- من غزة إلى العالم.. بتول أبو عقلين تحكي رحلتها مع الشعر والهوية والمنفى - بتول أبو عقلين عن أحدث مجموعاتها الشعرية: أجمع جسدي في قصائدي حتى لا يفني أجرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، حوارًا مع الشاعرة الفلسطينية الشابة بتول أبو عقلين، التي تبلغ من العمر 20 عامًا فقط، والتي أصبحت من بين أبرز الأصوات الأدبية في غزة، بعد صدور مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان: "48 كيلوجرامًا". وولدت "أبو عقلين" في غزة لأسرة مهنية، فوالدها محامٍ ووالدتها مهندسة مواقع، وهي البكر بين 5 أشقاء، وبدأت الكتابة في سن العاشرة، ونبهت إحدى معلماتها والديها إلى موهبتها الأدبية المبكرة، وفي سن الخامسة عشرة فازت في مسابقة شعرية دولية؛ لتبدأ قصائدها في الظهور في مجلات وأنطولوجيات أدبية متعددة. ودرست الأدب الإنجليزي والترجمة في الجامعة الإسلامية بغزة، وكانت على وشك بدء عامها الثاني عندما اندلعت الحرب في أكتوبر الماضي، وعن ذلك قالت: "قبل الإبادة الجماعية التي تجري الآن، كنت فتاة مدللة كثيرة الشكوى، ثم وجدت نفسي فجأة أصارع من أجل البقاء". وتحدثت "أبو عقلين"، خلال المقابلة عن تجربتها الشخصية مع الحرب في غزة، وكيف تحولت معاناتها اليومية إلى مادة شعرية تعبر عن "اللاممكن قوله" في واقع يمتلئ بالموت والدمار من حولها. وأوضحت أن عنوان مجموعتها جاء من عدد القصائد التي تضمنتها، إذ تتألف من 48 قصيدة، يمثل كل منها كيلوجرامًا من وزن جسدها، قائلة: "أعتبر قصائدي جزءًا من جسدي، لقد جمعت جسدي في القصائد في حال تفتت ولم يبق أحد ليدفنني". وتتناول قصائد المجموعة، صورًا رمزية قوية من بينها صواريخ تطلق من طائرات الأباتشي، وبائع آيس كريم يبيع جثثًا مجمدة للكلاب، وامرأة تتجول في شوارع المدينة حاملة غزة المحتضرة بين ذراعيها، تحاول شراء "هدنة مستعملة" دون أن تستطيع؛ لأن ثمنها يرتفع باستمرار. وقالت الشاعرة، خلال اللقاء، إنها ترتدي خواتم تذكرها بصديقتها المقربة المصورة الصحافية، فاطمة حسونة، التي قتلت إثر القصف الإسرائيلي على غزة قبل شهر واحد من عرض الفيلم الوثائقي عنها في مهرجان "كان" السينمائي بعنوان: "ضع روحك على يدك وامشِ". وقالت "أبو عقلين": "كانت فاطمة تحب الخواتم، تحدثنا عنها وعن الغروب في الليلة التي سبقت وفاتها، والآن لا أدري هل أرتدي خواتمي لأتذكرها، أم أنزعها من أجلها". وتطرقت الشاعرة، في حديثها إلى فقدان جدتها وجدها خلال الحرب، وإلى نزوح أسرتها بعد سقوط صواريخ قرب منزلهم في غزةالمدينة، حيث أقاموا في مخيم لاجئين في الجنوب، وروت أنها كانت تخبز الخبز على نار الحطب بسبب انقطاع الغاز، وأن تلك التجربة تحوّلت لاحقًا إلى إحدى قصائدها التي تقول فيها: "أذيب أصابعي واحدًا واحدًا.. أرفع الوسطى بين عينيّ القنبلة.. وأهب الخنصر سلامًا لكل الطعام الذي كرهته يومًا". - كاتبة بالعربية والإنجليزية وعن تجربتها في الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية، أوضحت "أبو عقلين"، أنها أعادت صياغة معظم القصائد بالإنجليزية، مؤكدة أن النصوص ليست ترجمات حرفية بل "إعادة خلق"، وأن النسخة العربية أثقل وأشد ألمًا، بينما تحمل الإنجليزية نسختها الجديدة التي تقدمها للعالم الغربي؛ لتعريفه بمعاناة الفلسطينيين. وفي مقدمة الكتاب، أشارت الشاعرة، إلى أن الكتابة بالعربية جعلتها تواجه خوفها من التعرض للقتل، بينما التصالح مع الموت تحقق عبر الترجمة. وقالت: "أعتقد أن الإبادة الجماعية ساهمت بشكل ما في بناء شخصيتي.. وعندما انتقلت من الشمال إلى الجنوب مع أمي فقط، شعرت أنني أحمل عائلتي كلها.. أصبحت أقل خجلًا وأكثر قوة". ورغم دمار منزلهم القديم، عادت العائلة خلال الهدنة القصيرة في يناير الماضي إلى غزة، واستأجرت شقة مطلة على البحر، ومن نافذتها رأت الشاعرة خيام النازحين الذين لم يجدوا مأوى، وهو ما انعكس في قصيدتها بعنوان: "الخطيئة" التي تقول فيها: "أعيش ويسقط ألف شهيد..آكل ويجوع أبي.. أكتب وتتناثر يد جاري بالقصف". وتواصل بتول أبو عقلين، دراستها عبر الإنترنت وتدرس للأطفال، وبدأت تتحرك بمفردها داخل غزة رغم المخاطر. وأضافت: "تعلمت أن أكون جريئة، وهذا أمر جيد.. كنت طفلة لا تحب القراءة، لكنني كنت أقرأ العالم أكثر من الكتب". و في ختام حديثها، قالت: "إن التجربة الصعبة التي مررت بها أضافت أعوامًا فوق عمري، فالموت عندما يطاردك، فإنك تركض في الحياة لتعيش أكثر وتتعلم أكثر؛ لأنك تعرف أنك لا تملك رفاهية الوقت في ارتكاب الأخطاء وتصحيحها".