لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب فى الأوبرا    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية تتفقدان ممشى كورنيش النيل بسوهاج    وزير الخارجية: العلاقات المصرية الروسية تجاوزت الأطر الدبلوماسية لتمتد للشراكة استراتيجية    ماريسكا ينفي تكهنات تدريب مانشستر سيتي    الداخلية تضبط متهما بابتزاز فتاة بعد سرقة حساباتها الشخصية بحلوان    أوبرا الإسكندرية تغرد بأعمال فريد الأطرش فى ذكرى رحيله    الزراعة تصدر 20 توصية لمربى الثروه الحيوانية والداجنة لمواجهة التقلبات الجوية    الأردن يرحب بإلغاء عقوبات "قيصر" ويؤكد دعمه لجهود إعادة البناء في سوريا    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    رئيس الوزراء: مصر ستبقى إلى جانب لبنان في مسيرتها نحو التعافي والاستقرار    الداخلية توضح حقيقة السير عكس الاتجاه بطريق قنا - الأقصر الغربي    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    لقاء أدبي بفرع ثقافة الإسماعيلية حول أسس كتابة القصة القصيرة    وائل كفوري يمر بلحظات رعب بعد عطل مفاجى في طائرته    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    وزير الصحة يلتقي الأطباء وأطقم التمريض المصريين العاملين في ليبيا    الصحة: تنفيذ برنامج تدريبي لرفع كفاءة فرق مكافحة العدوى بمستشفيات ومراكز الصحة النفسية    توصيات ندوة أكاديمية الشرطة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    يبدأ رسميًا 21 ديسمبر.. الأرصاد تكشف ملامح شتاء 2025 في مصر    وزير الخارجية: العلاقات مع روسيا شهدت طفرة استراتيجية على جميع الأصعدة    حماس: محادثات ميامي لن تفضي لوقف خروقات إسرائيل للهدنة    بوتين لزيلينسكي: ما دمت على عتبة الباب لماذا لا تدخل؟ الرئيس الروسي يسخر من نظيره الأوكراني    عماد أبو غازي: «أرشيف الظل» ضرورة بحثية فرضتها قيود الوثائق الرسمية.. واستضافة الشيخ إمام في آداب القاهرة 1968 غيرت مساره الجماهيري    افتتاح مسجد نادي جامعة أسيوط بعد تجديد شامل    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    أبرزها صدام نيجيريا وتونس.. مواعيد مباريات المجموعة الثالثة بأمم إفريقيا 2025    ندوة تناقش 3 تجارب سينمائية ضمن مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    نيجيريا الأعلى وتونس وصيفًا.. القيمة التسويقية لمنتخبات المجموعة الثالثة بأمم إفريقيا 2025    النتائج المبدئية للحصر العددي لأصوات الناخبين في جولة الإعادة بدوائر كفر الشيخ الأربعة    أحمد شيبة ينتهي من تسجيل أغنية جديدة لطرحها في رأس السنة    عبد الغفار يبحث مع وزير الصحة الموريتاني نقل التجربة المصرية في التأمين الشامل    فضل قراءة سورة الكهف.....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم بالبركات    نواف سلام: العلاقة بين مصر ولبنان أكثر من تبادل مصالح إنها تكامل في الرؤية وتفاعل في المسار وتاريخ مشترك    تنفيذ 27 حملة تفتيش وتحرير 156 محضرا فى حملة تموينية بالوادى الجديد    حملات أمنية مكبرة تضبط 340 قضية مخدرات وتنفذ قرابة 60 ألف حكم خلال 24 ساعة    وفاة 7 أشخاص وإصابة 5 آخرين في حريق سيارة سوزوكي على الطريق الإقليمي    سلام: العلاقة بين مصر ولبنان تشمل تفاعلا في المسار واتفاقا في الرؤى    ضبط 20 متهمًا أثاروا الشغب بعد إعلان نتيجة الانتخابات بالإسماعيلية    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشهد ختام مشروع منحة FEXTE الفرنسية    اليوم.. الأهلي يواجه الجزيرة في دوري سيدات اليد    وفاة طبيب متأثراً بإصابته إثر طلق ناري أثناء مشاركته بقافلة طبية في قنا    وزير الزراعة يعلن خفض المفوضية الأوروبية فحوصات الموالح المصرية إلى 10% بدلا من 20%    "الوزراء": الحكومة تمنح تيسيرات لزيادة عدد الغرف الفندقية وتحويل بعض المنشآت السكنية    زراعة سوهاج: حملة إزالة فورية للمخلفات الزراعية بقرية الطليحات لمركز جهينة    وزيرة التخطيط تختتم الحوار المجتمعي حول «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    أطعمة تقوي المناعة.. كيف يساعد الغذاء الجسم على مواجهة الإنفلونزا؟    