رئيس الوزراء يشارك بالقمة السابعة بين الاتحادين الأفريقى والأوروبى فى أنجولا.. صور    ارتفاع سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 24 نوفمبر 2025    هل تعتبر الزوجة محرمة على زوجها إذا لم يحافظ على الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزارة الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي تصدر بيانًا لسلسلة جديدة بعنوان "توعية وتواصل"    رئيس الوزراء يؤكد حرص مصر على دعم أنجولا في رئاستها للاتحاد الإفريقي خلال لقائه رئيس جمهورية أنجولا بالقمة السابعة    اتصال هاتفي بين شي وترامب يؤكّد استقرار العلاقات واتجاهها نحو التهدئة    محمد صلاح فى قلب العاصفة.. روني يطالب سلوت بإبعاده عن التشكيل الأساسي    رئيس روسيا ونظيره التركي يبحثان هاتفيًا قضايا التعاون الثنائي والأوضاع الإقليمية    ارتفاع حصيلة القتلى جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في جنوب شرق آسيا إلى 91 شخصا    منتخب الطائرة يفوز على السويحلي الليبي وديا قبل المشاركة في بطولة التحدي بالأردن    يلا شوت بث مباشر.. مشاهدة الأهلي × الشارقة Twitter بث مباشر دون "تشفير أو فلوس" | دوري أبطال آسيا 2025    مدحت شلبي يحضر لنقابة الإعلاميين بشأن شكوى النادي الأهلي ضده    الداخلية تكشف حقيقة فيديو إلقاء زجاجة مشتعلة داخل لجنة انتخابية بالدقهلية    حازم العبيدى: رسائل الرئيس السيسى أحدثت طمأنينة للناخبين    مفتي الجمهورية: الإسلام دين عدل ورحمة وأفعال المتطرفين لا تمت له بِصلة    حنان مطاوع تشارك محمد إمام بطولة الكينج في أول تعاون بينهما    اليوم.. افتتاح الدورة العاشرة من مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى    بعد أزمته الصحية الأخيرة.. أول ظهور ل تامر حسني رفقة أسماء جلال في عمل فني جديد    محافظ جنوب سيناء يتابع إقبال المواطنين على اللجان الانتخابية بشرم الشيخ    غرفة العمليات المركزية لحزب الإصلاح والنهضة تتابع التصويت بانتخابات مجلس النواب    الحبس 6 أشهر وغرامة 20 ألف جنيه لفادي خفاجة بتهمة سب وقذف مجدي كامل    أحمد المسلماني يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب    «بعد ضجة البلوجر سلمى».. نصائح مهمة تحميكي من التشتت وتثبتك على الحجاب    الهلال الأحمر المصري يشارك في تقديم الدعم للناخبين خلال المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    قرار جديد في الزمالك بشأن عقد حسام عبد المجيد    مسلم يفجر مفاجأة ويعلن عودته لطليقته يارا تامر    يسرا ودرة يرقصان على "اللي حبيته ازاني" لحنان أحمد ب "الست لما"    محمد مسعود إدريس من قرطاج المسرحى: المسرح فى صلب كل الأحداث فى تونس    الرئيس التنفيذي لهونج كونج يشكك في جدوى العلاقات مع اليابان بعد النزاع بشأن تايوان    وزير التعليم: التحضير لتوقيع بروتوكولات تعاون مع إيطاليا لإطلاق 89 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية جديدة    خلال زيارته لوحدة بني عدي.. محافظ بني سويف يوجه بمتابعة رضيعة مصابة بنقص هرمون الغدة الدرقية    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص فى ترعة على طريق دمياط الشرقى بالمنصورة    «الرزاعة»: إنتاج 4822 طن من الأسمدة العضوية عبر إعادة تدوير قش الأرز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فاجتهد ان تكون باب سرور 000!؟    احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن:حين يختلط التاريخ بالخطابة الانتخابية.    