علام يكشف سبب الاجتماع الطارئ لمجلس المحامين والنقابات الفرعية    محمود بزان: صادرات الصناعات الغذائية لألمانيا سجلت نموا 42% في النصف الأول من 2025    19 شهيدا في غزة منذ فجر اليوم    برايتون يقتنص تعادلا أمام وولفرهامبتون 1-1 بالدوري الإنجليزي (صور)    بالأسماء، إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بصحراوي البحيرة    يارا السكري تخطف الأضواء في أسبوع الموضة بباريس (صور)    قافلة طبية مجانية متعددة التخصصات لخدمة أهالي عزبة صيدع بكفر الدوار    هالاند يقود جوارديولا لانتصاره رقم 250 في الدوري الإنجليزي على حساب برينتفورد    نشاط فني مكثف.. علاء مرسي بين الكوميديا والدراما والسينما    محافظة الجيزة ترفع «الفريزة» والفروشات بطريق المريوطية واللبيني فيصل بحي الهرم    وكيل صحة الأقصر.. يعلن بدء حملة التطعيم المدرسي للعام الدراسي 2024 / 2025    حماس: تصعيد استيطاني غير مسبوق في الضفة لابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية    السكة الحديد تُسير الرحلة ال23 لإعادة الأشقاء السودانيين إلى وطنهم    الدوري الإنجليزي.. أستون فيلا يفوز على بيرنلي بهدفين لهدف    فابريس: نحترم الأهلي ولكننا نؤمن بحظوظنا في تحقيق المفاجأة    تامر حسني يطلق من كان يا مكان إهداء لمهرجان نقابة المهن التمثيلية لتكريم رموز المسرح المصري    دور المقاومة الشعبية في السويس ضمن احتفالات قصور الثقافة بذكرى النصر    برينتفورد بتشكيلة هجومية أمام مانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي    بلومبرج: البنك الأهلي المصري الأول في السوق المصرية بمجال القروض المشتركة    «الصحة» تحتفل باليوم العالمي لسلامة المرضى تحت شعار «سلامة المرضى منذ البداية»    ارتفاع حصيلة ضحايا الانهيارات الأرضية والفيضانات في نيبال إلى 42 قتيلا    تأجيل محاكمة 71 متهما بخلية الهيكل الإدارى بالتجمع لجلسة 21 ديسمبر    سيارة مسرعة تنهي حياة طفل أثناء عبوره الطريق بصحبة والدته في العجوزة    طرح 11 وحدة صناعية جديدة بمجمع المطاهرة بمحافظة المنيا    وزير التموين: تكثيف الرقابة والتصدى الحاسم لحالات الغش التجارى    احزان للبيع ..حافظ الشاعر يكتب عن : في يوم المعلم… منارة العلم تُطفئها الحاجة..!!    سعر الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025.. عيار 18 بدون مصنعية ب4483 جنيها    «فيروز الطفلة المعجزة».. مهرجان الإسكندرية يستعيد بريقها في ندوة مؤثرة    أفضل 5 أبراج تنجح في التدريس أولهم برج القوس فى يوم المعلم العالمى    القاهرة الإخبارية: انتهاء عمليات الاقتراع في عموم المحافظات السورية    روبيو: لا يمكن تجاهل تأثير الحرب في غزة على مكانة إسرائيل في العالم    أستون فيلا يواصل انتصاراته فى الدورى الإنجليزى بفوز مثير ضد بيرنلى    حكم الذكر دون تحريك الشفتين.. وهذا هو الفرق بين الذكر القلبي واللساني    مستشفى الغردقة العام تستقبل الراغبين فى الترشح لانتخابات النواب لإجراء الكشف الطبي    موعد مباراة باريس سان جيرمان ضد ليل والقناة الناقلة    «صفر مساهمات وإيقاف قيد محتمل».. ماذا جنى الزمالك من صفقة عبدالحميد معالي؟    «بس ماترجعوش تزعلوا».. شوبير يعتذر ل عمرو زكي    وزارة الإسكان السعودي تحدد نقاط أولوية الدعم السكني 2025    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية التابعة لها    سر إعلان أسرة عبد الحليم حافظ فرض رسوم على زيارة منزل الراحل    مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي يكرم فناني ومبدعي المدينة (صور)    رئيس جامعة المنيا يهنئ السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    تعليق مفاجئ من الجيش اللبناني بعد تسليم فضل شاكر لنفسه    «اطلع على كراسات الطلاب وفتح حوارا عن البكالوريا».. وزير التعليم يفتتح منشآت تربوية جديدة في الإسكندرية (صور)    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    مرسوم جديد من «الشرع» في سوريا يلغي عطلة حرب 6 أكتوبر من الإجازات الرسمية    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    3 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    سوريا تنتخب أول برلمان بعد بشار الأسد في تصويت غير مباشر    عقد مؤتمر في القاهرة لعرض فرص الاستثمار الزراعي والتعدين بالولاية الشمالية في السودان    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في بني سويف    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم أولوية الدولة والتربية أولوية المجتمع
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 08 - 2010

ظل التعليم فترة طويلة مسئولية وزارة يطلق عليها «المعارف العمومية»، تساندها بعض الجمعيات الخيرية التى آمنت بأهمية التعليم لشعب يريد النهوض.
