محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    مصر تستهدف تشكيل مجلس أعمال مشترك مع جنوب أفريقيا    «نيكاي» الياباني يوسع الخسائر الأسبوعية مع تراجع أسهم التكنولوجيا    فون دير لاين بصدد بحث "خطة السلام" الأمريكية مع زيلينسكي وزعماء العالم في قمة ال20    صلاح يطارد رقمين تاريخيين أمام نوتنجهام فورست في الدوري الإنجليزي    «التذاكر لم تنفد بعد» الأهلي يوجه رساله لحشد جماهيره أمام شبيبة القبائل    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    صادر له قرار هدم منذ 15 عاما.. النيابة تعاين عقار اللبان المنهار في الإسكندرية    خلال 24 ساعة..ضبط 367 قضية مخدرات و229 قطعة سلاح نارى    تحويلات مرورية لاستكمال الأعمال الخاصة بمحور 3 يوليو امتداد كوبرى شمال طره    غدًا.. "الملك لير" يفتتح الدورة 26 لمهرجان أيام قرطاج المسرحية    تعرف على أذكار المساء ليوم الجمعة.. لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير    ردد الآن| ساعة الاستجابة يوم الجمعة وأفضل أوقات الدعاء    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستقبل المستشار التعليمي التركي وتبحث سبل التعاون الأكاديمي    في عيد ميلادها| قصة أغنية "حبيتك بالصيف" التي تحولت إلى اعتذار رومانسي من عاصي لفيروز    أحمد عبدالوهاب يكتب: حماس وتخزين الأسلحة في الضفة.. تهديد أم فرصة؟    «المقاولون العرب» تُتوّج ب 6 جوائز من «ميد» على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    «الدواء المصرية» تحذر من عبوات مجهولة من مستحضر «Entresto» لعضلة القلب    علاج 3652 مريضا فى 3 قوافل طبية لخدمة أهالي برج العرب    دوري أبطال إفريقيا.. محمد الشناوي: جاهزون لمواجهة شبيبة القبائل ونسعى للفوز باللقب    يوسف شاهين الغائب الحاضر في مهرجان القاهرة السينمائي    تعاون جديد بين هيئة الكتاب ومكتبات مصر العامة لتوسيع إتاحة الإصدارات في القاهرة    اليابان تعيد تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم بعد أكثر من عقد على فوكوشيما    أسعار مواد البناء.. سعر الحديد في السوق    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    جامعة بنها وحياة كريمة ينظمان قوافل طبية وتوعوية بقرية الجلاتمة بمنشأة ناصر    تليجراف: ستارمر على وشك الموافقة على إنشاء سفارة صينية عملاقة جديدة فى لندن    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    إكسترا نيوز من موسكو: العائلات وكبار السن من أبرز مشاهد انتخابات النواب    "النيابة" تستمع لأقوال المتهمين في واقعة قتل شاب بالدقهلية وإخفاء جثمانه 6 سنوات    أسماء مصابي مشاجرة الأسلحة النارية في أبو تشت بقنا.. إصابات بالغة بينها طلق ناري بالعين    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    قائمة بنوك تتلقى رسوم حج القرعة 2026.. اعرف التفاصيل    وصول حكام مباراة الزمالك وزيسكو إلى القاهرة    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    بورسعيد الأعلى، جدول تأخيرات السكة الحديد اليوم الجمعة    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    "المهن التمثيلية" تحذر من انتحال اسم صناع مسلسل "كلهم بيحبوا مودي"    وفاة القمص توماس كازاناكي كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالإسماعيلية    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    أهلي جدة يستضيف القادسية لمواصلة الانتصارات بالدوري السعودي    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    فرص عمل في شمال القاهرة