ضبط 1038 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    إصابة 8 عمال زراعة بتصادم سيارة وتوكوتك ببني سويف    122 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلى    كأس العرب - متى يتحدد منافس مصر الأخير في دور المجموعات    رغم بدء المرحلة الثانية…انتخابات مجلس نواب السيسي تخبط وعشوائية غير مسبوقة والإلغاء هو الحل    المرأة الدمياطية تقود مشهد التغيير في انتخابات مجلس النواب 2025    الداخلية تواصل عقد لقاءات مع طلبة المدارس والجامعات للتوعية بمخاطر تعاطى المواد المخدرة    استقبال 64 طلبًا من المواطنين بالعجوزة عقب الإعلان عن منظومة إحلال واستبدال التوك توك بالمركبات الجديدة    اليوم.. إياب نهائي دوري المرتبط لكرة السلة بين الأهلي والاتحاد    انفجار بركاني هائل في إثيوبيا يثير الذعر، وتحذير من خطر شديد على الدول المجاورة (فيديو)    هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة بمنتصف التعاملات بضغوط تراجع أسهم قيادية    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل 26 ألف مواطن خلال شهر نوفمبر الجاري    الصحة: لا توصية دولية بإغلاق المدارس بسبب الفيروسات التنفسية لعدم جدواها    كيفو: محبط من الأداء والنتيجة أمام ميلان.. وعلينا التركيز أمام هجمات أتلتيكو مدريد المرتدة    جامعة حلوان تطلق منافسات الألعاب الإلكترونية وسط مشاركة طلابية واسعة وحماس كبير    وزارة الدفاع الروسية: مسيرات روسية تدمر 3 هوائيات اتصالات أوكرانية    د. أحمد ماهر أبورحيل يكتب: الانفصام المؤسسي في المنظمات الأهلية: أزمة حقيقية تعطل الديمقراطية    الوزراء: مصر في المركز 65 عالميًا من بين أفضل 100 دولة والأولى على مستوى دول شمال إفريقيا في بيئة الشركات الناشئة لعام 2025    بيلد: ليفربول قد يفضل بيع كوناتي خلال يناير في هذه الحالة    وزير الصحة يستعرض المنصة الرقمية الموحدة لإدارة المبادرات الرئاسية ودمجها مع «التأمين الشامل»    الرعاية الصحية بجنوب سيناء تتابع خطة التأمين الطبي لانتخابات مجلس النواب    انطلاقة قوية للانتخابات.. الخصوص تحتشد أمام اللجان منذ فتح الأبواب    أدعية المظلوم على الظالم وفضل الدعاء بنصرة المستضعفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات مع صلاح منتصر.. منى الطويل تروي كيف عاش زوجها بين الصحافة والحب والمرض؟
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 10 - 2025

● لقاء عشاء يتحول ليصبح عمرًا مُضيء في حياة منى الطويل عنوانه «سنوات جوار صلاح منتصر»
● الكاتب الذي جعل من الكلمة وطنًا وسكنًا ومارسها بجدية المحترف وشغف العاشق معًا
● يجمع الكتاب مزيجًا من السيرة الذاتية والبوح الشخصي
● نصوصٌ تنضح بالصدق والحميمية وتضع القارئ أمام نصٍّ أقربَ إلى السيرة الذاتية
● ما جمع بين منى الطويل وصلاح منتصر خيط إنساني خفي صاغته التجارب المتشابهة في مواجهة المرض والفقد
● الكتاب يمزج اليومي بالاستثنائي في سرد إنساني محمّل بالذكريات
● لاب توب هدية من المحبوبة قُوبل بشغف التعلم ليتقن استخدامه بإصرار
داخل شقة الزمالك، وقبل أسابيع قليلة من الرحيل، حيث كان صلاح منتصر محاطًا ب أولاد أخيه والأحفاد، وبينما كان يستعد للمغادرة بعد أن صارحه كبار الأطباء بأنه "لا أمل في شفائه"، نطق بكلمته المؤثرة: "أعتقد أنّه تَجَمُّعنا الأخير"، ثم راح يروي باستفاضة وبصوتًا واهن لكن بذاكرة جيدة عن طفولته المبكرة في دمياط وعن بيت أبيه في حي شبرا وحكايات جمعته بأخيه الأكبر مصطفى. لقد كانت هذه اللحظة، التي تبعها تسجيل ابنة شقيقه لحديثه العفوي عن حياته وصراحته حول أخطائه، هي المنطلق.
