وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط يشيد بقمة «شرم الشيخ للسلام»    أمطار في هذه الأماكن وسحب منخفضة.. الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة    تهشم سيارة الفنانة هالة صدقي في حادث تصادم بالشيخ زايد    إسرائيل تتسلم 4 توابيت ل رفات الرهائن المتوفين (فيديو)    صحيفة أجنبية: أوروبا تواجه خطر تهديد بنيتها الأمنية منذ الحرب العالمية لتضارب المصالح    حقيقة إلقاء جماهير الإمارات آيفون على اللاعبين بعد ابتعاد حلم المونديال    نجم الزمالك السابق يكشف عن «أزمة الرشاوي» في قطاع ناشئين الأبيض    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان خطأ    زيادة كبيرة في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب ترتفع 600 للجنيه اليوم الأربعاء بالصاغة    الأخضر يهبط لأدنى مستوى.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 15-10-2025    هتكلفك غالي.. أخطاء شائعة تؤدي إلى تلف غسالة الأطباق    ظهور دم في البول.. متى يكون الأمر بسيطًا ومتى يكون خطرا على حياتك؟    وزير العمل: محاضر السلامة المهنية تصل إلى 100 ألف جنيه    ارتفاع مفاجئ في الضاني وانخفاض الكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    تعرف على المنتخبات المتأهلة لكأس العالم بعد صعود إنجلترا والسعودية    رونالدو يحقق رقما قياسيا جديدا في تصفيات كأس العالم    نتيجة وملخص أهداف مباراة إيطاليا والكيان الصهيوني في تصفيات كأس العالم 2026    أحمد نبيل كوكا يطلب أكثر من 30 مليون جنيه لتجديد عقده مع الأهلي    بالصور.. محافظ الغربية في جولة بمولد السيد البدوي بمدينة طنطا    تباين أداء الأسهم الأمريكية خلال تعاملات اليوم    السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لتاجر مخدرات في قنا    عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل طالبة بولاق الدكرور هنا فرج    وفاة طالب صعقا بالكهرباء داخل معهد ديني بالمنيا    سوق الفيلم الأوروبي في مهرجان برلين السينمائي يُطلق أكاديمية توزيع «صندوق أدوات الأفلام»    اليوم، إغلاق الزيارة بالمتحف المصري الكبير استعدادًا للافتتاح الرسمي    رابطة العالم الإسلامي تتطلع لمخرجات قمة شرم الشيخ لتخفيف معاناة غزة    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو اقتصاد الإمارات إلى 4.8% في العام الحالي    وكيل صحة كفر الشيخ يتفقد وحدة طب الأسرة بقرية المرازقة    إسبانيا تكتسح بلغاريا برباعية في تصفيات المونديال    مصرع شخصين في تصادم سيارتي نقل على الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا    رسميًا.. موعد امتحانات الترم الأول 2025-2026 في المدارس والجامعات وإجازة نصف العام تبدأ هذا اليوم    مندوب فلسطين بالجامعة العربية: قمة شرم الشيخ محطة فارقة وضعت حدا للعدوان    كوت ديفوار تعود إلى كأس العالم بعد غياب 12 عاما    ازدحام مروري سيعرقل مسارك.. حظ برج القوس اليوم 15 أكتوبر    «توت عنخ آمون يناديني».. الكلمات الأخيرة ل «كارنافون» ممول اكتشاف المقبرة الملكية (فيديو)    لدورها الريادي في نشر المعرفة: مكتبة مصر العامة بقنا تحصد جائزة «مكتبة العام المتنقلة 2025»    معرض حى القاهرة الدولى للفنون فى نسخته الخامسة لمنطقة وسط البلد لعرض أعمال ل16 فنانا    أكرم القصاص: على الفصائل الفلسطينية إعادة ترتيب أولوياتها وتوحيد الصف    كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار غزة؟ مندوب فلسطين يكشف    مصر ومؤتمر السلام بشرم الشيخ: من الدبلوماسية الهادئة إلى توظيف الزخم سياسيا واقتصاديا وسياحيا.. وجود القاهرة على أى طاولة تفاوض لم يعد خيارا بل ضرورة.. وتصريحات ترامب عن الجريمة فى بلاده اعتراف أن مصر بيئة آمنة    أسعار الموز والتفاح والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025    ترامب يكشف تفاصيل محادثته مع حماس بشأن نزع السلاح: سنتدخل بالقوة لو لم يفعلوا    في 3 أيام .. وصفة بسيطة لتطويل الأظافر وتقويتها    باختصار.. أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. تجدد الاشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية.. نتنياهو: لن ندخر أى جهد لإعادة رفات المحتجزين فى غزة.. 90% من شوارع قطاع غزة تضررت جراء الحرب    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    متى يكون سجود السهو قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح حكم من نسي التشهد الأوسط    السفير صلاح حليمة: الاحتجاجات في مدغشقر تطورت إلى استيلاء على السلطة بحماية النخبة    الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    مدير مكتب تأهيل الخصوص في تزوير كروت ذوي الإعاقة: «طلعتها لناس مكنش ليهم محل إقامة عندي» (نص التحقيقات)    طريقة عمل شيبسي صحي في المنزل.. بدون أضرار    ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية    ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    جامعة جنوب الوادي تنظم ندوة حول "التنمر الإلكتروني"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين وموجة الاعتراف الغربي
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 09 - 2025

يمثل اعتراف بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا بالدولة الفلسطينية لحظة مؤثرة فى مسار القضية الفلسطينية وفى السياسة الإقليمية والدولية المرتبطة بها.