للكهرباء.. اعرف التفاصيل    الصحة المصرية تعلن خلو البلاد من التراكوما فى ندوة لقيادات الصحة فى الصعيد    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    دراسة تكشف عن علاقة النوم العميق بعلاج مشكلة تؤثر في 15% من سكان العالم    بركات: هجوم غير مبرر على حسام حسن.. وتجارب المنتخب جزء من الاستعداد    محمد منصور: عملت جرسونا وكنت أنتظر البقشيش لسداد ديوني.. واليوم أوظف 60 ألفا حول العالم    أوقاف القاهرة تنظّم ندوة توعوية بالحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب    خاص| عبد الله المغازي: تشدد تعليمات «الوطنية للانتخابات» يعزز الشفافية    المتحف المصري يفتح أبوابه لحوار بصري يجمع بين العراقة ورؤى التصميم المعاصر    التنسيقية: فتح باب التصويت للمصريين بالخارج في أستراليا بالمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    هل عدم زيارة المدينة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح بقناة الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب الاستنزاف.. وتباشير الانتصار
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 10 - 2024

ما كادت حرب الأيام الستة بين إسرائيل والعرب تطوى سجلاتها الأليمة، فى الحادى عشر من يونيو 1967؛ حتى أشعل المصريون مواجهات جديدة، أطلقت عليها الأدبيات الاستراتيجية الإسرائيلية «حرب الألف يوم»؛ فيما سماها الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، «حرب الاستنزاف».
بدأت وقائع تلك الملحمة التاريخية، التى توسطت هزيمة يونيو 1967، وانتصار أكتوبر 1973، عندما تقدمت المدرعات الإسرائيلية صوب مدينة بور فؤاد، أول يوليو 1967، بهدف احتلالها. بيد أن قوة من الصاعقة المصرية تصدت لها بنجاح، فيما عرف حينها بمعركة «رأس العش». وخلال الأشهر التالية، تصاعدت العمليات العسكرية على وقع رفض إسرائيل قرار مجلس الأمن رقم 242، الذى يدعوها للانسحاب من الأراضى العربية التى احتلها. ثم اتفاق العرب أثناء قمة اللاءات الثلاث بالخرطوم، نهاية أغسطس 1967، على رأب الصدع، وتقديم الدعم والمساندة لدول المواجهة.
قبل انقضاء يونيو 1967، أصدرت القيادة العسكرية توجيهات صارمة بشأن مرحلة إعادة التنظيم. بحيث يتم تصحيح العرف السائد منذ عام 1956 بارتداد الجيش، وعدم السماح لأى قائد بإعطاء أوامر بارتداد الأفراد أو المعدات من الخطوط الدفاعية. وقد سارعت القوات المسلحة، على امتداد الجبهة، بتنظيم دفاعاتها، بما تيسر لها من إمكانات، تضمنت 100 دبابة و150 مدفعا، بدأت تتزايد تدريجيا، إثر المساعدات العربية، إلى جانب تنفيذ الاتحاد السوفيتى بعض عقود صفقات التسلح المتأخرة. ومع نهاية العام 1967، استعادت القوات المسلحة زهاء 50% من كفاءتها المقررة. بموازاة ذلك، مهد لم الشمل العربى إبان مؤتمر القمة العربية بالخرطوم، لسحب القوات المصرية من اليمن، كى تتولى مسئوليتها الوطنية على الجبهة.
ببسالة وإصرار، توسعت القوات المصرية فى أعمال القتال البرية، ابتغاء تحقيق هدفين: أولهما، الانتقام من الغارات التى كان العدو يشنها ضد العمق المصرى، عبر إلحاق أكبر الخسائر بقواته. وثانيهما، كسر الحاجز النفسى، وزيادة منسوب الثقة لدى المقاتلين المصريين. فقد تم، بنجاح، تنفيذ 16 إغارة وكمين على طول الجبهة، علاوة على ثلاث إغارات فى العمق باتجاه الطور وإيلات. وقد آتت تلك التحركات أكلها، وأنزلت خسائر هائلة بقوات العدو، مما اضطره إلى تحجيم تحركاته إلى أدنى مستوى ممكن، حتى أنها لم تعد تتم، من دون تأمينها بمجموعات قتالية ضخمة، لم تسلم بدورها من نيران القوات المصرية.
