"النواب" يوافق على إمكانية استجواب المتهم في غيبة المحامي بشروط    اقتصادية قناة السويس تبحث التعاون مع شركات هولندية بمجالات الطاقة والبنية التحتية    «الإسكان» تعتمد المخطط التفصيلي ل 45.5 فدان بمدينة العبور الجديدة    طارق فهمي: نجاح المرحلة المقبلة من اتفاق غزة مرهون بإجراءات بناء الثقة    فودة وكمال وعمرو عثمان يتفقدون مركز العزيمة بأسوان الجديدة ويشيدون بالخدمات التأهيلية والعلاجية المقدمة للمتعافين    وزارة الداخلية تقرر رد الجنسية المصرية ل 23 شخصًا    المؤلفة الموسيقية سعاد بشناق تنضم إلى لجنة تحكيم الأفلام القصيرة في مهرجان الجونة السينمائي    اكتشاف كبسولة رصاصية نادرة تحتوي مجموعة عملات تاريخية في الإسكندرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-10-2025 في محافظة الأقصر    على جبر: طموح بيراميدز بلا حدود وهدفنا الحالى السوبر الأفريقي    خالد مرتجي: وجود ياسين منصور مكسب كبير للأهلي.. وميزانية النادي تخطت ال8 مليار جنيه    حسام عبد المجيد ورمضان صبحى.. حقيقة الصفقة التبادلية بين الزمالك وبيراميدز    تسليم أجهزة تعويضية وكراسى متحركة للمرضى غير القادرين بأسوان    عبد العاطى لCNN: نحتاج لإغراق غزة بالمساعدات.. ويعلق على أزمة جثث الرهائن    بيان عملى وتوعية ميدانية.. الحماية المدنية تستقبل طلاب مدرسة بالمنوفية    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    ولاد عملوا بنات.. ضبط شابين روجا لممارسة الفجور بملابس نسائية مقابل المال    الهيئة الإنجيلية تشارك بدعم المتضررين فى غزة بمبادرة مسافة السكة للتحالف الوطنى    الأمن السورى يلقي القبض على ابن عم بشار الأسد    كلاكيت خامس مرة.. دويتو شيري عادل مع يوسف الشريف يعود من جديد فى رمضان 2026    إصابة معتصم النهار خلال تصوير مشاهده فى فيلم نصيب بالغردقة.. فيديو وصور    الزمالك: أعددنا لائحة استثنائية والعبرة منها توفير أجواء تساعد على النجاح    محافظ الفيوم يستقبل نائب وزير الصحة لشئون الطب الوقائى والصحة العامة    مجلس النواب يوافق على قبول استقالة النائب عبد الهادى القصبى    عمرو الورداني: مصر قادرة على إطفاء نيران الفتن وصناعة السلام بشرف وعدالة    الحكومة: الانتهاء من كل الاستعدادات لافتتاح المتحف المصرى الكبير خلال أيام    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سائق ميكروباص بالبحيرة رفع الأجرة وحمّل ركابًا أكثر من المقرر    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    وكيل النواب يستعرض تقرير اللجنة الخاصة بشأن اعتراض الرئيس على الإجراءات الجنائية    «سيدات يد الأهلي» يواجه «فلاورز البنيني» بربع نهائي بطولة إفريقيا    انطلاق منافسات ثمن نهائي بطولة مصر الدولية للريشة الطائرة    اتحاد طلاب جامعة أسيوط يكرم الدكتور أحمد المنشاوي تقديرًا لجهوده    سفيرة الاتحاد الأوروبي: توفير المياه يصنع فارقًا حقيقيًا في دعم جهود الدولة المصرية    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    المنتدى السعودي للإعلام يشارك في معرض MIPCOM 2025    وكيل التعليم بأسيوط لمديري الإدارات: انزلوا المدارس وتابعوا الانضباط بنفسكم    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    وزير العمل: المشروعات العملاقة في مصر أدت إلى تراجع البطالة من 13% في 2014 إلى 6.1 % الآن    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    الأولى من نوعها.. جامعة أسيوط تنجح في أول جراحة باستخدام مضخة "الباكلوفين" لعلاج التيبس الحاد بالأطراف    شوقي علام: سأنضم للجنة الشئون الدينية بالشيوخ لمواصلة الجهد الوطني في مجال الدعوة    بعد توقف 7 سنوات.. انطلاق الدورة الرابعة من معرض الأقصر للكتاب    "إكسترا نيوز" تكشف تفاصيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 24 فلسطينيا في الضفة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    جامعة الشارقة: تقليل هدر الطعام يمثل أحد أكثر الإجراءات فعالية في مواجهة التغير المناخي    