وكانت مراحل التعليم تبدأ من الأولية (أو ما يناظرها فيما بعد من رياض الأطفال) وصولا إلى إتمام الدراسة الثانوية لينتقل من يشاء من خريجيها إلى التعليم العالى الذى بدأ فى شكل معاهد عليا، منها ما كان يعنى بإعداد العاملين فى الحقل التربوى اللازم لتزويد المنظومة التعليمية بمعلمين ومعلمات، مفسحة بذلك مساحة للمرأة تخدم فيها مجتمعا كان يضيق الخناق عليها فى التخصصات الأخرى، حتى الصحة التى ظلت مشاركتها فيها من قبيل المهن الحرة التى تنتقل من جيل إلى آخر.
وكان للجهد المدنى الفضل فى إنشاء أول جامعة مصرية سرعان ما بسطت الدولة عليها سلطانها ولم تبخل عليها بما يلزمها من موارد، فى مقدمتها الموارد البشرية. وحين كان للتعليم الرسمى (الميرى) شأنه كان يتلقف المتعثرين فيه، علميا أو ماديا، مدارس خاصة ترضى بأجور بسيطة لتفتح مجالا لبعض التلاميذ وبعض المعلمين.
ويحلو للبعض أن يضيف إلى تلك المنظومة «الكتاتيب» بقدرتها على النفاذ إلى الأزقة والكفور والنجوع، لتقود الصغار إلى عالم الحروف والأرقام، وتلقنهم أصول دينهم وإجادة تلاوة آيات من الكتاب الحكيم.
وكانت لشخصية سيدنا وعصاه التى لا تضل طريقها لكل من يخطئ ذكرى لا تمحوها الأيام، لأنها كانت توفر قدرا من التربية يستعين به الآباء فى ترويض الصغار ليصبحوا كيانات يسهل اندماجها معا فى مجتمع كانت له نواميسه الثقافية المتوارثة أبا عن جد.
ومع التغير الذى أصاب الدولة، تغير اسم الوزارة من «المعارف» إلى «التربية والتعليم»، لكى تمتد المنظومة التعليمية إلى مساحة تربوية تتفق مع أمرين: الأول امتداد التعليم بجميع مراحله إلى جميع فئات المجتمع وهو ما كان يتطلب تنظيم تناغم مجموعات تتباعد المسافات الاجتماعية بين أفرادها، والثانى تعويض النقص فى إعداد الآباء أنفسهم لاستيعاب مفاهيم التقدم والتحديث، وإعداد الجيل الناشئ لمهام التنمية التى كانت هى الثمرة المنشودة من تخليص المجتمع من آفات التخلف التى غرسها الاستعمار، خاصة فى ظل الثنائية التى حرص على ترسيخها تحت مظلة الامتيازات الأجنبية لتتيح للأجانب فرصا للعمل اللائق والدخل المرتفع، كانت حراما على أصحاب الحق من المواطنين. ومع تصاعد المد الوحدوى العربى، كان لابد من مراجعة شاملة للمواد التعليمية لتهيئ الشباب لمفهوم المواطنة العربية.