ارتفاع حصيلة البعثة المصرية بدورة الألعاب الإفريقية للشباب إلى 65 ميدالية    الدفاع الروسية: قواتنا سيطرت على 4 بلدات أوكرانية خلال الأيام الماضية    كأس عاصمة مصر.. الإسماعيلي يتحدى بتروجت بحثًا عن الفوز الأول    أستاذ لغويات: اللغة العربية تمثل جوهر الهوية الحضارية والثقافية للأمة    أبو الغيط يرحب بانتخاب برهم صالح مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة    الداخلية تضبط 20 شخصا من أنصار مرشحين بسبب التشاجر فى الإسماعيلية    جامعة السوربون تكرم الدكتور الخشت بعد محاضرة تعيد فتح سؤال العقل والعلم    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    سنن وآداب يوم الجمعة – وصايا نبوية للحياة اليومية    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على خطى أحمد بن فضلان (1 4)
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 07 - 2024

فى عام 2016 أخذت الصورة المرفقة لجدارية فى المتحف الوطنى بمدينة بولجار على نهر الفولجا فى البلاد العريقة التى تسمى «تترستان» والتى خاضت حروبا شرسة مع روسيا قبل 5 قرون كى لا تصبح جزءا منها بسبب تمايز عقيدة وقومية شعوبها عن عقيدة وقومية «الروس» الزاحفين عليهم من الغرب.
الجدارية رسمت فى وقت حديث للغاية، ربما قبل زيارتى بعشر سنوات على الأكثر، ولكنها توثق لحدث شهير وقع قبل نحو ألف سنة.
إذا نظرت إلى الجدارية (التى يجلس أمامها التترى الأصيل «مراد» الذى كان دليلى فى تلك البلاد) ستجد رجلا ممشوقا يرتدى رداء أبيض اللون يقرأ رسالة طويلة، وهذا هو السفير والرحالة «أحمد بن فضلان» الذى أرسله الخليفة العباسى المقتدر بالله فى عام 921 ميلادية استجابة لرسالة من ملك بلاد البولجار الذى طلب تعريف قومه بالإسلام رغبة فى الدخول فيه.
الطريف والمدهش أن الخليفة العباسى آنذاك لم يكن يستطيع أن يتحكم فى الأراضى الخاضعة رسميا لسلطة الخلافة فى بغداد، حتى إنه لم يمنح تمويلا لسفارة ابن فضلان وطلب منه أن يأخذ ميزانية الرحلة فى طريق سفره إلى تلك البلاد من أموال متأخرة من الإمارات الخاضعة لسلطة الخلافة.
كانت الخلافة الإسلامية فى فترة ضعف آنذاك ورفضت الأقاليم أن تمنح ابن فضلان أموالها المتأخرة لبغداد وكادت السفارة أن تفشل نهائيا حيث تعثر عدد من أعضاء الرحلة أو تخلفوا لعدم وجود تمويل يكفى للسفر إلى تلك البلاد البعيدة فى الشمال.
وصل ابن فضلان إلى بلاد البولجار وقِبل ملكها وشعبها الإسلام وصاروا من دون أية معارك شعوبا تدين بالإسلام بل كانوا يعرفون عن الإسلام ما أدهش ابن فضلان.
لكن هذه الشعوب تميزت بميزة مهمة للغاية، وهى أنها جمعت مع هوية الدين هوية قومية مخالفة لبقية الشعوب المجاورة لها وهو ما أعطاها خصوصية كبيرة فى خريطة العالم الإسلامى، تلك الخصوصية التى تقوم على تزاوج الدين مع القومية، وهى خصوصية بالغة الشدة والأثر.
11 قرنا على الرحلة
أكثر من 1100 سنة تفصلنا عن سنة فى 921 م حينما وصل ابن فضلان إلى بلاد البولجار من تاريخ اليوم ستحصل على رقم 1100 سنة.
فى هذه البقعة التى أخذت منها الصورة المرفقة تم تشييد أول مسجد فى هذه البلاد بعد قبول حاكم الإقليم للدين الإسلامى وفق الرسالة التى جاء بها ابن فضلان مبعوثا من الخليفة العباسى المقتدر بالله.
بالطبع المساجد الفخيمة التى تبدو فى الصورة ليست هى المساجد الأولى التى شهد ابن فضلان وضع لبناتها قبل 1100 سنة بل هذه مساجد تأسست حديثا جدا لأسباب جيوسياسية، أى أسباب جغرافية وسياسية، وسأعرضها لك فى السطور التالية كمدخل افتتاحى للموضوع الشيق.