التحالف الوطني يستعد لإطلاق قافلة دعم غزة 12 لدعم الأشقاء في فلسطين    «ممنوع عنها الزيارة».. عمرو ياسين يكشف تطورات الحالة الصحية لزوجته    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم قوافل دعوية بالفيوم تناقش «مخاطر التحرش وآثاره»    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    ترامب يعتزم لقاء مودي خلال قمة آسيان    محافظ الغربية ووزير الاوقاف يشهدان احتفالية مولد السيد البدوي    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    مشكلة الميراث    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسيرون أم مخيرون.. دردشة سياسية على الطرق المؤدية للمستقبل
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 09 - 2025

أتساءل وآخرون عن دقة أو صحة تسريبات خطيرة تتردد على أمواج وسائط الاتصال. تخيلنا أن بعض هذه التسريبات أطلقته أجهزة إعلام واستخبارات بهدف جس نبض الناس وردود أفعالهم فى حال تنفيذ سياسة بعينها. تخيلنا أيضا أن أغلب الناس تميل إلى تصديق هذه التسريبات. يعود هذا الميل فى رأينا إلى أن أجواء التكتم والتعتيم صارت فى حد ذاتها ثابتا من ثوابت العمل السياسى فى السنوات الأخيرة، وأن تقدما كبيرا قد تحقق فى صنع التسريبات وفى صياغتها وكذلك فى فنون إخراجها. تخرج التسريبات مكتسية جاذبية أقوى وتعتمد فى انتشارها على وسائل أكثر تطورا. تخيلنا أيضا أن وراء الظاهرة الانتشار الواسع لاستخدامات الذكاء الاصطناعى حتى أننا صرنا نشاهد رؤساء يعلنون حروبا، وما هم وما يقولون فى الحقيقة إلا زيف وبهتان.
لا شك عندى، وأظن عند آخرين، فى أن تكثيف الولايات المتحدة وإسرائيل لجهودهما نحو صنع شرق أوسط مختلف يقف وراء الاهتمام المتزايد بصنع هذه التسريبات وتحليلها. الأمل كبير فى، وكذلك الخوف من، أن تكون هذه التسريبات خرائط طرق ليمشى فيها أهل «الشرق الأوسط المختلف» نحو مستقبل لم يكن فى الحسبان. الطرق وخرائطها لم تعد محددة ومحدودة كما كانت قبل عقدين أو ثلاثة، اختلفت بالتأكيد. اختلفت مداخلها واختلفت مشقات المشى عليها واختلفت مخارجها. بمعنى آخر، اختلف المستقبل المنظور عن المرسوم.
أما وقد اختفت الطرق البديلة تحت القصف العسكرى أو السياسى أو بالإرهاب الجديد أو بمجرد الإهمال، لم يعد أمامنا طرق لنمشى فيها نحو مستقبل كان موعودا، المطروح علينا الآن هو الطرق المختلفة التى طرحتها، وتستمر فى طرحها التسريبات الأخيرة، وأغلبها يؤدى إلى مستقبل، هو بطبيعة الحال، مختلف.
• • •
نمشى فى السنوات الأخيرة على طرق غير مألوفة، تدفع شعوبنا، وتزعم أنها تحميها، تسريبات وسياسات لم تكن فى بداياتها مفهومة ولا مبررة. أضرب مثلا أو أكثر. كنا فى نظر أنفسنا بعد انقضاء المراحل الأولى من استقلالنا، كنا عربا. أكثر شعوبنا، وبخاصة شبابها، كان فخورا بهذه الصفة. كنا فى نظرنا ونظر العالم الخارجى قوما بالمعنى والمحتوى الأحدث لهذا المفهوم. مغاربة كنا أم خليجيين أم مصريين أم شوام دروز وشوام علويين، كنا عربا. لا يضيرنى لو لاحظت أن العروبة والعرب صارتا تعبران فى الوقت الراهن عن حال تراجع وشكوك وندم، هذه كلها وغيرها، اتهامات أو إدانات من صنع تسريبات وخطط وخرائط طرق رسمت لنا ومشينا عليها.
اختلفت الطرق. سار المغاربة على طريق والجزائريون على طريق ثم الليبيون على طريق ثالث. الآن يتحدثون عن طريق للخليجيين يختلف عن كل الطرق التى يمشى عليها غيرهم من العرب ويتحدثون عن طرق مخصصة لكل دولة خليجية أو أخرى، طرق مختلفة عن بعضها البعض. هناك من يحتج بالقول إن أغلب العرب، مغاربة أو شوام أو مصريون وسودانيون، هم الآن يركضون ويهرولون نحو المسالك التى تسلكها دول الخليج، أو، وعلى سبيل المثال والواقع المفروض، نحو الطريق الذى تقرر أن يمشى فيه الخليجيون وأهل المملكة المغربية، وأهل مصر وربما أهل سوريا الجديدة، طريق الإبراهيمى. صحيح هذا الاحتجاج أم غير صحيح، هو ما لا تنفيه التسريبات اليومية الصادرة من إسرائيل وهذه البلدان. بعض التسريبات تؤكده بتهديدات غزو أو فرط أو اغتيال وبعضها يأتى فى حزم أكثرها خبيث ولئيم.
