«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى الذكرى ال42 لتحرير سيناء.. الطريق لاسترداد طابا محفوف بجهود دبلوماسية شاقة (2-3)
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 04 - 2024

«الطريق لاسترداد طابا رحلة شاقة من العمل الدبلوماسى والقانونى، استغرقت نحو7 سنوات، بدأت فى 25 أبريل 1982، مع رفع العلم المصرى على حدود مصر الشرقية عقب الانسحاب الإسرائيلى، وانتهت فى 15 مارس 1989، بعودة جزء عزيز من أرض سيناء إلى حضن مصر عقب معركة التحكيم الدولى، بفضل جهود كوكبة من الخبراء ورجال القانون والدبلوماسية والتاريخ المصريين الذين شكلوا اللجنة القومية لاسترداد طابا.. وفى هذا الكتاب الصادر عن دار الشروق «طابا.. كامب ديڤيد.. الجدار العازل.. صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» يقدم الدكتور نبيل العربى وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية السابق، سجلا لمجريات ملف المفاوضات المصرية الإسرائيلية لاسترجاع طابا بوصفه رئيس الوفد المصرى فى تلك المفاوضات».
مفاوضات مصرية إسرائيلية مضنية بين جنيڤ وكامب ديڤيد
نبيل العربى: تابعت زيارة السادات إلى القدس فى ذهول من هول المفاجأة
كيسنجر يقوم برحلات مكوكية بين القاهرة وتل أبيب بعد حرب 6 أكتوبر ويقول: «اللى فات مات»
السادات يتجاوز نصائح مساعديه ويراهن على كلمة كارتر «أقوى رجل فى العالم»
عرضت على السادات ملاحظات مهمة على الورقة الأمريكية فى كامب ديڤيد فقال لى: أنت مش رجل دولة
محمد إبراهيم كامل يستقيل من منصب وزير الخارجية على درب إسماعيل فهمى
السادات يتهم هيكل بالسعى للانقلاب ضده بالمراسلين الأجانب ويحمل العربى رسالة تحوى تهديدا سافرا للأستاذ
عصمت عبد المجيد يترأس الوفد المصرى فى مباحثات مينا هاوس والعقبات الإسرائيلية تقود إلى فشلها
فرق كبير بين الوضع الفوضوى وانهيار المعنويات الذى صاحب هزيمة 5 يونيو 1967، وحالة الفرح والفخر التى انتابت المصريين بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973 بتوقيت القاهرة، وصباح اليوم نفسه فى نيويورك حيث كان الدكتور نبيل العربى يتولى رئاسة قسم القانون الدولى فى معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث منذ مايو 1973.
وفى كتابه يروى الدكتور نبيل العربى جانبا من التداعيات السياسية لنصر أكتوبر وما دار فى كواليس الأمم المتحدة والبعثة المصرية فى نيويورك قبل الانتقال إلى المؤتمر الدولى الذى عقد فى جنيڤ 19 ديسمبر 1973 تحت إشراف الولايات المتحدة والاتحاد السوڤيتى وبرئاسة الأمين العام للامم المتحدة كورت ڤالدهايم فى ذلك الوقت، ويقول: نعلم جميعا ما دار فى الحرب خاصة فى الأيام الأولى من إنجازات عسكرية ضخمة، لكن الذى يهمنى أن أسجله هنا أنه فى أثناء الزيارة الخاطفة لموسكو تفاوض هنرى كيسنجر( وزير الخارجية الأمريكى) مع الزعيم السوڤيتى ليونيد برجنيڤ ومع القيادة السوڤيتية على صياغة مشروع قرار لوقف الحرب الذى صدر يوم 22 أكتوبر وكان برقم 338.
فى هذه الأجواء طلب إسماعيل فهمى (وزير الخارجية) من الدكتور نبيل العربى ترك عمله فى الأمم المتحدة وأن يسافر إلى جنيڤ ليكون مستشارًا للوفد المصرى فى مؤتمر السلام الذى نص مجلس الأمن على انعقاده فى ديسمبر 1973 بناء على القرار رقم 338، وهو أول اجتماع على مستوى وزراء الخارجية يجمع وزيرا خارجية مصر، وإسرائيل، كما شارك كيسنجر عن الولايات المتحدة وأندريه جروميكو عن الاتحاد السوڤيتى.