فبعد عقود من التردد الغربى بين خطاب دعم «حل الدولتين» وبين واقع عملى يكرس الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، تأتى هذه الخطوة لتفتح نافذة جديدة فى مشهد سياسى مثقل بالحروب والأزمات، وخصوصا فى ظل حرب الإبادة فى غزة، والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة فى الضفة الغربية، والتوتر المستمر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
البعد الرمزى والسياسى
أهمية الاعتراف لا تكمن فقط فى الاعتراف القانونى الذى لا يغير موازين القوى على الأرض بصورة مباشرة بل فى الرسالة السياسية التى يبعث بها إلى المجتمع الدولى. فبريطانيا وفرنسا دولتان مؤسستان للنظام الدولى بعد الحرب العالمية الثانية، وعضوان دائمان فى مجلس الأمن، كما أن أستراليا وكندا جزء من التحالف الغربى العابر للقارات. اعتراف هذه الدول يعنى أن «إجماع الغرب» الذى طالما اصطف خلف الموقف الأمريكى الإسرائيلى يتعرض لتآكل تدريجى.
من الناحية الرمزية، يضع الاعتراف الرواية الفلسطينية على الخريطة السياسية الدولية، ويعيد الاعتبار لفكرة أن الاحتلال الإسرائيلى ليس قدرًا أبديًا، وأن للشعب الفلسطينى حقًا فى تقرير مصيره.
ثانيًا: الأثر المباشر على الصراع الفلسطينى الإسرائيلى
رغم أن الاعتراف لا يوقف آلة الحرب الإسرائيلية فى غزة ولا يوقف الاستيطان فى الضفة الغربية، إلا أنه يضعف شرعية الممارسات الإسرائيلية على المستوى الدولى. إذ باتت حكومة اليمين المتطرف فى إسرائيل تواجه اليوم بيئة دولية أكثر نقدًا ومعارضة. لم تعد إسرائيل محصنة دبلوماسيًا كما كانت خلال العقود الماضية.
كما أن الاعتراف يقوى موقع السلطة الفلسطينية، رغم ضعفها البنيوى، ويفتح أمامها مجالات أوسع للحضور الدبلوماسى، سواء فى الأمم المتحدة أو فى المنظمات الدولية المتخصصة. وهذا يعزز إمكانية مساءلة إسرائيل قانونيًا، وإن بقى الأمر مرهونًا بميزان القوى فى المؤسسات الدولية.
ثالثًا: الانعكاسات الإقليمية
على الصعيد العربى، يوفر الاعتراف دعمًا معنويًا وسياسيًا للحكومات التى ما زالت متمسكة بخيار حل الدولتين، وفى مقدمتها مصر والأردن والسعودية. فالقاهرة وعمان، اللتان تتشاركان حدودًا مباشرة مع فلسطين وتتحملان كلفة إنسانية وأمنية عالية من استمرار الاحتلال، تستطيعان اليوم القول إن الموقف العربى لم يعد وحيدًا أو معزولًا.
فى المقابل، يضع الاعتراف بعض الحكومات الصديقة للدول العربية فى الجنوب العالمى، والتى اندفعت فى مسار التطبيع مع إسرائيل، أمام معادلة جديدة: كيف تبرر استمرار التطبيع بينما يتزايد الاعتراف الدولى بفلسطين كدولة تحت الاحتلال؟ هذا التناقض قد يفرض على تلك الدول مراجعة خطابها السياسى، وإن لم يصل إلى حد التراجع عن التطبيع.
إقليميًا أيضًا، يعيد الاعتراف الدولى بفلسطين الاعتبار للدبلوماسية فى الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويضعف قدرة أنصار الحلول العسكرية والصفرية على الادعاء بكونهم الصوت الوحيد الداعم لفلسطين.