لقد فهمت الزوجة الرسالة حينها، وأيقنت أن عليها تحقيق تلك الأمنية التي اعتقدت أنه أرادها أو على الأقل سيكون سعيدًا بإتمامها: وهي جمع كل ما كُتب هنا وهناك عن فصول ومحطات في حياته من البداية للنهاية بين دفتي كتاب.
● كتاب ومتحف وأرشيف: 3 هدايا بعد الرحيل
هذا الكتاب الصادر حديثًا عن دار الشروق ويحمل عنوان «صلاح منتصر.. الإنسان.. الزوج.. الصحفي المستقل»، هو نواة ضمن 3 مشاريع عظيمة ارتأت منى الطويل زوجة الراحل الكاتب الكبير صلاح منتصر، أنها يجب أن تُنجز لتكون بمثابة «الصدقة الجارية والوقف الخيري عن روحه».
فأول هذه المشاريع وأكثرها توثيقاً هو الكتاب الذي بين أيدينا، وهو يغطي مسيرة زواجهما التي دامت 29 عامًا، وينقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية:
- الجزء الأول: يروي سيرة الزوجة وكيف بدأت قصة تعرفها على صلاح منتصر،
- الجزء الثاني: يركز على المحطات الشخصية والمقالات الذاتية مستفيدًا من مقالاته المنشورة.
- أما الجزء الثالث فيتناول أبرز القضايا والشخصيات التي اهتم بها في مشواره الصحفي الممتد لأكثر من 70 عاما.
وعقب الانتهاء من هذا العمل التوثيقي، يأتي المشروع الثاني في الأهمية والتنفيذ، وهو مشروع المتحف، تنفيذًا لرغبة كتب عنها صلاح منتصر في عموده الشهير "مجرد رأي"، وقد وصفته الزوجة ب"الأصعب بين المشاريع"، وتكمن صعوبته في كونه يحتاج إلى تمويل ومشاركة من عدة جهات حكومية ونقابة الصحفيين والهيئة الوطنية للصحافة»، والأهم أنه يتضمن جمع "نماذج من مقالات لكبار الكتاب والمفكرين بخط أيديهم" ليصبح متحفًا يليق بقامات الصحافة.
فيما يأتي المشروع الثالث فهو الأرشيف والمكتبة: ويتمثل في إهداء مكتبته الشخصية والعامة ومقتنياته إلى إحدى المكتبات الجامعية أو العامة. شريطة أن يتم المحافظة على مقتنيات المكتبة كما هي وعرضها في ركن خاص بها، لا أن توزع وتتفرق الكتاب والمقتنيات هنا وهناك".
● الفتاة التي اختارت الفيزياء بدلًا من الطب والهندسة
وفيما يشبه السيرة الذاتية والبوح الشخصي، تروي منى الطوبل منذ الصفحات الأولى للكتاب محطات من تاريخها الشخصي، قبل ارتباطها بالصحفي الكبير، تتناول هذه الصفحات جذور حياتها الأولى، نشأتها داخل عائلة صناعية وتجارية لها مكانة اقتصادية في الإسكندرية، ثم انطلاقها نحو التفوق العلمي حتى وصلت إلى كلية العلوم متخصصة في الفيزياء.
وتكشف عن شغفها بالعلم منذ الصغر، حتى أنها فضلت الفيزياء على الطب والهندسة، وكانت من أوئل الطلاب بجامعة عين شمس، وهو ما كان غريبًا على فتاة في أوائل الستينيات.
يتطور السرد ليحكي عن سفرها المبكر إلى ألمانيا ضمن منحة دراسية، حيث واجهت تجربة السفر والاعتماد على النفس في سن صغيرة، وهو ما صقل شخصيتها. ثم تنتقل بنا إلى الولايات المتحدة حيث استكملت دراساتها العليا في الفيزياء بجامعة دنفر، قبل أن تتزوج الدكتور سمير نصار، وتعيش معه حياة تصفها بالرائعة لكنها كانت أيضًا مليئة بالتحديات، بخاصة بعد إصابته بالفشل الكلوي ورحلة علاجه الطويلة حتى وفاته عام 1991.
