مصطلح التشريع فى الفقه يعنى بيان الفرائض والواجبات من ناحية وبيان النواهى والممنوعات من ناحية أخرى، فضلا عن جزاء تارك الواجبات أو فاعل الممنوعات، فإذا عدنا إلى صحيح الحديث النبوى، فهل كل ما جاء فيه هو واجبات لازمة نحن مأمورون بها أو ممنوعات ونواه نلتزم بتركها؟ إن النظر الى صحيح السنة النبوية يؤكد أن الأحاديث الصحيحة قد اشتملت على مقامات نبوية متعددة، قام فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأدوار متعددة أولها وأهمها دور البلاغ المبين وذلك بأداء واجبه الرئيس فى بيان الواجبات والمحرمات أى بيان ما شرع الله لعباده من الدين، أو بعبارة أخرى بيان شاطئ المحيط الدينى من الفرائض والنواهى. وهذان الشاطئان من الفرائض والنواهى هما التشريع فى معناه الرئيسى، فإذا سأل الناس عن حكم أمر أو نهى هل هو مشروع، أو هل هو من جملة التشريع اللازم طاعته؟ كانت الإجابة أن هذا الأمر أو النهى هو تشريع بدليل آية كذا من القرآن أو حديث كذا من صحيح السنة النبوية ومتواترها. لهذا اختص الفقهاء مصطلح التشريع بالدلالة على الفرائض المطلوبة والمنهيات الممنوعة.. هذا هو التشريع عند الفقهاء، أى أن الفقهاء ولهم الحق العلمى والفقهى قد خصصوا مصطلح التشريع للدلالة على كل الأحكام المفروضة إيجابا أو سلبا أى الواجب والحرام دينيا. ولقد قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بهذا الدور خير قيام كما أجمع العقلاء فلقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ما فى ذلك من شك. لكن البلاغ المبين قد اشتمل على أنساق كثيرة أولها من حيث شخص المكلف فالتكليف الشرعى أو التشريع إما فرض عين وإما فرض كفاية، وفرض العين واجب على كل أحد بنفسه، أما فرض الكفاية فهو واجب على مجموع الأمة يسأل جميع الأفراد عنه حتى ينجزه تماما وصحيحا بعض الأفراد، فإذا أداه البعض تاما وصحيحا سقط عن الآخرين، ومثال فرض العين الصلاة والزكاة والصيام ، وكذلك سد الثغور وتكوين الجيوش وإعداد القوة لمنع العدوان. والنسق الثانى للبلاغ المبين من حيث شخص الفاعل هل هو فرد من أبناء الأمة وحسب؟ أم أنه يتولى منصبا مثل الإمامة الكبرى أو القضاء، أو الفتيا، أو الإمارة الخاصة كمثل قيادة الجيش أو إدارة بيت المال، أو إدارة شئون المجتمع (المحليات بلغة العصر)؟ وأمثلة ذلك ظاهرة وواضحة، وهنا نستطيع أن نقسم مصطلح التشريع إلى تشريع عام وتشريع خاص، أما العام فهو كل ما ورد عنه البلاغ المبين فهو حكم على جميع المكلفين إلى آخر الدهر، وأما التشريع الخاص فهو أقسام: أولها ما صدر عنه (صلى الله عليه وسلم) كإمام عام وحاكم، مثل أوامره بإعداد الجيوش وبعثها وتعيين قيادتها وتوجيهها، فكل ذلك ليس تشريعا لآحاد الناس يستطيعون فعله، بل لا يحل فعله إلا للإمام (الحاكم العام) وكذلك جمع حقوق بيت المال من المكلفين وصرفها فى مصارفها وتعيين الولاة (الوزراء والمحافظون) وثانيها: القضاء بمستوييه (القضاء الطبيعى أو قضاء المظالم) فكل ما ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه فصل فى نزاع بين أطراف فهو سنة للقضاة وليس لجميع الناس. وثالثها: كل ما اجاب عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن أمر شعائرى أو فى المعاملات... فإجابته فتوى خاصة لتلك الحالة وما يقاس عليها، وليس سنة عامة لجميع الناس. هذه بعض المعالم العامة للتمييز بين السنة والتشريع العام والتشريع الخاص.أما ما عدا ذلك من أقوال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهل تسمى تشريعا أيضا؟ نقصد الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة فى بذل النصيحة لمن يطلبها مثل قوله (صلى الله عليه وسلم) لبشير بن سعد: أكل ولدك أعطيت؟ قال بشير: لا قال (صلى الله عليه وسلم): أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟ قال: نعم، قال (صلى الله عليه وسلم): فلا إذن.. وفى رواية: لا تشهدنى على جور، فنهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) هنا حرصا على قيام البر والصلة وليس تحريما للعطية بل هو من باب النصيحة بالخير.