انعقد مؤتمر السلام فى الشرق الأوسط فى قاعة المجلس بمقر الأمم المتحدة تحت رئاسة ڤالدهايم يوم 19 ديسمبر 1973 وألقى رؤساء الوفود كلمات تعكس الاهتمام بتحقيق سلام فى المنطقة. واستخدم كيسنجر كلمة باللغة العربية بأن قال «اللى فات مات» وطالب الجميع بالنظر إلى المستقبل وليس إلى الماضى. وبالفعل تحدثت الوفود حول ضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. أما وزير خارجية إسرائيل أبا إيبان فقد ألقى كلمة بليغة كعادته دون أن يقدم أية تنازلات محددة.
ونجح كيسنجر فى أن يتقرر البدء بالجبهة المصرية عن طريق إنشاء لجنة عسكرية تجتمع فى جنيڤ لبحث الموقف فى سيناء.
وبعد أن انفض المؤتمر استدعانى إسماعيل فهمى قبل أن يغادر جنيڤ إلى حجرته وطلب منى أن أبقى كمستشار مع الوفد العسكرى.
غلاف كتاب «طابا.. كامب ديڤيد.. الجدار العازل.. صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية»
فض الاشتباك الأول
فى الأول من يناير 1974 اجتمعت مجموعة العمل العسكرية فى قصر الأمم المتحدة فى جنيڤ، وكان الوفد الإسرائيلى برئاسة موردخاى جور (أصبح فيما بعد رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلى، ووزيرا للصحة). وكان الوفد المصرى برئاسة اللواء طه المجدوب، وهو ضابط على قدر كبير جدا من الكفاءة، قارئ مطلع، وكان يساعده عقيد أصبح فيما بعد عميدا هو فؤاد هويدى من المخابرات الحربية، وكان أيضًا على قدر كبير جدا من الكفاءة، ومطلعًا وعنده حاسة سياسية عالية، وقد سعدت بالعمل معهما.
وبعد أسبوع من المفاوضات المضنية أرسلنا برقية مشتركة إلى وزيرى الخارجية والدفاع نطالبهما بعدم قبول النصوص الأخيرة التى سُلمت إلينا، وضرورة إدخال تعديلات جوهرية عليها، لأنها تحوى أمورا فنية عسكرية من المفروض أننا نسعى لتحسينها وتطويرها، ثم فوجئنا بأن الرئيس السادات اجتمع فى أسوان مع كيسنجر فى 18 يناير 1974، ووقع نفس النص الذى تحفظ عليه الوفد المصرى فى اجتماعات جنيڤ.
فض الاشتباك الثانى
فى خلال أغسطس 1975، قام كيسنجر برحلات مكوكية بين القاهرة وتل أبيب بغية الحصول على موافقة مصر وإسرائيل على فض اشتباك ثان تنسحب بمقتضاه إسرائيل من جزء آخر من سيناء «آبار البترول». وقد تردد أن «كيسنجر» حصل على موافقة الرئيس السادات فى الاجتماع الذى تم على شاطئ المعمورة بالإسكندرية دون دراسة كافية لأحكام الاتفاقية على أساس أن جميع التفاصيل سوف تدرس فى جنيڤ.
وفى نهاية أغسطس 1975 استدعانى إسماعيل فهمى إلى كابينة فى شاطئ المنتزه، وطلب أن أسافر فورا إلى جنيڤ برفقة وفد عسكرى برئاسة اللواء المجدوب والعميد فؤاد هويدى لبدء محادثات مع إسرائيل.
بدأت المفاوضات يوم 5 سبتمبر 1975 تحت رئاسة الجنرال الفنلندى سيلا سڤيو ممثلا للأمم المتحدة وهو نفس الأسلوب الذى اتبع فى فض الاشتباك الأول مع مصر فى يناير 1974 وفى فض الاشتباك الذى تم بين سوريا وإسرائيل.
ومنذ البداية شعرنا أن المهمة التى ألقيت على كاهلنا تحتاج إلى وقت أطول من فترة الأسبوعين التى نُص عليها فى الاتفاق الذى نجح كيسنجر فى الحصول على موافقة الرئيس السادات ورابين عليه.
