نشرت صحيفة "جارديان" البريطانية، تحقيقا مطولا يكشف تدهور الأوضاع في الضفة الغربيةالمحتلة بعد عشرين عاما على آخر زيارة أجراها مراسلها إيوان ماكاسكيل للضفة، حيث يصف التحقيق كيف أصبحت الحياة أكثر صعوبة للفلسطينيين، وتزايد الاعتداءات الاستيطانية، واتساع سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وانتشار الشعور باليأس وغياب الأفق السياسي. وبحسب التحقيق، في نوفمبر الماضي، فوجئ الفلسطينيون بانتشار آلاف الأعلام الإسرائيلية على جانبي طريق سريع في الضفة الغربية، حيث وُضع أكثر من ألف علم على مسافات متساوية، ممتدة لمسافة تقارب عشرة أميال جنوب نابلس، قرب قرى تتعرض باستمرار لاعتداءات المستوطنين المتطرفين. المشهد الذي صادفه مراسل جارديان أثناء توجهه لزيارة تلك القرى حمل الرسالة ذاتها التي تجاهر بها كتابات المستوطنين: "لا مستقبل لكم في فلسطين". ويروي المراسل إيوان ماكاسكيل الذي عاد إلى الضفة للمرة الأولى منذ 20 عاما، بعد عمله مراسلا للصحيفة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كتب أنه كان يتوقع تدهور الأوضاع، لكنه لم يتوقع وصولها إلى هذا الحد من اليأس والانهيار، ولا هذا القدر من إحكام القبضة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين اليومية. وجاءت زيارته إلى جانب مشاركته في مؤتمر بجامعة بيرزيت حول "إزالة الاستعمار عن فلسطين"، نظمه التقدميون الدوليون. وهي جامعة ذات التاريخ الطويل في الاحتجاجات اقتُحمت مرارا خلال العامين الماضيين، ما أجبر كثيرا من الطلبة والأساتذة على العمل في ظروف أمنية خانقة. ** رام الله.. رخاء ظاهري يخبئ انهيارا عميقا بدت رام الله للمراسل مدينة أكثر تنظيما وازدهارا مما عرفها قبل عقدين: مطاعم جديدة، صالات رياضية، ومحال فاخرة، لكن هذا المشهد، كما يقول، مضلل لسببين: أولهما أن رام الله ليست نموذجا لباقي مدن الضفة، ثانيهما أن النظام الظاهر جاء نتيجة غياب آلاف الفلاحين من القرى المحيطة بسبب الحواجز الإسرائيلية التي تجعل التنقل مغامرة يومية غير مضمونة. وبحسب الصحيفة، زاد عدد الحواجز من 376 نهاية الانتفاضة الثانية إلى 849 حاجزا اليوم، كثير منها أُنشئ خلال العامين الماضيين. وباتت قواعد المرور معقدة: سيارات المستوطنين يمكنها المرور في طرق ممنوعة على الفلسطينيين. كما ازدادت اقتحامات جيش الاحتلال لوسط رام الله، حيث تدخل القوات، تعتقل أفرادا، وتنسحب، في مشهد يكرس هشاشة السلطة الفلسطينية وعجزها عن حماية مركزها السياسي. والاقتصاد منهار الانخفاض في دخل الفرد وصل إلى 20% والبطالة بلغت 33%. ** المستوطنات: التحول الأخطر بحسب "جارديان"، يوجد أكثر من 700 ألف مستوطن يعيشون اليوم في الضفة، مقارنة ب400 ألف خلال الانتفاضة الثانية، فيما يبلغ عدد الفلسطينيين 3.3 ملايين. ولا تعكس الأرقام وحدها حقيقة الوضع، حيث المستوطنون يحيطون بالقرى والمدن، يتمددون فوق التلال، ينشئون مواقع جديدة، ويقودون اعتداءات متزايدة تحت حماية حكومية واضحة. وفي قرية أم الخير جنوب الخليل، تحدث الناشط الفلسطيني إياد الهذالين عن حملة طرد ممنهجة قائلا: "هدم منازل الفلسطينيين مقابل نصب بيوت متنقلة للمستوطنين داخل القرية بحراسة الجنود. وخلال الزيارة، وصل جنود وهددوا بإخلاء المكان خلال دقائق. وكان والد إياد قد استشهد حين دهسته شاحنة شرطة إسرائيلية عام 2022. وفي قرى جنوب نابلس، وثقت منظمات محلية اعتداءات شملت تخريب المحاصيل، وتسميم الأراضي بمادة بيضاء مجهولة دفعت الفلاحين لزراعة الخضار في براميل لحمايتها. ** هل يمكن أن تشهد الضفة انتفاضة ثالثة؟
أشار استطلاع حديث إلى أن 49% من فلسطينيي الضفة يرون أن الكفاح المسلح هو "الطريقة الأفضل"، لكن كثيرين لا يعتقدون أن انتفاضة جديدة ممكنة. ويقول أستاذ الفلسفة عبد الجواد عمر إن الفلسطينيين يعيشون "مرارة العجز"، وإن المقاومة تحولت إلى ذكرى. وفي مخيمات اللاجئين، التي كانت مركز المقاومة، يزداد القلق من الفقر والديون والدمار. وبحسب الصحيفة، دمر جيش الاحتلال أجزاء واسعة من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وشرد نحو 30 ألف فلسطيني، ودمر 850 منزلا. وأصبح الدخول إلى هذه المخيمات اليوم محفوف بالخطر، وتطلق القوات تهديدات بإطلاق النار فورا. ** غياب الأفق لحل سياسي فعال وفي فعالية ثقافية بعنوان "الشعر بعد غزة"، تكررت مقولة كافكا: "هناك الكثير من الأمل، ولكن ليس لنا". الفلسطينيون لا يرون أفقا سياسيا، حل الدولتين بات شبه مستحيل بسبب التوسع الاستيطاني، وحل الدولة الواحدة يعني واقع فصل عنصري معلن. كاتب فلسطيني قال لمراسل "جارديان": "سأقبل بالدولة الواحدة فقط إن صرت قادرا على الحركة بحرية". وأُطلقت حملة عالمية للمطالبة بالإفراج عن عضو الجنة المركزية لحركة فتح الأسير مروان البرغوثي. ويُنظر إليه باعتباره القائد الوحيد القادر على توحيد الفلسطينيين. وهو في السجن منذ 2002، في عزلة منذ 7 أكتوبر، وتعرض للضرب عدة مرات. كانت حماس قد طلبت إدراجه في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، لكن إسرائيل رفضت. لكن محللين فلسطينيين يقولون: لا تنتظروا "منقذا خارقا" لأن المشكلة أكبر من شخص. والبعض يعلق الأمل على ضغط دولي، مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، لكن هذا لن يغير حياة الفلسطينيين قريبا. ** خوف من الاختفاء ساحة المهد في بيت لحم بقيت مظلمة لعامين تضامنا مع غزة. وفي 6 ديسمبر أضيئت شجرة الميلاد مجددا وسط حضور واسع. ورغم الأمل بعودة السياحة، يعبر رئيس بلدية بيت لحم عن شعور عام لدى الفلسطينيين: "المتطرفون لا يريدون دولة لنا ولا يريدوننا جزءا من دولتهم. يريدون الأرض بلا شعب. يريدوننا أن نختفي".