حينما تفكك الاتحاد السوفيتى فى عام 1991 سعت جمهوريات ومناطق إدارية عديدة إلى الانفصال عن روسيا أسوة ببقية الجمهوريات التى كانت قد انضمت للاتحاد السوفيتى.
واحدة من تلك الجمهوريات (الشيشان) اختارت مسارا مسلحا انفصاليا لوقوعها على التخوم الجنوبية ولأسباب عديدة شرحناها حينما غررت بها بعض دول المركز الإسلامى والولايات المتحدة وبعض عناصر فى الداخل الروسى.
استمرت تلك الحرب عشر سنوات دامية وانتهت بإخضاع الشيشان فى حرب أكلت الأخضر واليابس.
فى تلك الأثناء كانت هناك جمهورية أخرى هى «تترستان» تطالب بالاستقلال نظرا لما لديها من مقومات قيام دولة منفصلة عن روسيا، خاصة أن هذه الجمهورية من أغنى الجمهوريات فى البلاد.
فى عهد بوريس يلتسين ثم فى عهد فلاديمير بوتين تم اللجوء إلى الخيار التفاوضى وهو أن تمنح تترستان امتيازات كبيرة من الميزانية الفدرالية شريطة أن تبقى ضمن سلطة «الاتحاد الروسى» وهو الاسم الصحيح للترجمة الخاطئة التى نقولها عن روسيا حين نسميها «روسيا الاتحادية» فالاسم الصحيح هو «الاتحاد الفدرالى الروسى».
يقوم النظام الفدرالى على منح صلاحيات عديدة للجمهوريات، فتترستان مثلا لديها رئيس للجمهورية ومجلس وزارى (التقيت مثلا مع سفير بلادنا فى موسكو فى عام 2015 مع وزير الثقافة فى هذه الجمهورية ضمن فعاليات نشاط ثقافى مشترك مع مصر، وهو وزير ثقافة للجمهورية غير وزير ثقافة عموم الاتحاد الروسى).
أى أن الجمهورية تتمتع (بشكل عام) بمزايا الحكم الفدرالى الذى يستثنى منها التمثيل الدبلوماسى الخارجى أو شئون الدفاع والجيش.
ملف تترستان شائك شائق، ويحتاج إلى مجلدات كى نوفيه حقه، لكن بخصوص الصورة المرفقة فإن ما نراه هو جزء من إعادة إحياء مدينة بولجار الإسلامية التاريخية التى كانت واحدة من أهم المراكز الحضارية فى تلك البلاد قبل 1100 سنة.
وبما أنى زرت هذه المدينة فى الصيف فقد وجدتها قبلة للسياحة الوطنية من أبناء الجمهورية الذين يشعرون بفخر دينى وقومى تجاه تاريخهم فى هذه البلاد.
البولجار فى تترستان
تجمع تترستان كما ألمحنا بين هويتين:
- هوية إسلامية اختارتها رسميا فى عام 921 مع رحلة ابن فضلان (وإن كان الإسلام قد وصل هنا قبل ابن فضلان بعدة قرون بشكل روحى وعبر التجار وليس عبر بعثات دبلوماسية)
- هوية قومية باعتبار أن لسكان الإقليم تكوينا عرقيا وقوميا مختلفا عن العرق الروسى.
لو تحدثنا بلغة المفاوضات البراجماتية فإن التدمير الذى شهدته الشيشان فى العشرية السوداء حتى عام 2000 قد انعكس على تترستان إيجابا كما انعكس على بقية الجمهوريات ذات المقومات الانفصالية.
صحيح أنه اليوم عادت جروزنى العاصمة الشيشانية إلى بنية عمرانية حديثة وعمائر عصرية إلا أن ذلك حدث بعد أن دمرت الحرب كثيرا من المقومات البشرية فى تلك الجمهورية.
تترستان لم تشهد حربا، واستفادت نسبيا من الضغط الذى سببته المشكلات الانفصالية فى الشيشان فشهدت نهضة عمرانية وتنموية، أخذا فى الاعتبار أن أبناء هذه الجمهورية يرون هذه النهضة «مستحقة» وهى جزء من إمكانات بلادهم التى يجب أن تعود عليهم.
بولجار إذن التى تظهر مساجدها فى الصورة المرفقة مدينة إسلامية أعيد ترميمها خلال العقدين الماضيين فقط.
والمساجد التى تراها فى الصورة هنا تحاكى بشكل أو بآخر مجمع تاج محل فى الهند وهو اختيار بالغ الدلالة والتوفيق.
لا أستطيع أن أقول لك إن بولجار مدينة عامرة بأرواح زمن ابن فضلان، فهى مدينة تأسست بإنفاق باذخ لاستعراض الفخر القومى والدينى والتأكيد على أن موسكو تدعم الهوية القومية والدينية لشعوب تلك الجمهورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.