وجهت عدد من المنظمات المصرية المعنية بحقوق الإنسان انتقادات لاذعة للحكومة المصرية بخصوص انتهاكات حقوقية جسيمة، ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من اعتماد مجلس حقوق الإنسان بجنيف التابع للأمم المتحدة، للملف المصري لحقوق الإنسان مع وضع 140 توصية من ممثلي الحكومات الأخرى تعهدت الحكومة المصرية بتنفيذها. واختتم مجلس حقوق الإنسان أعمال أول مراجعة من نوعها لأوضاع حقوق الإنسان في مصر في إطار آلية المراجعة الدورية الشاملة التابعة للمجلس واعتمد التقرير الختامي بعد شهر واحد من قرار الحكومة تمديد العمل بقانون الطوارئ والذي يؤدي فعليا لانتهاك أغلب الحقوق المدنية في مصر. وبذل مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية ورئيس الوفد الحكومي أمام مجلس حقوق الإنسان جهدا كبيرا لعرض ما اعتبره الوفد "تحسنا" ملحوظا في أوضاع حقوق الإنسان في مصر منذ انعقاد جلسة المراجعة في شهر فبراير الماضي. إشادة من الدول العربية وانتقادات من إنجلترا وأمريكا وسعي الوفد إلي تبرير مد العمل بقانون الطوارئ رغم موافقة الحكومة في جلسة فبراير على توصيات بإنهائها عبر التأكيد على تعهد الحكومة بعدم استعمال سلطات الطوارئ إلا في مواجهة المشتبه بهم في قضايا الإرهاب والمخدرات فقط. وحشدت الحكومة المصرية حلفاءها خلال الاجتماع لكي يحتلوا قائمة المتحدثين في الدقائق العشرين المخصصة لمداخلات الدول الأخرى، بما لم يترك مجالا كافيا للدول الراغبة في تقديم مداخلات تنتقد الحكومة. وتحدث ممثلو الحكومات الصديقة لمصر -وكانوا بالطبع من الدول العربية- وقدموا مداخلات امتلأت بالمديح للحكومة المصرية بوصفها "رائدة" في مجال حقوق الإنسان. في حين لم تتلق الحكومة أية انتقادات سوى من وفدي إنجلترا وأمريكا والذين عبرا عن قلقهما بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ومن بينها التعذيب وحالة الطوارئ والاعتقال الإداري وانتهاكات حرية التعبير والحريات السياسية والدينية. مداخلات حقوقية أمام المجلس وعلى الجانب الأخر، فقد وجه ممثلو منظمات المجتمع المدني الأعضاء في "ملتقى المنظمات المصرية المستقلة لحقوق الإنسان" انتقادات لاذعة للحكومة، حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وخاصة في الأشهر الثلاثة التي انقضت منذ جلسة المراجعة في فبراير الماضي، والتي شهدت القمع العنيف للمظاهرة السلمية وتمديد العمل بقانون الطوارئ والتجاوزات التي صاحبت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، من "تزوير وعنف ومنع للناخبين من دخول اللجان وإلقاء القبض على عدد من أنصار مرشحي المعارضة". وقال معتز الفجيري المدير التنفيذي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في مداخلته أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي "إن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان يكشف عن غياب الإرادة السياسية لدى الحكومة المصرية لتنفيذ التزاماتها، فقد فشلت الحكومة حتى هذه اللحظة في اتخاذ أي إجراءات جادة لتفعيل الغالبية العظمى من التوصيات التي التزمت بها في جلسة المراجعة". وأشار حسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلي أن التمديد المتواصل للعمل بقانون الطوارئ واستعمال الإجراءات القمعية التي يسمح بها، يبعث برسالة مفادها أن الحكومة تعتبر نفسها وأجهزتها الأمنية فوق القانون وهو ما أنتج مناخا كاملا من الحصانة التي يتمتع بها مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالممارسة واسعة النطاق للتعذيب داخل أماكن الاحتجاز. كشف المعلومات المغلوطة وكشف المتحدثون من المنظمات المصرية، عدد من المعلومات المغلوطة التي قدمتها الحكومة في مداخلاتها خلال أعمال المراجعة، فقد قالت روضة أحمد مديرة وحدة الدعم القانوني في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في مداخلتها أن الحكومة ما زالت تؤكد أنها لا تعتقل أي مدون بموجب حالة الطوارئ، في حين أن عدد من المدونين لا يزال رهن الاعتقال، مثل مسعد أبو فجر المعتقل إداريا منذ 2007 وهاني نظير المعتقل منذ 2008 وطارق خضر -أفرج عنه فجر يوم السبت- كان تحت الاعتقال الإداري منذ 5 شهور. وانتقد أحمد سميح مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف فشل الحكومة في الاستجابة لأعمال العنف الطائفي ضد الأقباط، وطالب الحكومة، بأن تتعامل مع عملية المراجعة على المستوى الوطني بنفس الجدية التي تعاملت بها هنا في جنيف وبأن تعلن عن خطة عمل رسمية، بها إجراءات محددة ومصحوبة بتوقيتات زمنية لتنفيذ ما التزمت به من توصيات. وتحدثت رحمة رفعت ممثلة دار الخدمات النقابية والعمالية مرحبة بقبول الحكومة أغلب التوصيات التي تم تقديمها في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ولكنها عبرت عن أسفها الشديد، بسبب رفض الحكومة للتوصية التي تلقتها بإتاحة حرية إنشاء النقابات العمالية المستقلة وعدم إجبارها على الانضمام للاتحاد العام لعمال مصر والذي يخضع لسلطة الحكومة. وطالب محمد زارع مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي بأن تسارع الحكومة بتنفيذ تعهداتها الطوعية والتوصيات التي قبلتها خلال المراجعة، وخاصة فيما يتعلق بتعديل تعريف التعذيب في قانون العقوبات بما يتسق مع القانون الدولي. القومي لحقوق الإنسان يطالب برفع الطوارئ وشهاب ينتقد المتحدثين وقدم حسام بدراوي مداخلة المجلس القومي لحقوق الإنسان وطالب فيها الحكومة برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المدونين والناشطين المحتجزين، وإنهاء التميز ضد غير المسلمين. وفي رده على المتحدثين، قال د. مفيد شهاب "إن الحكومة ترحب بالنقد وتعترف بالأخطاء وتعمل على تلافي السلبيات". وانتقد شهاب بعض المتحدثين بسبب "عدم تحريهم الدقة أو مسارعتهم إلى إصدار أحكام مطلقة بناء على حالات فردية" وفي ختام كلمته تعهد بعمل الحكومة علي إنشاء "بناءا مؤسسيا"، لمتابعة تنفيذ التوصيات ال140 التي قبلتها الحكومة "بمشاركة المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني".