رئيس شعبة الذهب يكشف توقعاته للأسعار خلال الفترة المقبلة    استطلاع: 44% من الإسرائيليين يرفضون منح نتنياهو عفوا عن تهم الفساد    الكاف يخطر الزمالك بطاقم تحكيم مباراة زيسكو يونايتد    هند عاكف ترد على شائعة زواجها من إسماعيل الليثي قبل وفاته    المتحف المصري الكبير يبدأ تفعيل نظام الحجز المسبق لتذاكر الدخول غدًا    بعد استبعاد الفنانين المصريين، تركي آل الشيخ يعلن عودة الثقافة المصرية لموسم الرياض    للأمهات، اكتشفي كيف تؤثر مشاعرك على سلوك أطفالك دون أن تشعري    توقيع اتفاقيات وتفقد مشروعات وتوسعات جامعية.. الحصاد الأسبوعي لوزارة التعليم العالي    انطلاق الأسبوع التدريبي ال 15 بقطاع التدريب وبمركز سقارة غدًا    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    ضبط 15 شخصًا لقيامهم باستغلال الأطفال الأحداث في أعمال التسول    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    إنقاذ 3 مصريين فى منطقة محظورة بين تركيا واليونان    قناة السويس تشهد عبور 38 سفينة بحمولات 1.7 مليون طن    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    عروض فنية وإبداعية للأطفال في ختام مشروع أهل مصر بالإسماعيلية    تصعيد قاسٍ في أوكرانيا... مسيّرات وصواريخ "كينجال" ومعارك برّية متواصلة    قافلة تنموية شاملة من جامعة القاهرة لقرية أم خنان بالحوامدية    مؤتمر جماهيري حاشد ل«حماة الوطن» بالدقهلية لدعم مرشحه في النواب 2025 | فيديو    الموسيقار هاني مهنا يتعرض لأزمة صحية    المدير التنفيذي للهيئة: التأمين الصحي الشامل يغطي أكثر من 5 ملايين مواطن    محافظ الجيزة يُطلق المهرجان الرياضي الأول للكيانات الشبابية    الصحة العالمية: 900 وفاة في غزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    مواجهات حاسمة في جدول مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    وزيرة التنمية المحلية تفتتح أول مجزر متنقل في مصر بطاقة 100 رأس يوميا    بتكوين تمحو معظم مكاسب 2025 وتهبط دون 95 ألف دولار    انخفاض ملحوظ فى أسعار الطماطم بأسواق الأقصر اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    الأعلى للثقافة: اعتماد الحجز الإلكتروني الحصري للمتحف المصري الكبير بدءًا من 1 ديسمبر    «التخطيط» تطبق التصويت الإلكتروني في انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس    توقيع إتفاق تعاون بين «مينا فارم» و«باير» لتوطين صناعة الدواء    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    أطلقت عليه وابل رصاص وضربته بظهر الطبنجة (فيديو)    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    حارس لايبزيج: محمد صلاح أبرز لاعبي ليفربول في تاريخه الحديث.. والجماهير تعشقه لهذا السبب    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    درجات الحرارة على المدن والعواصم بمحافظات الجمهورية اليوم السبت    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    في غياب الدوليين.. الأهلي يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة شبيبة القبائل    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليم الهندسة فى مصر.. دلالات البدايات ومسئوليات المستقبل
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 02 - 2025

الثورة الصناعية (التى بدأت فى أواخر القرن الثامن عشر واستمرت حتى القرن التاسع عشر) كان لها تأثير كبير على نشأة وتطور التعليم الهندسى الحديث. هذه الثورة غيرت المجتمعات والاقتصادات بشكل جذرى، حيث أدت إلى ظهور آلات جديدة، ومصانع، وبنية تحتية معقدة مثل السكك الحديدية والجسور والموانئ. هذه التطورات تطلبت وجود مهندسين مؤهلين لتصميم وتنفيذ وصيانة هذه الأنظمة، مما أدى إلى زيادة الطلب على التعليم الهندسى الذى بدأ يتحول من نظام يعتمد بشكل كبير على التدريب العملى والتلمذة الصناعية إلى تأسيس مدارس وجامعات متخصصة فى الهندسة، مثل: المدرسة المركزية للفنون والصناعات فى فرنسا (1829). معهد زيورخ الفيدرالى للتكنولوجيا فى سويسرا (1855). معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا فى الولايات المتحدة (1861)، وأصبحت الهندسة تخصصا أكاديميا معترفا به فى الجامعات، مما أدى إلى زيادة مكانة المهندسين فى المجتمع.
