يبحث فتحى عبدالوهاب دائما عن الاختلاف من أجل الوقوف على مناطق إبداعية جديدة يستطيع فيها بسط ملامح موهبته وإطلاق كامل العنان لخياله، ودائما ما تثير أدواره وأعماله ردود أفعال وأصداء واسعة باعتبارها تجارب تستحق التأمل فيما تكشف عنه وتطرحه ولبعدها عما هو سائد، وهو فى هذا الحوار يرصد تجربته مع فيلمه «عصافير النيل» الذى أفرج عنه فى دور العرض المصرية مؤخرا. أخيرا تم عرض فيلم «عصافير النيل» ترى لماذا كل هذه التأجيلات خاصة أن الجميع توقع عرضه عقب مشاركته فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى؟ لا توجد تأجيلات لكن التأخير حدث لمدة أسبوع واحد فقط لظروف خاصة بالتوزيع، أما عن سؤالك عن عرضه بعد مهرجان القاهرة مباشرة فأعتقد أنه كان من الصعب تحقيق هذا خصوصا أن الفيلم تم عرضه فى العديد من المهرجانات بعدها، وأعتقد أن الشركة العربية أدرى منا بالموعد المناسب لعرض الفيلم. أنتم تفتتحون الموسم بفيلمكم هذا وهى مغامرة وهنا مصادفة أيضا تحدث معك للمرة الثانية، حيث إن فيلم «سهر الليالى» قد افتتح موسمه أيضا، فهل تتوقع ل«عصافير النيل» النجاح نفسه؟ دعنا نتفق أن لكل فيلم ظروفه ولكل موسم قواعده، ولهذا فنحن لا نستطيع المقارنة بين الفيلمين وظروف عرضهما حتى لو افتتحا الموسم الصيفى، فالفارق بينهما 7 سنوات وهو فارق زمنى كبير والتوزيع أو السوق ظروفها اختلفت، فهناك اختلافات حتى للظروف المجتمعية والنفسية للجمهور، أما أنا فلا تعنينى فكرة سباق الصيف، وبكل صراحة أنا لا أبحث عن النجاح الفورى السريع، أنا أبحث عن سؤال واحد هل سيستمتع الجمهور أم لا. الأفلام المأخوذة عن النصوص الأدبية تضع المشاهد دوما فى حالة صراع داخلى بين ما قرأه وتخيله فى أعماقه وبين ما سيشاهده فى السينما خصوصا أن هناك مدرستين، أولاهما هى الالتزام التام بالنص، كما حدث فى «عصافير النيل»، وثانيتهما هى اتخاذه كإطار خارجى والتحرك من خلاله، كما حدث فى «الكيت كات»، فما المدرسة التى يميل إليها ويفضلها فتحى عبدالوهاب؟ لو الحكاية كما تقول لكنا استدعينا الجمهور ووزعنا عليه الرواية، وقرأها وانتهى الموضوع لكننا هنا نتحدث عن وسيط آخر وطريقة أخرى للتعبير، وهى مقارنة متعسفة فلا يجوز المقارنة بين الرواية والفيلم أنت هنا كأنك تقارن بين الكى بورد والبطيخ، لكننى أتفق معك أنه ربما تحدث هذه المقارنة فى أذهان البعض، وأؤكد أن المهم هو الحفاظ على روح ومظاهر عالم صنع الله إبراهيم، وهو ما أتمنى وأعتقد أننا حققناه فى «عصافير النيل»، كما سبق وأن حققه الأستاذ داوود عبدالسيد فى «الكيت كات». هل نحن مقبلون على حالة ثنائية سينمائية جديدة بين مجدى أحمد على وفتحى عبدالوهاب؟ أتمنى هذا بالطبع وإن كان يجب أن أوضح أن انحياز مجدى لشخصياته أكبر بكثير من انحيازه لأصدقائه أو من عمل معهم وما يجعلنى أشعر بالراحة فى أثناء عملى معه لأن هذا يعنى أن الدور خاص بفتحى. لو عقدنا مقارنة بين الشخصيتين الرئيسيتين فى فيلميكما معا فوزية فى «خلطة فوزية» وعبدالرحيم فى «عصافير النيل» يجمعهما دوما هاجس واحد هو الخوف من المدينة والبحث عن الأمان، فهل هذا الشعور يطارد فتحى نفسه؟ إنه شعور يطاردنا جميعا ليس شرطا ربطه بالانتقال من الريف للمدينة إنه شعور يرتبط بالعيش فى هذه المدن المتوحشة خصوصا لو كانت عاصمة قاسية كالقاهرة والأمان قد تبحث عنه وأنت مستقر فى بيتك وعملك لكننا هنا نبحث أحيانا عن الأمان النفسى وعبدالرحيم هنا من عادات وتقاليد وتراث، وهو هنا حاول أن يريف المدينة ونقل نفسه للمدينة وهو ما ينقصنا نحن المصريين فنحن دوما مهما بلغ تداخلنا مع المجتمع الذى نهاجر إليه فنحن . دوما نحافظ على موروثاتنا، وهى الأزمة الكبرى التى أعتقد أن القاهرة تعانى منها فى كون كل من يأتى إليها يحمل نمطه الخاص، وهو السبب فى عدم وجود هوية للقاهرة وهوله علاقة بالزحف الحادث من الأقاليم المختلفة، وكل شخص يرغب فى نقل المكان، الذى جاء منه خصوصا أن القاهرة وحش كبير لكل من يأتى من خارجها. الموت يسيطر على الفيلم طوال الوقت فهل هنا نتحداه أم نخاف منه أم ماذا؟ لو تحدثنا عن عبدالرحيم هو لا يعبأ به على الإطلاق ولم يخف منه بل هو وحتى فى لحظات مرضه الشديدة يدخل معه فى تحدٍ كبير، وهو هنا يحب الحياة وداخله دوما حلم بتحقيق طموحه وهو يحب الدنيا فمثلا فى قسوة مرضه كان كل ما يفكر فيه هو أن يرى حبيبته بسيمة جميلة كما تعود أن يراها. الفيلم أيضا به الآثار التى تنتج عن معركة الإنسان ضد مجتمعه وواقعه ومدى تأثيرها على حياتنا، فهل هو دعوة لتجاوز الخسارة التى نشعر بها دوما فى أعماقنا أم هو رثاء سينمائى لكل ما يفقده الفرد فى صراعه مع الوحش المسمى بالقاهرة؟ بالطبع هى معركة وفيها خسائر بالطبع لدى الطرف الأضعف وهو الفرد والقاهرة هنا لا تشعر بنا ولا تتأثر بصراعها معنا ولكن العجيب أننا نظل نفتقدها فحتى عندما عاد عبدالرحيم لقريته ظل ينتظر العودة للقاهرة فهى معركة أبدية لا تنتهى. الهجوم على الفيلم مستمر منذ عرضه فى مهرجان القاهرة، وبرغم عدم عرضه للجمهور العادى حتى الآن وهنا الهجوم حول مشاهد رأها البعض جريئة أكثر من اللازم؟ هذا يحدث لأن البعض يشاهد الأفلام ولديه أفكار مسبقة وتطلب دوما الفيلم الذى فى خيالك ومن إخراجك ويمكن هذا يحدث أننا ومنذ فترة طويلة تعودنا على نوعية معينة من الأفلام، فنتيجة لهذا أصبحنا نرفض الأفلام المختلفة، التى ربما قد تكون قد أزعجتنا مع أنك لو أطلقت لنفسك العنان مع ما تشاهده فستستمتع أكثر، لكن فى سياق ما شاهدته لا سياق المفترض أن تشاهده فيه. هل يعتبر فتحى أن السينما تصالحه هذه الأيام؟ هذا الموضوع لا علاقة لى به بقدر علاقة السينما بالمناخ السائد العام وأنها تفتح ذراعيها للمواضيع الكثيرة، التى تعودنا عليها وهو مرتبط بوجود نمط واحد تعودنا عليه، وهو ما يثير الانزعاج لدى البعض، خصوصا أن هذه التجارب كثيرا ما تحقق نجاحا نقديا وجماهيريا، وهو موجود منذ تجربة «فيلم ثقافى» وللعلم الاختلاف وتقبل الآخرين والتسامح هو ما يجعل مصر تعيش طوال هذه السنوات، وكما عودنا المشاهد على نوعية واحدة فقط نحاول الآن أن نجعله يتقبل كل الأنواع.