رابعًا: ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية
جاء الرد الإسرائيلى سريعًا وغاضبًا. فقد اعتبرت حكومة نتنياهو أن الاعتراف «مكافأة للإرهاب»، وذهبت بعض الأصوات فى اليمين المتطرف إلى التلويح بإجراءات انتقامية ضد السلطة الفلسطينية والدول التى اتخذت قرار الاعتراف. هذا الغضب يعكس خشية حقيقية من أن تكون الخطوة مقدمة لتغيرات أوسع فى البيئة الدولية، خاصة إن لحقت بها دول أوروبية أخرى كإسبانيا وأيرلندا وبلجيكا.
أما الموقف الأمريكى فكان أكثر تعقيدًا. واشنطن لم ترحب ولم تعترف، لكنها فى الوقت نفسه لم تهاجم حلفاءها الغربيين الذين أقدموا على الاعتراف. وهذا يعكس إدراكًا أمريكيًا لتآكل القدرة على فرض «الفيتو السياسى» على المواقف الدولية من القضية الفلسطينية. الإدارة الأمريكية تبدو عالقة بين ضغوط اللوبى المؤيد لإسرائيل فى الداخل، وبين واقع دولى يتغير تدريجيًا.
خامسًا: التداعيات على ميزان القوى الدولى
إلى جانب البعد الإقليمى، يجب النظر إلى الاعتراف من زاوية التحولات فى النظام الدولى. فالعالم يشهد اليوم تراجعًا فى الهيمنة الأمريكية، وصعودًا لأصوات من الجنوب العالمى تطالب بإصلاح النظام الدولى، سواء فى إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية. والاعتراف الغربى بفلسطين مؤشر على أن بعض مراكز القوى فى الشمال العالمى بدأت تتحرك، ولو ببطء، فى اتجاه يتجاوب مع مطالب الجنوب.
هذا لا يعنى أن العدالة باتت قاب قوسين، لكنه يعنى أن «المقدسات السياسية» فى الغرب التى حمت إسرائيل لعقود بدأت تهتز. وفى لحظة دولية تتسم بالحروب فى أوكرانيا وأزمات الطاقة والمناخ والهجرة، فإن القضية الفلسطينية تعود لتكون معيارًا أخلاقيًا وسياسيًا يقاس به صدق الغرب فى الدفاع عن قيم حقوق الإنسان.
مع ذلك، يظل الاعتراف خطوة غير كافية ما لم تتبعها إجراءات عملية. فإسرائيل ما زالت تسيطر على الأرض، وتواصل مشروعها الاستيطانى، وتمارس سياسات تهجير ممنهج فى غزة والضفة. وبدون ضغط دولى حقيقى يربط الاعتراف بآليات تنفيذية كالعقوبات الاقتصادية، أو تقييد التجارة العسكرية مع إسرائيل، أو دعم مسارات العدالة الدولية سيبقى الاعتراف فى الإطار الرمزى أكثر منه فى الإطار العملى.
وفى السياق العربى، يبقى الرهان على قدرة الحكومات والمجتمعات المدنية على توظيف هذه اللحظة لتعزيز الموقف التفاوضى الفلسطينى، ولإعادة بناء توافق عربى يضع فلسطين فى قلب الأولويات، بعيدًا عن الانقسامات البينية والحروب الأهلية التى مزقت المشرق والمغرب.
اعتراف بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا بدولة فلسطين لا ينهى الاحتلال ولا يوقف الحروب، لكنه يفتح نافذة أمل ويؤسس لتوازن جديد فى المشهد الدولى. هو اعتراف بأن الشعب الفلسطينى موجود، وأن حقه فى تقرير المصير لا يمكن طمسه. وهو فى الوقت نفسه دعوة للحكومات العربية والمجتمع الدولى إلى أن يتحركا بما يتجاوز الرمزية إلى الفعل، بما يعيد الاعتبار لحل عادل وشامل يقوم على إنهاء الاحتلال وضمان الحقوق المشروعة للفلسطينيين.
بهذا المعنى، يمثل الاعتراف خطوة فى مسار طويل ومعقد، لكنه قد يكون الشرارة التى تدفع أطرافًا دولية أخرى إلى إعادة النظر فى مواقفها، وربما إلى تبنى سياسات أكثر إنصافًا. أما فى الشرق الأوسط، فهو يضيف طبقة جديدة إلى شبكة التفاعلات الإقليمية، بين دعم فلسطينى متجدد، وغضب إسرائيلى متصاعد، ومواقف عربية متباينة، وانتظار مفتوح لمستقبل لا يزال رهنًا بتوازنات القوى والصراع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.