على امتداد نهاية رصيف واحد بمحطة رمسيس، يوجد مكتب عمال قسم الإشارات بالسكة الحديد، رائحة الرطوبة تسيطر على الحجرة، دواليب قديمة، وأسلاك وأجهزة ملقاة على ترابيزات مكسورة. يفترش ثلاثة من العمال حصيرة، وخمسة آخرون يجلسون على دكك خشبية، يبدو على وجوههم الحزن والوجوم. «كانوا قاعدين معانا الصبح، وكنا بنضحك ونهزر»، يقولها أحد العمال الجالسين على الحصيرة، واضعا يديه على جبينه، وينظر للأرض، وهو العامل الوحيد الذى وافق على الحديث بينما رفض الزملاء. «نفسيتنا وحشة ومش هانتكلم، واللى عاوز يتكلم عن الحادثة يخرج بره». صباح أمس الأول، وقعت الحادثة. دهس جرار «وردية» بمحطة رمسيس، اثنين من عمال الإشارات أثناء قيامهما بصيانة تحويلات بحوش المحطة، وأسفر الحادث عن إصابة عادل جمعة وتم نقله لمستشفى السكة الحديد، وتوفى محمود عبد الشافى فور وقوع الحادث، وتم نقله لمشرحة زينهم. قسم الإشارات بهيئة السكك الحديدية ينقسم إلى فنيين يقومون بإصلاحات اللاسلكى وأجهزة الجرارات، بالإضافة إلى برادين وعتالين، يقومون بصيانة التحويلات. «كانوا أربعة عمال، بيعملوا صيانة للتحويلة، بينضفوا التراب وبيحطوا زيت للتحويلة. وكان جرار مناورة يقوم بسحب قطار رقم 178، لورشة أبو غاطس، اتنين لحقوا يجروا، والاتنين التانيين واحد مصاب، والتانى اتقطع على القضبان». يقولها العامل شاهد العيان. يفضل عدم ذكر اسمه، خوفا من العقاب.على الرغم من طبيعة عمل قسم الإشارات، على قضبان السكك الحديدية وتعرضهم للمخاطر، فإنهم لا يحصلون على بدل مخاطر، كذلك لا توجد أى قواعد تضمن لهم الأمان والسلامة. «مش مهم الفلوس، مش ها تعوضنى لو اتقطع لى رجل ولا دراع، عايزين تأمين، ونطمن إن ما فيش حاجة تخبطنا من ضهرنا واحنا بنشتغل»، يقولها العامل وهو يشير لموقع الحادث عند مجموعة من القضبان المتداخلة «التحويلة»، بحوش محطة رمسيس. العاملان اللذان تعرضا للحادث، ليسا هما الحالة الوحيدة بقسم الإشارات. «كل يوم والتانى تحصل حادثة، من شهرين زميلنا اتكتب له عمر جديد واتقطع مشط رجليه». «المكتب مليان محاضر لحوادث عمال قسم الإشارات»، يقولها العامل، وهو يشير لمكتب رئيس القسم، ويضيف: على الرغم من تكرار الحوادث، فإن الهيئة لا تضع قواعد للأمان. تقوم هيئة السكك الحديدية بعمل تطوير بمحطة رمسيس وهدم مكاتب، تمهيدا لإقامة مول تجارى بمبنى الهيئة بتكلفة تقدر ب 80 مليون جنيه. «بيصرفوا ملايين وبيهدوا مكاتبنا علشان يعملوا مول تجارى للسياح، ومقعدنا احنا فى المقابر». يقولها العامل منفعلا، لاهتمام الهيئة بتطوير أشياء بالهيئة ليست ضرورية. قبل أن ينتهى من عبارته، كان أحد أفراد شرطة السكة الحديد قد وصل لتحرير محضر «إجراء أحاديث صحفية بدون تصريح من إدارة العلاقات العامة بالهيئة»، بأمر من سيادة العقيد. ابتسم العقيد وهو ينتهى من كتابة ورقة أمامه. «المرة دى ها نعمل مذكرة نقول إنك اتكلمتى من غير إذننا، وشفناك بالصدفة بتتكلمى مع العمال، لكن المرة الجاية هيكون فيه محضر». ويستطرد بسخرية وبلا مبالاة،» عايزة تعرفى إيه؟ اتنين خبطهم جرار، وواحد منهم مات، هانعمل لهم إيه يعنى». فى الدور الثانى، من مبنى إدارة الهيئة يوجد مكتب المهندس محمد حجازى، رئيس الإدارة المركزية لشئون الرئاسة، وسط عمال يحملون شكائر أسمنت، والأتربة، للقيام بأعمال التطوير. حجازى لم يكن يعلم أى شىء عن الحادث. اتصل بهاتفه وسأل. بعد المكالمة بدأ حديثه. «العمال ما خدوش بالهم من الجرار، والسواق متوقع إنهم يتحركوا من قدامه، فخبطهم. وقسم الإشارات مدرب على العمل بمناطق خطره، خصوصا فى مداخل المحطات.» بهدوء أعصاب يلقى حجازى نظارته على المكتب، ويمسك بقلمه. «دا خطأ من العمال. بيعملوا إيه علشان ما يخدوش بالهم. معاهم فرشة زيت وبيحطوها على التحويلة». أبراج المحطات مسئولة عن تحديد أماكن دخول القطارات على الأرصفة، كذلك «التحويلات»، تحويل موقع القطار من قضبان لقضبان أخرى. «اللى فى البرج مش متابع اللى على القضبان سواء الجمهور أو العمال، وممكن تقفل عليهم التحويله زى فاتن حمامة فى الفيلم». حجازى يؤكد عدم مسئولية الأبراج عن أى حوادث، كما يتعهد بصرف تعويضات للمصاب والمتوفى، بالإضافة إلى معاش استثنائى.