يعتقد البعض أن الأموال الخليجية المتناهية الحجم التى دخلت جيب الرئيس ترامب أو دخلت ميزانية واشنطن إنما هى من باب المقايضات، يعنى يجب أن تنتظر الدولة صاحبة هذا المال من أمريكا مقابلا. يأتى الرد ساذجا لقوم يعلمون ويعرفون أن العلاقات بين الدول تبنى على مصالح وليس على مقايضات، ثم ألم تكن المقايضة فى معظم حالاتها مصلحة فى عرف أى علاقة دولية؟
• • •
حديثنا عن العلاقات الدولية يجرنا إلى الجديد الطارئ عليها والدافع المنتظر لتحريك المياه الراكدة بفعل التسريبات وغيرها من عوامل انحدار القوة والمكانة. يجرنا حديثنا إلى قاعة مؤتمرات فى الصين استضافت بالأمس القريب قادة الدول الأعضاء فى منظمة شنغهاى. لغات المؤتمر عديدة بتعدد ثقافات عشرين دولة من أوراسيا وإفريقيا والشرق الأوسط. لهجة الخطاب أقرب ما تكون إلى لهجة سمعتها فى مؤتمر عقد فى القاهرة فى أوائل الستينات من القرن الماضى، لهجة المتحدى الواثق مما يقول ومما ينتظر ومما يريد أن يفعل. سمعت الرئيس الصينى بصفته المضيف ولكن أيضا بصفته قائدا لمشروع نظام عالمى جديد، سمعته يقول إنهم بصدد أن يكون النظام الجديد عادلا. أما بصفته قائدا ومنظما لهذا المؤتمر فقد اختار أن يشير إلى أن المؤتمر يمثل ما يزيد عن نصف البشرية جمعاء. بمعنى آخر كاد يعلن نهاية عصر هيمنة الغرب، هيمنة دامت بدون انقطاع لقرون عديدة، ولعله بهذا المعنى أراد أن يعلن قرب ولادة نظام دولى لا يهيمن ولا يظلم ولا يتكبر ولا يسمح بإبادة سكان أصليين من أى ملة أو لون أو عرق.
يجرنا أيضا هذا الحديث إلى التأمل بعمق وتفاؤل فى حالة الغليان فى قاع النظام الدولى وعديد النظم الإقليمية. علمتنا التجربة أنه فى حال الغليان جدير بالدول، وبخاصة دول الجنوب، التروى عند اتخاذ القرارات. جدير بها أيضا تجميع أشباهها من الدول صاحبة السمعة والمكانة والتجربة لتبحث جميعها معا عن صيغة مناسبة لما يجب أن تفعله لملاقاة هذا النظام الدولى الجديد على طريق هى وأشباهها من رسم خريطته. تابعت ناريندرا مودى رئيس وزراء الهند، وأنا الغاضب نوعا ما عليه، يحدد بالدقة الواجبة مكان بلاده بين دول مجموعة شنغهاي. أعرف عن ثقة أن تجربة جواهر لال نهرو تنير له كل المصابيح اللازمة والتى ظلت بعده معتمة على امتداد عقود.
وقتها، أى قبل خمسة وسبعين عاما، انشغل نهرو وأشباهه برسم خارطة طريق تعتمد فلسفة سياسية مبتكرة عنوانها «كيف تحافظ على أمن واستقلال بلادك وسط إرهاصات بناء نظام دولى جديد». تأملوا واجتمعوا واستقروا على سياسة خارجية موحدة قوامها مبدأ عدم الانحياز. أما فى زماننا والنظام الدولى الجديد على وشك البزوغ فقد خرج علينا رئيس الوزراء الهندى باقتراح الالتزام بسياسة خارجية قوامها «الانحياز المتوازن» لأقطاب النظام الجديد، ولكنه الانحياز المرن والفاعل فى قضايا دولية بعينها والمخطط له بعناية. الانحياز المقترح يجب أن يستند إلى إرادة قوية وثروات طبيعية وبشرية هائلة وفلسفة سياسية حرة وواضحة واستعداد للضغط بقوة على أقطاب النظام الدولى الجديد من مواقع قوة وفهم وتحالفات متينة من داخل مؤسسات هذا النظام.
• • •
له ما يبرره هذا الحنين الملموس إلى كتلة عربية جاهزة بفلسفتها لتكون طرفا فاعلا فى انتظار نظام دولى جديد. العرب لا شك يدركون أنهم لن يحظوا بما يضمن أمنهم واستقلالهم إلا بالتزامهم المعلن والقوى والعاجل بفلسفة تجتمع عليها جميع السياسات الخارجية للدول العربية، وأن الانحياز المتعدد والواعى والمتوازن هدف يستحق التأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.