وتبرز هنا نقطة إنسانية لافتة؛ إذ لم تكتفِ منى الطويل بمرافقة زوجها في رحلة المرض، بل تعلمت بنفسها من الأطباء كيفية إجراء جلسات الغسيل الكلوي داخل المنزل، فأصبحت تقوم بدور الزوجة والطبيبة في آن واحد، في تجربة نادرة تكشف عن قوة الإرادة والقدرة على العطاء.
وفي خضم هذا السرد الشخصي، تبرز لحظات إنسانية لافتة؛ فهي لا تكتفي بتوثيق النجاح العلمي أو التجاري، بل تسلط الضوء على تفاصيل مشاعرها كزوجة وأم وامرأة تواجه الوحدة بعد الغربة مؤكدة أن تجربة الغربة لم تكن لتُحتمل لولا دفء الأصدقاء هناك، الذين وفروا لها السند والمواساة في أحلك اللحظات.
● موعد على العشاء
وتصل الصفحات إلى لحظة التحول الحاسمة حين شعرت بنداء داخلي غامض يدفعها إلى العودة إلى القاهرة عام 1992، حيث قادتها المصادفات إلى لقاء صلاح منتصر لأول مرة، في سياق عائلي بسيط، لكنه غيّر مسار حياتها لاحقًا.
وتقول منى الطويل: "كانت الدعوة في مطعم كبابجي شهير بأحد الفنادق المُطلّة على النيل. أبلغتني أختي نيني أنها وصلاح يدعوانني للخروج معهما، وسيكون معنا الدكتورة سميحة فوزي شقيقة المهندس صلاح، وأن هناك شخصًا آخر مدعوًا كذلك، وهو الكاتب الصحفي صلاح منتصر؛ أي أن بداية معرفتي وحديثي مع صلاح كانت في مطعم كباب.. بدعوة من زوج شقيقتي. أمضينا سهرةً لطيفة وهادئة، لكنها لم تكن ككل السهرات، لقد غيرت روتين حياتي، وكانت وراء ظهور فصل مُضيء ورائع في حياتي، عنوانه «سنوات جوار صلاح منتصر». تبدأ من صيف 1992 وتمتد بعدها ل 29 عامًا".


● حين وُلدت المحبة من رحم الألم
لقد كان ما جمع بين منى الطويل وصلاح منتصر أعمق من المصادفة، إنه خيط إنساني خفي صاغته التجارب المتشابهة في مواجهة المرض والفقد. هناك اكتشفا معًا أن الحب الحقيقي لا يقاس بلحظات الفرح وحدها، بل بقدرة كل طرف على أن يظل سندًا للآخر في أوقات الانكسار، ليبنيا علاقة قوامها الحب والوفاء والتفاهم.
● من يعطي الثقة يمنح نصف الحب
ومن محطات البدايات والتعارف إلى تفاصيل أكثر قربًا من حياتها مع الكاتب الكبير، تنتقل منى سعيد الطويل بالقارئ في مزيجًا بين السرد الإنساني والاعترافات الحميمية. فنجدها تروي تفاصيل لفتة بالغة الدلالة: حين قرر صلاح أن يكتب شقة الزوجية باسمها، قائلًا لها إن الثقة هى العنوان الأهم في أي علاقة زوجية.. وأنا أمتلك ثقة لا نهائية بكِ". وهذا ما يؤكد أنه كان يرى أن العلاقة لا تقوم إلا على الأمان، وأن من يعطي الثقة يمنح نصف الحب. هذه اللحظة البسيطة في ظاهرها، حملت في باطنها رسالة عميقة عن معنى الشراكة، فترسخت في قلبها كعهد إنساني لا يقبل الحل.