• • •
بدأت الملحمة البطولية بمرحلة «الصمود»، التى امتدت من يونيو 1967 إلى أغسطس 1968، بهدف تسريع إعادة البناء، وترسيخ الهيكل الدفاعى على الضفة الغربية للقناة. ما يتطلب هدوء الجبهة حتى وضع خطة الدفاع موضع التنفيذ، بكل ما تتطلبه من أعمال التجهيز الهندسى. أما مرحلة «الدفاع النشط»، فقد استمرت خلال الفترة من سبتمبر 1968 إلى فبراير 1969، بغرض تنشيط الجبهة، والاشتباك مع القوات المعادية، بغية تقييد حركتها على الخطوط الأمامية فى الضفة الشرقية للقناة، وتكبيدها أفدح الخسائر فى الأفراد والمعدات. وبمجرد انتهاء تلك المرحلة، انكبت هيئة عمليات القوات المسلحة على وضع الخطط الهجومية الكفيلة بتحقيق الأهداف المرحلية المنشودة. مع مداومة تطويرها، طبقا لمختلف المستجدات والعوامل المؤثرة؛ وإعداد القوات المسلحة لتنفيذ الواجبات التى تضمنتها الخطة.
بحلول العام 1969، غدت قواتنا مستعدة لعمليات واسعة النطاق. وفى الثامن من مارس، أعلن، عبد الناصر، اندلاع حرب الاستنزاف، رسميا، بقصف مدفعى شامل على طول قناة السويس، وحرب جوية وبحرية وغارات للصاعقة. وخلال المدة من مارس 1969 إلى أغسطس 1970، تصاعد القتال إلى مرحلة جديدة أطلق عليها «التحدى والردع». شهدت عبور مجموعات والإغارة على قوات العدو، بقصد تكبيدها أكبر قدر من الخسائر فى الأفراد والمعدات، مفاقمة كلفة احتلاله سيناء، وإعداد الجيش المصرى، عمليا ومعنويا، لمعركة التحرير. واشتملت هذه المرحلة على بعض العمليات المهمة، التى كان لها مردود إيجابى هائل، محليا، عربيا ودوليا. كان أبرزها: معركة رأس العش مطلع يوليو، معارك القوات الجوية يومى 14 و15 يوليو، معارك المدفعية يوم 20 سبتمبر، إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية إيلات يوم 21 أكتوبر 1967.
اعتبارا من 20 يوليو 1969، بدأت المرحلة الثانية من حرب الاستنزاف بإشراك العدو سلاحه الجوى فى المعارك. مبتغيا قصف العمق المصرى بكثافة، لزيادة الضغط على الجماهير، ودفعها إلى الثورة على قيادتها لإيقاف حرب الاستنزاف، وإضعاف نظام عبد الناصر، أو الإطاحة به. وفى كتابه عن حرب الاستنزاف، يذكر المحلل الإسرائيلى، يزئيف شيف، أن النجاح العسكرى المصرى المبهر فى عملية لسان بور توفيق، هو الذى حسم الجدل داخل أروقة القيادة الإسرائيلية، بشأن حتمية تدخل الطيران الحربى الإسرائيلى فى المعركة؛ بعدما كانت كل الآراء تصر على الاحتفاظ به للمواجهة الكبرى. حيث استهدف الإسرائيليون تقويض النشاط العسكرى المتنامى للمصريين، تدمير بعض الرادارات ونقط المراقبة الجوية، علاوة على ضرب الأعيان المدنية بالعمق المصرى. وقد افتتح العدو هذه المرحلة عبر «العملية بوكسر»، التى تضمنت تنفيذ 500 طلعة جوية قصفت 2500 قنبلة، بإجمالى 500 طن، على أهداف منتخبة خلال عشرة أيام. وهى: مواقع الدفاع الجوى والرادارات، مواقع المدفعية، تمركزات القوات على الجبهة. وقد تفاخر رئيس الأركان الإسرائيلى، وقتها، الجنرا، حاييم بارليف، بأنه خلال الفترة من 20 يوليو، وحتى 7 سبتمبر 1969، نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية ألف غارة، لإجبار المصريين على نشر قواتهم، وتقليص حشودها على جبهة القناة. وقد تواصل القصف الجوى الإسرائيلى العنيف طيلة الأشهر الأربعة الأولى من عام 1970. حيث صرحت، جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، وقتئذ، لصحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية، يوم 6 يوليو 1970، بأن طائراتها كانت تسقط ألف قنبلة على المصريين يوميا.