لم تبتعد مصر عن هذه التأثيرات الكبرى للثورة الصناعية فأنشأ محمد على العديد من المصانع فى القاهرة وأنحاء مصر والتى تطلبت مبانى معقدة وتشغيل معدات جديدة، كما بدأ فى إنشاء شبكة الترع والقنوات لتحسين الرى وما صاحبها من كبارى معدنية، بدأ أيضا فى إنشاء القناطر الخيرية وتطلبت تلك المشروعات وجود العديد من المهندسين من المصريين بالإضافة لمن استقدمهم من الخارج. فأنشأت المهندسخانة فى حوش السراية بالقلعة عام 1816 وكانت المدرسة محلا لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة، وأحضر لهم الآلات الخاصة بالقياس. بدأت المدرسة بحوالى ثمانين من أولاد البلد وكان الهدف تخريج المتخصصين من الفنيين للعمل فى المشروعات المدنية والعسكرية.
ذكر الجبرتى أن أحد أسباب تأسيس المهندسخانة إعجاب محمد على بآلة لضرب الأرز وتبييضه، اخترعها المصرى حسين عجوة، لأن ذلك كان بمثابة برهان عملى أن فى أولاد مصر من نجابة وقابلية للمعرفة لكننا نعرف أنه بعد انهيار إمبراطورية نابليون فى عام 1815 توجه العديد من الضباط والمهندسين من الجيوش الفرنسية إلى مصر وربما كان لهؤلاء دور كبير فى إنشاء المهندسخانة.
قام حريق كبير فى القلعة فى عام 1828 ربما أدى لتدمير المدرسة وانتقلت بعدها لبولاق فى عام 1829 (تذكر هيئة الأرصاد المصرية أن إنشاء أول مرصد لها كان فى المهندسخانة عام 1829). وأغلقت مدرسة بولاق مع غيرها من المدارس فى مطلع عهد سعيد باشا عام 1854 (مع إغلاق مدارس أخرى غالبا لتوفير النفقات) ثم أعيد افتتاح مدرسة لهندسة الرى بالقناطر الخيرية عام 1858 وأخرى للعمارة بالقلعة ولم تستمر تلك المدرستان إلا ثلاث سنوات ثم أغلقت مرة أخرى فى عام 1861 نظرا لاشتداد الأزمة المالية التى كانت تمر بمصر بسبب الإنفاق على المشروعات الكبرى، ومنها قناة السويس فى ذلك الحين، وذلك لتوفير النفقات على ما لم يكن ذا أولوية فى ذلك الوقت، وذلك فى أواخر عهد الخديوى سعيد باشا.
• • •
فى عام 1866 افتتحت مدرسة للرى والعمارة فى قصر الحصوة بالعباسية (التى كان اسمهما الأصلى الحصوة) كان قد بناه الخديوى عباس حلمى الأول كأحد البدايات الأولى لتعمير حى العباسية (والذى أقيم فى مكانه لاحقا سراى الزعفران). ثم انتقلت فى العام التالى إلى درب الجماميز عام 1867(غالبا لبناء قصر سراى الزعفران فى نفس مكان قصر الحصوة) وهذا العام هو نفسه الذى زار فيه الخديوى إسماعيل باريس لحضور المعرض الدولى والذى شيد جناح مصر فيه على شكل جزء من القاهرة التاريخية.
اتخذت المدرسة من سراى مصطفى فاضل باشا - أخو الخديوى الأكبر - مقرا لها. فى هذا الدرب أيضا أنشئت لاحقا مدرسة الفنون حيث تخرج المثال الكبير محمود مختار. وفى عام 1902 انتقلت مؤقتا إلى دار مدرسة الزراعة بالجيزة (التى ألحقت بسراى الجيزة قبل أن تتحول إلى حديقة للحيوان) ثم نقلت إلى مقرها الحالى بدءا من عام 1905 .
فى عام 1925 وعندما أصبحت جامعة القاهرة جامعة حكومية ضمت إليها كلية الطب والعلوم، وجاورت مدرسة الهندسة الملكية جامعة القاهرة حوالى ستة أعوام قبل أن تنضم رسميا للجامعة كإحدى كلياتها فى عام 1935 وقد شهد هذا العام أحد أبرز الانتفاضات الشعبية الذى ساهم فيها طلاب الجامعة وانتهت تلك الانتفاضة بمعاهدة 1936 التى وقعت فى سراى الزعفران.
• • •
التأثير الفرنسى كان كبيرا على التعليم الهندسى فى بداياته فكان العديد من مدرسى المهندسخانة من خريجى البوليتكنيك فى باريس سواء من الفرنسيين أو الدارسين المصريين المبتعثين إلى فرنسا. ولكن مع الاحتلال البريطانى وتأثير كرومر على التعليم تم إصدار لائحة للمهندسخانة تتضمن فرض رسوم للدراسة مما حد من الالتحاق بها كما تم استبدال المدرسين الفرنسيين بآخرين بريطانيين. بعد الحرب العالمية الثانية تم إنشاء نقابة المهندسين ولكنها لم تقم بالدور المهنى المتوقع منها وإن حققت بعض المكاسب الاجتماعية لأعضائها.