● ثلاثية شبرا ودمياط والتوفيقية الثانوية
وتحت عنوان «ثلاثية شبرا ودمياط والتوفيقية الثانوية: مجرد بدايات»، تكتب من الطويل عن نشأة صلاح منتصر وكأنها تمسك القلم لتستعيد ملامح التكوين الأول. وتبين أن ثلاث محطات شكلت شخصيته في مزيجًا فريدًا من الجذور والوعي والانفتاح. ففي دمياط استمد الجدّ والمثابرة، وفي شبرا تشرّب التنوع والاختلاط، أما مدرسة التوفيقية الثانوية فكانت بوابة لاكتشاف شغفه بالكتابة والفكر.
● المدرسة التوفيقية وأحمد بهجت
ينطلق الكتاب من تجربة الكاتبة نفسها، وهي تبحث في سيرة زوجها الراحل صلاح، لتجد أن اسمه حاضر في "قائمة الشرف" لمدرسة التوفيقية العريقة. لم يكن هذا الاكتشاف مجرد معلومة عابرة، بل نافذة أوسع تطل على تاريخ مدرسة أنجبت رموزاً شكلوا وجدان مصر الحديث.
التوفيقية، التي خرج من صفوفها رؤساء وزراء مثل عبد الخالق ثروت باشا وأحمد ماهر باشا ومحمد محمود باشا، وقادة سياسيون وعلميون كالفريق أول يوسف صبري أبو طالب والدكتور رفعت المحجوب والدكتور صبحي عبد الحكيم، لم تقتصر إنجازاتها على المجال السياسي وحده. بل أهدت مصر أيضاً أعلام الفكر والأدب والاقتصاد مثل طلعت حرب، جمال حمدان، أحمد زكي باشا، والشاعر أحمد زكي أبو شادي. وفي وسط هذه الأسماء يرد اسم صلاح، كامتداد لروح المدرسة التي غرست في خريجيها الانتماء والتميز.
ويكتسب النص بعداً إنسانياً خاصاً حين يتوقف عند العلاقة التي ربطت صلاح بالكاتب الصحفي الكبير أحمد بهجت، أحد أبرز خريجي التوفيقية. كان بهجت أول من مد له يده في عالم الصحافة، فنشر له مقالاته وفتح أمامه باباً جديداً، في لفتة ظل صلاح يذكرها بتقدير بالغ. لم تكن العلاقة مهنية بحتة، بل صداقة تقوم على الثقة والإخلاص، لتصبح جزءاً أصيلاً من رحلته في الكتابة والحياة.
هكذا تتقاطع مسيرة صلاح مع تاريخ التوفيقية ورجالها، ليظهر النص كتوثيق مزدوج بين ذاكرة شخصية تروي أثر المدرسة في حياة فرد، وذاكرة وطنية تكشف كيف صنعت التوفيقية جيلاً كاملاً من الساسة والمفكرين والأدباء.
● رحلات بين القارات تصنع ذاكرة مشتركة
تنفتح صفحات الكتاب على تفاصيل ثرية من حياتها مع الكاتب الكبير الراحل، حيث يختلط اليومي بالاستثنائي في سرد إنساني محمل بالذكريات؛ إذ تحكي عن بدايات حياتهما المشتركة ورحلة شهر العسل إلى جنوب إفريقيا، ثم عن سلسلة رحلات بحرية "كروز" جابت قارات العالم تقريبًا، بصحبة أصدقاء مقربين، كانت فرصة لمشاهدة كنوز الطبيعة وتجارب إنسانية فريدة
تحكي الكاتبة عن رحلاتها مع صلاح، ومنها رحلتهما إلى شرم الشيخ في نهاية التسعينيات للاحتفال بعيد ميلادها، حين حاولت ممارسة رياضة الغوص، لكن التجربة كشفت عن خوف دفين لدى زوجها من الغرق أو ما يُعرف ب أكوافوبيا. هذا الموقف البسيط، على طرافته، يكشف جانبًا إنسانيًا هشًا لدى الكاتب الذي طالما بدا قويًا وصلبًا في مقالاته.


وترى منى أن رحلات صلاح لم تكن للنزهة وحدها، بل كانت كنزًا صحفيًا حقيقيًا؛ إذ كان يعود منها محمّلًا بالانطباعات والأفكار التي تتحول إلى مقالات نابضة بالحياة تتشر في الصحف والمجلات العربية بالإضافة إلى كتبه عن السياحة والسفر وهما: "رحلتي إلى آخر العالم"، و"رحلاتي بين الماء والسماء".