ولسنا بصدد تقييم مدى النجاح فى ابتداع آليات تناسب تلك الأهداف العريضة، ولكننا نود إبراز عدد من التغييرات التى أدخلت على المنظومة التعليمية، انحرفت بها عن تلك الأهداف، ووجهتها لأهداف بديلة تسربت إلى مراكز اتخاذ القرار محدثة انقلابات غير معلنة على كل ما تبنته ثورة يوليو من أهداف رغم استتارها وراء راياتها على سبيل التضليل.
فبدون استناد إلى أى تبرير بيداجوجى دقيق بدأ العبث بسنوات التعليم فى فترة عمرية تعرضت لقلق حول أوضاعها ومصائرها. وشنت حرب طاحنة حول مفاهيم استقرت على المستوى العالمى الذى يرعاه اليونسكو والألكسو بشأن مجانية التعليم. وفقد المعلم مكانته الاجتماعية، لتصبح مهنة التعليم مهنة منفرة، بينما غزاها كل من هب ودب فى مستنقع الدروس الخصوصية.
واستحدثت صنوف من التعليم باسم الإسلام تارة وباسم اللغات الأخرى لتدور حرب خفية بين فئات انحرفت بالتعليم إلى مسرحٍ لإعادة تشكيل المجتمع من باب خلفى. وتعرض التعليم العالى إلى ضربات قاصمة بدوره ليتحول أساتذته إلى «أستاذ شنطة» تحمل أوراقا يستعين بها فى جنى قروش معدودات بالمشاركة فى مؤتمرات وندوات تحولت إلى مكلمات بلا مضمون، بل الأدهى أنها كثيرا ما كان مضمونها يندرج تحت عنوان السرقة الفكرية.
وعندما دعا السادات إلى التوسع فى فتح جامعات إقليمية، دفعتنى ندرة العناصر الصالحة للتدريس إلى رجاء أستاذنا عبدالمنعم الشافعى، النموذج فى غزارة العلم وسمو الأخلاق، بإعفائى من لجنة الفحص العلمى لمؤهلات المتقدمين لوظيفة تدريس علم الإحصاء فى جامعات يكونون مسئولين عن إنشاء أقسام جديدة لها، لضآلة الكثير مما قدموه. وتتوالى الكوارث فى جامعاتنا الخارجة عن التصنيف الدولى، معبرة عن كون الاشتغال بالتعليم دون التأهل له هو تجسيد لفقدان حسن التربية فى المعلم والمتعلم معا، بل وتكريس لسوء التربية وهو مفتاح الفساد.
إن مفهوم إكساب التعليم أولوية لا يعنى مجرد حصوله على نسبة أعلى من موازنة هزيلة، وليس مجرد نظرة إليه كعملية لها مدخلات ويترتب عليها مخرجات تقاس بمدى صلاحية الخريجين لسوق عمل كليلة وقليلة.
الأولوية لا تعنى الاستئثار، بل تدعو إلى استحضار التعليم فى مناقشة مختلف إستراتيجيات العمل وبرامجه، بدءا بالإستراتيجية العامة للتنمية (شريطة أن توجد أولا) وعند معالجة مختلف شئون الحياة. وتحمّل الدولة المسئولية لا يعنى انفرادها بشئونها، بل لا بد من رسم خريطة تشارك فيها كافة تشكيلات المجتمع، سواء الأسرة أو وحدات المجتمع المدنى وقطاع الأعمال.
غير أن فاعلية هذه المنظومة رهن بتوفر البيئة القادرة على استيعاب نواتجها وتوفير متطلباتها ومساندة خطاها. وهنا يأتى دور السلوكيات التى تحكمها تربية قويمة. وإذا كان المجتمع قد مر فى العقود الأخيرة بخطى تطور انتقلت به من حيث كانت المدرسة هى أداة التخلص من حالة الجمود فى وضع التخلف، بل والنهوض بالأسرة ذاتها من منظومة متوارثة ضبطت إيقاع التخلف، لتكون جهاز تطوير يقبل مفهوم التطور ويهيئ المناخ اللازم للإبداع والعطاء اللذين يوفر التعليم السليم القاعدة للانطلاق نحوهما.
ويتطلب هذا تفاعلا مجتمعيا يواصل تصويب المنظومة الثقافية التى تضع الضوابط لعملية تربوية مجتمعية، هى الأساس فيما ننشده من سيادة ديمقراطية شعارها احترام النفس وتقدير الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.