نفر من الشباب استأذنوا لقضاء الجزء الأخير من يوم الإثنين عندى نشاهد معا ونناقش تطورات حكاية صنع السلام فى الشرق الأوسط. المناسبة هى زيارة الرئيس ترامب صاحب مشروع العشرين نقطة للقدس وشرم الشيخ للحصول على توقيعات عدد مختار من قادة الدول على المشروع. • • • يكفى فى هذه المقدمة أن أعلق على جلستنا بأن الملل كاد يتسبب أكثر من مرة فى انفراطها، وبأن الفضول المتجذر لدى الشباب حال دونه. كانت فرحة أعضاء الكنيست بالوثيقة واضحة باستثناء نائب من بينهم، وأقصد من بين نواب بنى إسرائيل، راح يتساءل عن غياب الاعتراف بحل قضية الفلسطينيين فى مشروع السلام الذى تبناه أو وضعه الرئيس ترامب بمساعدة أو مراجعة من جانب رئيس وزراء إسرائيل خلال آخر زيارة لواشنطن. • • • كذلك حال دون انفراط عقد جلسة الشباب فى منزلى بحثنا الدائب خلال انعقاد المؤتمر فى شرم الشيخ عن قادة وجهت الدعوة لهم ولم يحضروا وقادة حضروا واختفوا وقادة حضروا ولم ينضموا إلى قائمة الموقعين. من ناحية أخرى كان الرئيس ترامب مثيرا كعادته فى محاولاته المستمرة تمجيد نفسه بنفسه، وهو الأمر المقبول من حيث المبدأ باعتباره من عادة السياسيين فى كل العهود، إلا إذا تجاوز السياسى كل الحدود المقبولة وراح يخلط بين ما هو من مصلحة للدولة وما هو من مصلحة شخصية. • • • أثير فى نقاشات الشباب ليلتها حقيقة وخلفية مشروع السلام. قيل بين ما قيل إنه قائم على فكرة لم ينكر أحد شخصية صاحبها، بل إن الرئيس ترامب أشار بنفسه تلميحا مرة وتصريحا مرات إلى أنها من بنات أفكار صهره المدعو جاريد كوشنر. كذلك أعلمتنا جهة إعلامية غربية أن لجاريد كوشنر شريكا فى تطوير هذه الفكرة منذ سنوات تسبق إعلان الرئيس ترامب فى أول تعليق له على الوضع فى قطاع غزة فور تسلمه السلطة نيته تولى الولاياتالمتحدة حيازة هذا القطاع وتحويله إلى منتجع للأغنياء يشبه منتجعات الريفييرا الفرنسية، أما الشريك فهو تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق. • • • توالت كما نعلم أحداث عظام فى قطاع غزة. تجمع الآراء بأن الرئيس ترامب كان يستطيع وقف ما آلت إليه هذه الأحداث حتى صارت حرب إبادة. نذكر أن الرئيس الأمريكى حاول خلال العامين الماضيين تجاهل أن أطفالا يُقتلون ومستشفيات تُدمر ومئات الألوف من السكان المدنيين ينزحون تحت التهديد من مكان إلى مكان ثم يعودون مجبرين إلى أحيائهم ومدنهم ليشاهدوها وقد صارت ركاما. الرئيس وبطانته ومنهم السيد ويتكوف والسيد كوشنر والسيد تونى بلير، يعلمون ما فيه تماما كما علمنا وعلم ملايين الناس فى جميع أنحاء العالم، يعلمون عن عمق الألم والحزن فى عيون نساء وأطفال نازحين من مكان إلى آخر. إنه الوطن يضيع منهم أمام عيونهم وبشهادة قادة العالم. • • • بحثنا فى جلستنا فى مشروع السلام عن أمل فى عودة هؤلاء النازحين ذات يوم، بعد إقرار المشروع، إلى ما كانوا يعرفون أنه وطن لهم وليس لغيرهم وبالتأكيد ليس لمطورين أجانب، ولم نجد. • • • سمعنا خلال الشهور المؤلمة عن تسريبات وتعليقات تنبئ عن أن الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو تعرض كل منهما لانحسار خطير فى مكانتهما الدولية وشعبيتهما داخل بلديهما. أكثرنا تابع أحداثا ومفاجآت فى جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة. أجمعنا، الشباب وأنا، على أننا فى حياتنا السياسية وهى معتدلة الطول عند أغلب الشباب وطويلة جدا عندى، لم نشاهد جلسة لجمعية عامة ورئيس وفد يخطب فيها وتكاد القاعة تخلو من وفود الدول باستثناء الوفد الأمريكى ووفود دول أخرى قليلة العدد اختارت الحضور عن غير علم أو تحت ضغط. أتصور وقعا حزينا لهذا المشهد على وفدى الدولتين، ولكنى أتصور ردة فعل صارخة من القوى المهيمنة فى بلديهما خارج مؤسسات الحكم الرسمية، أقصد تحديدا القوى القائدة للجماعة الصهيونية وعملائها والمنظمات والشخصيات المستفيدة من سطوتها وثرائها. • • • أما إن صح ما توقعت من وقع حزين فسوف يصح أيضا فى اعتقادى ما توقعت من أن حدثا جللا وعاجلا يجب أن يحدث قبل أن يستعيد الفلسطينيون عافيتهم ويستقر التفاؤل فى نفوس مؤيديهم ويتوالى وبتسارع انحدار العظمة الأمريكية فينهار تيار استعادة هذه العظمة «الماجا»، وهو التحذير الذى نطق به الناشط الجمهورى واسع التأثير ريتشارد كيرك، وفى ظنى وظن غالبية من أعرفهم من المفكرين الأمريكيين أنه مات مقتولا بسبب هذا التحذير. • • • أظن بالتالى أن هذه الجريمة مثلت دافعا آخر للرئيس ترامب وحليفه السيد نتنياهو للتحرك فورا لإنقاذ أنفسهما ومن بعده إنقاذ ما لم تجرفه التطورات الأخيرة من مصالحهما الدولية والإقليمية على حد سواء. هذه المصالح يتصدرها بطبيعة الحال المشروع العقارى لمستقبل غزة الذى التزم بتنفيذه تونى بلير وشريكه فور إزالة العقبة الكئود التى تقف فى طريقه وأقصد شعب غزة. • • • أظن أيضا أنه خلال الشهور الأخيرة ازداد اقتناع السيد كوشنر، وبالتبعية اقتناع السيد ترامب ومعاونيه المقربين الأوفياء، بضرورة الضغط بكل الوسائل على الدول العربية التى لم تعتنق عقيدة دبلوماسية أبراهام باعتناقها فورا، والضغط كذلك على الدول التى اعتنقتها وقصرت فى تنفيذها لتعلن توبتها وعودتها إلى الالتزام. المؤكد الآن لدى هذا الفريق الصهيونى وصاحب الرسالة الإبراهيمية أن أهداف ترامب الشخصية فى غزة وأهداف الحركة الصهيونية فى الانتهاء سريعا من إعلان قيام الكيان الإسرائيلى الكبير فى الشرق الأوسط، وهو ما أطلق عليه الرئيس ترامب الكيان «الممتد من حدود أذربيجان القوقازية وباكستان وإيران»، كلها وغيرها، تجتمع تحت عنوان «الشرق الأوسط الآسيوى الجديد». • • • العنوان يتغير ويبقى الجوهر مع التفاصيل بدون تغيير.