تعاظم دور المهندسين بعد ثورة 1952 حيث تطلبت طموحات قادتها للتصنيع ومضاعفة الإنتاج الزراعى مضاعفة خريجى كليات الهندسة حوالى أربعة أضعاف من أوائل الخمسينيات وحتى نهاية الستينيات، وأصبح للمهندس وضع متميز فى المجتمع. ومع فترة الانفتاح فى السبعينيات ساهم برنامج منح السلام الأمريكية فى جعل الولايات المتحدة إحدى الوجهات الرئيسية لدراسة الدكتوراه لخريجى الكلية وبدأت مرحلة كبرى للتأثير الأمريكى شبهها البعض بتأثير كتاب الحملة الفرنسية. شهدت تلك الفترة بداية المشروعات العمرانية الكبرى وخاصة المدن الجديدة على امتداد جغرافية مصر.
بدايات المهندسخانة توضح الروابط الوثيقة لها بالمؤسسة العسكرية، كما أن هناك ارتباطا وثيقا بالمشروعات الكبرى مثل القناطر الخيرية وتعمير القاهرة الحديثة وغيرها من المشروعات فى مختلف أنحاء مصر. كما يوضح تداخل الهندسة وتجاورها مع العديد من العلوم والفنون ومصادر المعرفة دورها المحورى فى تطور مصر الحديثة. وبينما أوجد التعليم المدنى والهندسى بصفة خاصة آلية علمية للترقى فى المجتمع تشير الإغلاقات المتكررة خاصة فى عهد الخديوى محمد سعيد إلى نظرة الشك من بعض الحكام تجاه توفير التعليم العالى المتخصص للمصريين وهو ما تكرر من كرومر فى معارضته لإنشاء الجامعة الأهلية فى عام 1906. كما نعرف أن اهتمام عبد الناصر بتأسيس قدرات ذاتية لمصر (حتى وإن لم تكن هناك خطة محكمة) هو ما أدى لوضع مهنة الهندسة فى الصورة المرموقة التى كانت عليها لفترة طويلة.
• • •
تشهد كلية الهندسة بجامعة القاهرة -الوريثة الرئيسية لهذا التاريخ الكبير- تغيرات عديدة منذ أكثر من عقد من الزمن حيث أدخلت منظومة البرامج المعتمدة وتمت إضافة العديد من البرامج المتقدمة والمتخصصة المتعلقة بمنظومة المياه المستدامة والطاقة المتجددة وغيرهما. ولكن هل تتبع إضافة هذه البرامج فقط نزعة لمجاراة ما يحدث فى الكليات المماثلة فى جامعات أخرى خارج مصر أم أن هناك خطة أو رؤية أكبر لهذا التوسع؟ لا شك أن هناك حاجة لمناقشة توجهات التعليم الهندسى ليس فى جامعة القاهرة وحدها وأن هذا النقاش الذى أتمنى أن يكون عاما وجادا من المهم أن يتأمل فى البدايات ويفكر فى التحديات الحالية والمستقبلية.
تشير بدايات الثورة الصناعية إلى كون الهندسة والتكنولوجيا مفهومين مرتبطين ولكنهما مختلفان، فالهندسة تعتمد على المبادئ العلمية وتركز على التصميم لإنشاء حلول مبتكرة أو عمليات جديدة، أما التكنولوجيا فهى تركز على استخدام الأدوات والآلات والأنظمة المتاحة لأداء مهام محددة وتحسين الكفاءة والإنتاجية.
التكنولوجيا يمكن النظر إليها كوسيلة لتطبيق الحلول الهندسية. وارتباط الهندسة باستخدام التكنولوجيا الآخذة فى التطور باستمرار والتى بالرغم من الفوائد المتعددة لها على حياة البشر إلا أننا أيضا نعرف أن جذور أزمة التغير المناخى وتدهور التنوع الطبيعى مرتبطة بالتوسع فى استخدام الطاقة الأحفورية التى تطلبتها التقنيات الجديدة فى مختلف المجالات. وكما يتم إعادة النظر الآن فى مصادر الطاقة من خلال سعى حثيث للتحول لطاقة متجددة لإنقاذ كوكب الأرض من مصير خطير للغاية، فمن المهم تبنى الأطر التقنية والفلسفية المناسبة فى التعليم الهندسى. وتهدف هذه الأطر إلى تطوير حلول هندسية مبتكرة تعتمد ليس فقط على الطاقة المتجددة ولكنها أيضا على إنقاذ المنظومات الإيكولوجية، واستخدام تقنيات تعتمد على الطبيعة بصورة رئيسية لتوفير أساليب حياة كريمة للناس فى مختلف الأماكن. ولأن الاستدامة هى الإطار الأوسع لذلك فهناك حاجة أيضا إلى التركيز على الروابط بين الهندسة والأبعاد الاجتماعية. مستقبل الهندسة يتحرك من المفهوم الذى يركز على كونها فلسفيا غير سياسية وغير تاريخية إلى مدخل أكثر إنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.