وهكذا تكشف هذه القصص وغيرها عن وجه آخر لصلاح منتصر: الزوج المحب، والصحفي الذي يرى في السفر مادة للحياة والكتابة، والإنسان الذي لا يخجل من لحظات ضعفه، بل يحوّلها إلى دروس صادقة تُضيء سيرته.

● الهدية التي غيرت عادته في الكتابة
وفي جانب آخر، تسرد منى قصة الهدية التي غيرت عادة صلاح في الكتابة؛ إذ أهْدته أول جهاز لاب توب خلال زيارة لها إلى الولايات المتحدة، فاعتبر الأمر تحديًا وتعلم استخدامه بإصرار، لينتقل من الورق والقلم إلى الكتابة الإلكترونية، محتفظًا بروحه الدقيقة في التوثيق والأرشفة.
● الكتابة بالبدلة والكرافتة
ومن بين أكثر الصفحات دلالة في كتاب «سنوات مع صلاح منتصر» تلك التي تكشف طقوسه مع الكتابة. فتروى زوجته كيف أنه في لحظات الأرق، كان يترك فراشه متجهًا إلى مكتبه، مبررًا لمنى أن الأفكار تزاحمه في رأسه ك"شنيور" لا يتوقف عن الحفر. كانت مزحة يرددها بابتسامة، لكنها في جوهرها تعبير عن علاقة مركبة بالكتابة، إذ لم تكن بالنسبة له عملًا يُؤدى في ساعات محددة، بل حياة كاملة تلاحقه في الليل والنهار. القراءة والكتابة عنده كانتا علاجًا للقلق وأداة للتوازن، حتى إن منى نفسها وجدت في الكتب ملاذًا حين يطاردها الأرق، مستلهمة عادته.
وتزداد صورة الانضباط وضوحًا في مشهد آخر روته تحت عنوان «الكتابة بالبدلة والكرافتة». فعلى الرغم من تقاعده، كان صلاح يبدأ يومه كما لو أنه ذاهب إلى مكتبه في الأهرام؛ حمام الصباح، ثم بدلة أنيقة وربطة عنق. وحين استغربت منى هذه الطقوس، أجابها بأنها عادة تعلمها من الأستاذ هيكل، وأنها أسلوب حياة يحافظ به على احترام المهنة والقراء. كانت الكتابة عنده موعدًا رسميًا لا يجوز التعامل معه باستهانة، بل يحتاج إلى حضور كامل وهيئة تعكس جدية الموقف، فتقدم السطور صورة فريدة لصلاح منتصر: الكاتب الذي جعل من الكلمة وطنًا وسكنًا، ومارسها بجدية المحترف وشغف العاشق معًا.
● المشهد الأخير
ظل صلاح منتصر وفيًا للكلمة حتى أن نهايته جاءت وسط عالمه الذي أحبه؛ عالم الكتب والأوراق والمجلدات. كان مكتبه، المكدّس بالكتب والقصاصات، هو المكان الذي استقبل فيه أيامه الأخيرة، وكأن القدر أراد أن تُكتَب كلمة النهاية في المساحة ذاتها التي عاش فيها عمره كله.
لم يتركه المرض أسير الفراش، ظل قلبه معلقًا بمكتبته، يقرأ ويكتب ما استطاع، إلى أن غادر الحياة محاطًا بما أحب أكثر: كتبه، أوراقه، ومقالاته التي لم تتوقف عن ملاحقة هموم الناس.
هكذا بدا المشهد الأخير في رحلته؛ صحفي يطوي صفحات حياته بين الكتب التي كانت له رفيقًا وصديقًا، ليغادر تاركًا بصمة النهاية وسط كتبه، كما لو كان يعلن أن الصحافة كانت قدره الأول والأخير.
الكتاب يقدم قراءة معمقة ليست فقط لحياة صلاح منتصر، بل لاستراتيجية تنفيذ إرث ثقافي متكامل بدأته زوجته وفاءً لرسالة لم تُكتب، ولكنها فُهمت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.