في مقدمته لرواية "سوناتا لتشرين" الصادرة مؤخرا بالقاهرة، كتب أسامة أنور عكاشة "جرفتني جاذبية الدراما وخطورتها وتميزها بقدرتها الفائقة على استقطاب أكبر قاعدة بشرية من المتلقين، وحملتني أمواجها إلى شواطئ بعيدة لم أستطع أن أقاوم التيارات التي حملتني على ضفافها.. فانغمست فيها حتى أذني سابحا ومبدعا ومستمتعا.. لكني لم أستطع أبدا نسيان الحب الأول وظللت متشبثا بالأرض التي شهدت فجر موهبتي.. وحرصت على بقاء انتمائي الأول لأصولي الروائية والقصصية.. حيث يمارس الكاتب فيها حريته الكاملة ويتسع أمام فضائها غير المحدود.. وآليت على نفسي أن أكتب رواية أو مجموعة قصصية وأقدمها للناس كل عام.. وجاءت "سوناتا لتشرين" لتكون رواية هذا العام.. أقدمها وأنا ارتجف انفعالا وخجلا.. متسائلا: هل يغفر لي قرائي غياباتي وندرة إنتاجي؟ أم تراهم يلتمسون لي شيئًا من العذر؟ أم سيؤجلون الحكم إلى ما بعد تذوق الثمرة؟". يستهل الكاتب الكبير الراحل مؤخرا روايته متسائلا- على لسان بطلها الصحفي صلاح كامل- "لماذا تأتي الأشياء الصحيحة في التوقيت الخطأ؟.. ولماذا تتحقق الأمنيات بعد فوات الأوان؟ ". ففي غمرة يأسه، يداعب الأمل جوانحه؛ تقتحم حياته من جديد، وبعد عشر سنوات طالبته السابقة في كلية الإعلام، التي تصر على معرفة سر ابتعاده عن الأضواء، واستقالته وهو في قمة مجده الصحفي. ويدرك كامل أن مطاردة تلميذته له لم تكن سوى من أجل الظفر بسبق صحفي. وقد لجأ الكاتب إلى تقنية المذكرات حتى لا تقع روايته في التقريرية والخطاب المباشر، وجاءت على شكل تسجيل صوتي على شريطين، مع المزاوجة بين زمنين.. السرد الآني والفلاش باك/ الاعترافات، دون أن ينسى التغزل بفاتنته مدينة الإسكندرية، التي اختارها البطل منفى اختياريا له. لغة الرواية متعددة المستويات، ما بين العادية، والشاعرية، والقريبة من السيناريو، التي تقوم على الخيال البصري. وهناك قدرة فنية هائلة على كسر توقعات القارئ، ومفاجأته في كل لحظة بما لا يمكن توقعه من أحداث.. كما في غالبية أعماله، حيث تتشابك خيوط الحب والسياسة والمكائد والأحلام والانكسارات، بأسلوب بوليسي مشوق، مع عمق الإحساس بأن شخوصه من دم ولحم، وليست مجرد كائنات من ورق، ابتدعها خيال روائي.