو أصلا كان مخففا جدا، ولا بيعمل حاجة». ما بين شهرى يوليو وسبتمبر يبلغ نشاط الحشرة ذروته، تضع بيضا يفوق عدده ال500 بيضة، تتحول الواحدة إلى يرقة ثم فراشة ثم حشرة كاملة، لتخرج وتغزو نخيلا جديدا هى الأخرى، «تلاقى النخلة بتخرّ صمغ، فتعرف انها اتصابت، اللى بنشوفها بنعالجها، واللى منشوفهاش تنشف، السوسة تهريها تخليها زى العجينة»، يهلك قلب النخلة إذا توطنت فيها الإصابة، ثم تموت. الحاج أبوشريف لا تزعجه مجرد إصابة النخل بالسوسة، فالمعالجة ليست مستحيلة، لكن ما يزعجه أن تنتقل عدوى الإصابة إلى نخل آخر، ويصبح وباء تصعب مقاومته، لأنه «طالما فى نخلة مصابة، كل ما تعالج شوية يرجعوا ينصابوا تانى». الطريقة الثالثة للعلاج، يحكيها أحمد عمر، أستاذ المبيدات فى جامعة القاهرة، عبارة عن أقراص طبية، يثقبون النخلة، ثم يضعون القرص داخلها ويغلقون عليه ب«شوية طين أو حتة أسمنت صغيرة، وبتتحول مع الحرارة والرطوبة لغاز سام يقتل الحشرة واليرقات». منذ 15 سنة، تعرفت سوسة النخيل على نخل مصر، لم تفارقه من يومها رغم محاولات الإبادة المستمرة، إنها ليست الضيف المرغوب فى وجوده، بل «خسارة بعد ما الواحد يتعب فى النخلة، وأول ما يبدأ خيرها يطلع، تيجى سوسة وتوقّعها»