أصبح السهر لدى ملايين الأشخاص حول العالم عادة يومية، سواء بسبب العمل أو تصفح الإنترنت أو متابعة المسلسلات، فيما كشفت دراستان حديثتان أن السهر ليس مجرد اختيار عابر، بل جزء منه مبرمج في جيناتنا، كما أن تمديد ساعات الاستيقاظ إلى ما بعد منتصف الليل يمكن أن يغير طريقة التفكير والمشاعر بشكل خطِر. * الجينات تحدد مواعيد نومنا يولد بعض الأشخاص بجينات تجعلهم أكثر ميلًا إلى السهر، بينما يفضل آخرون النوم المبكر والاستيقاظ مع شروق الشمس، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز. وتتحكم هذه الجينات، في الإيقاع الحيوي للجسم وتحدد الوقت الأنسب للنوم والاستيقاظ، بحسب الأبحاث المنشورة في Nature Communications. لكن هذا الإيقاع يمكن تعديله باتباع روتين صباحي منتظم، مثل الاستيقاظ في نفس الوقت يوميًا، والتعرض لضوء الشمس في الصباح، وممارسة القليل من النشاط البدني. ويشير العلماء إلى أن ضوء النهار يعمل كمنبه طبيعي للدماغ يخبره أن وقت النشاط قد بدأ، بينما تساعد الأضواء الخافتة ليلًا على الاسترخاء والاستعداد للنوم. ماذا يحدث حال تجاهل الساعة البيولوجية بالجسم والاستمرار في الاستيقاظ حتى وقت متأخر؟ حذر العلماء من أن الدماغ لا يعمل كما يجب بعد منتصف الليل، وأن التفكير في تلك الساعات يصبح أكثر تشاؤمًا واندفاعًا، وفقًا لبحث آخر من جامعة هارفارد، وبحسب تقرير علمي نشره موقع ScienceAlert. ووفقًا لفرضية أطلق عليها الباحثون اسم "العقل بعد منتصف الليل"، فإن الدماغ في تلك الفترة يعيد ترتيب أولوياته الكيميائية والعصبية، فيميل نحو السلبية والمخاطرة، وتضعف قدرته على اتخاذ القرارات المنطقية. * تغير في كيمياء الدماغ وتوضح الدراسة، أن مراكز التحكم في الانفعالات والنقد الذاتي داخل الدماغ تتراجع في عملها ليلًا، في حين تنشط مناطق أخرى مرتبطة بالعاطفة والمكافأة، مما يجعل الإنسان أكثر حساسية للمؤثرات السلبية؛ لذا تزيد في تلك الساعات احتمالات السلوكيات المتهورة، مثل الإفراط في الأكل أو تعاطي مواد ضارة أو حتى اتخاذ قرارات مؤذية للنفس. * بين الماضي والحاضر ويرى العلماء، أن هذا الميل البيولوجي للسهر لم يكن خطرًا في الماضي، بل كان وسيلة للبقاء؛ فالإنسان القديم كان يحتاج إلى الانتباه والحذر ليلًا لحماية نفسه من الحيوانات المفترسة، أما اليوم، فقد تحوّل هذا النظام الدفاعي إلى عبء نفسي يزيد من التوتر والقلق واضطراب النوم. * العاملون ليلًا في دائرة الخطر ويشير الخبراء إلى أن الفئات التي تعمل في نوبات ليلية مثل الأطباء والسائقين ورجال الأمن هي الأكثر تأثرًا بهذه الاضطرابات، إذ يعانون من تراجع التركيز وخلل في المزاج وصعوبة في التكيّف مع إيقاع النهار. * خطوات بسيطة لإعادة التوازن ويمكن استعادة التوازن من خلال روتين صباحي ثابت، وتجنب الضوء الأزرق المنبعث من الهواتف والشاشات قبل النوم، إلى جانب قضاء وقت أطول في ضوء الشمس نهارًا، بحسب موقع هيلث لاين. كما يمكن استخدام مصباح علاجي لمحاكاة ضوء النهار في حال صعوبة الخروج صباحًا، مع الالتزام بمواعيد نوم واستيقاظ ثابتة حتى في عطلات نهاية الأسبوع. فيما قد تكون الجينات وراء ميل بعضنا للسهر، لكن طريقة تعاملنا مع الليل هي ما يحدد تأثيره الحقيقي على عقولنا؟ فما بين تغيّر كيمياء الدماغ بعد منتصف الليل واضطراب الساعة البيولوجية، يبقى النوم المنتظم والالتزام بإيقاع النهار أفضل وسيلة للحفاظ على صفاء الذهن وتوازن المشاعر.