ظهيرة الثلاثين من يونيو 1970، أتمت مصر بناء حائط الصواريخ، حيث تبوأت بعض كتائب الصواريخ مواقعها، من خلال تنظيم صندوقى لعناصر الدفاع الجوى، ابتكرته عقول مصرية فى قيادة الدفاع الجوى. ونتيجة لذلك، أخفق الطيران الحربى الإسرائيلى فى حرمان المصريين من إنشاء منصات للصواريخ على طول الجبهة. كما طفقت طائراته تتساقط كأوراق الخريف؛ فيما عرف، حينئذ، «أسبوع تساقط الفانتوم»، الذى وثق أول نكسة تنال من سمعة القوات الجوية الإسرائيلية. وبعد سنوات ثلاث من المواجهات الدامية، توقفت العمليات، بعدما طلبت إسرائيل من واشنطن التوسط لإنهائها، أملا فى وقف خسائرها الكثيفة والمتواصلة. وفى 7 أغسطس 1970، قبل الرئيس، عبد الناصر، والعاهل الأردنى، مبادرة «روجرز»، لوقف إطلاق النار؛ ومن ثم، طويت الصفحات المضيئة لحرب الاستنزاف.
• • •
بشهادة قيادات العدو، شكلت تلك الحرب أطول الحروب العربية -الإسرائيلية، وأشدها وطأة على جيشه ومجتمعه. فلقد كانت أول صراع مسلح، يضطره إلى الاحتفاظ بنسبة تعبئة عامة عالية، ولمدة طويلة. الأمر، الذى خلف آثارا سلبية على اقتصاده ومعنويات شعبه، الذى خدعته قياداته بادعائها أن حرب 1967 هى آخر الحروب. وتُقدّر الرواية العربية خسائر إسرائيل البشرية خلال حرب الاستنزاف، بألف ضابط وجندى. وفى عام 2019، أوردت مجلة «إسرائيل ديفينس» المهتمة بالشئون العسكرية، أن المصريين قتلوا 367 إسرائيليا وجرح 1000 آخرين. بينما فقد سلاح الجو الإسرائيلى 15 طائرة، كما قُتل العديد من طياريه وأُسر آخرون.
بمقاربة استراتيجية موضوعية، مهدت حرب الاستنزاف لنصر أكتوبر المجيد. فعسكريا، تمخض توقيع موسكو وواشنطن «اتفاقية الوفاق» عام 1972، عن تكريس حالة «اللاسلم واللاحرب»، التى رسخت بدورها مبدأ «الاسترخاء العسكرى فى الشرق الأوسط». حيث ألزمتهما استبقاء الوضع القائم، ومنع تصاعد التوترات فى المنطقة. أما سياسيا، فقد أجهض التعنت الإسرائيلى مساعى إدراك تسوية سلمية عادلة. ومن رحم ذلك الانسداد الاستراتيجى المُحبط، هب المصريون فى أكتوبر1973، لانتزاع انتصارهم التاريخى، الذى أجبر عدوهم، والعالم أجمع، على احترام إرادتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.