مقدمات كامب ديڤيد
ينتقل الدكتور نبيل العربى بعد ذلك للحديث عن مفاوضات كامب ديڤيد وما سبقها من تمهيد بزيارة الرئيس السادات للقدس ومباحثات مينا هاوس، مشيرا إلى أنه عندما زار الرئيس السادات القدس فى 19 نوفمبر 1977، كان يشارك فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك بوصفه مديرا للإدارة القانونية والمعاهدات، وتابعت مشاهد الزيارة على شاشات التليفزيون فى منزل السفير محمود أبو النصر الذى كان معارا كمندوب دائم لسلطنة عمان وأنا فى حالة ذهول شديد من هول المفاجأة. وتصورت وقتئذ أنه لا بد أن مصر قد حصلت عن طريق الولايات المتحدة على تعهدات إسرائيلية واضحة بالانسحاب وتنفيذ القرار 242.
ولكن عندما أعلن فى وسائل الإعلام أن الوزير إسماعيل فهمى قد استقال، وأعقب ذلك الإعلان أن وزير الدولة محمد رياض قد تقدم كذلك باستقالته، تأكدت أن الأمور لا تسير فى الطريق الصح، لأن إسماعيل فهمى ومحمد رياض يعتبران من أبرز أعلام الدبلوماسية المصرية. وقد سعدت بالعمل مع كل منهما لسنوات طويلة .
فى اليوم التالى لعودة الرئيس السادات إلى القاهرة تلقيت مكالمة تليفونية من السفير علاء خيرت مدير مكتب الدكتور بطرس غالى يخطرنى فيها أن وزير الدولة يرغب فى سفرى من نيويورك فورا إلى القاهرة.
وبالفعل سافرت فى نفس اليوم وذهبت بمجرد وصولى إلى القاهرة لمقابلة الدكتور بطرس غالى الذى قال: «إننى من القلائل الذين يعرفهم فى الوزارة، وإننى شاركت فى موضوعات النزاع العربى الإسرائيلى، وأنه يرغب أن يشركنى معه فى هذه الموضوعات. وأضاف بأنه قد تقرر عقد اجتماع فى فندق مينا هاوس خلال أسابيع، وهو يرغب أن يشكل مجموعة صغيرة تبدأ فى الإعداد للاجتماع».
ولأن الاجتماع لن يكون على مستوى وزارى، فقد طلب الرئيس السادات من الدكتور بطرس غالى اختيار سفير من الخارجية له خلفية قانونية ليرأس الوفد المصرى وبعد اقتراح عدة أسماء اعتذر بعضها عرض الدكتور بطرس غالى اسم الدكتور عصمت عبد المجيد على الرئيس السادات، وتمت الموافقة على أن يتولى الدكتور عبد المجيد رئاسة الوفد المصرى فى محادثات مينا هاوس فى ديسمبر 1977 وتم استدعاؤه من نيويورك لرئاسة الوفد.
وفى أثناء اجتماعات مينا هاوس تم تعيين السفير محمد إبراهيم كامل سفير مصر فى ألمانيا وزيرا للخارجية مع استمرار الدكتور بطرس غالى وزيرا للدولة للشئون الخارجية.
ومنذ البداية تعثرت المحادثات، وتقرر تأجيل الاجتماعات ليتمكن كل وفد من التشاور مع رئاسته. وفجأة أذيع أن رئيس وزراء إسرائيل (مناحم بيجين) سوف يصل إلى الإسماعيلية، ويجرى محادثات مع الرئيس السادات، لكن الاجتماع لم يسفر عن إحراز أى تقدم حقيقى، وإن كان قد اتفق على تحرك إجرائى بأن تقرر إنشاء لجنتين إحداهما لجنة عسكرية تجتمع فى القدس ولجنة سياسية تجتمع فى القاهرة.
ومع توالى العقبات أمام الاجتماعات المصرية الإسرائيلية وجه الرئيس الأمريكى جيمى كارتر دعوة لمصر وإسرائيل لمؤتمر يعقد فى كامب ديڤيد، فى الفترة من 4 الى 17 سبتمبر 1987 بهدف التغلب على العقبات التى منعت التقاء وجهات النظر بين الوفدين.
واجتمع أعضاء الوفد مع وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل عدة مرات لإعداد الموقف المصرى الذى سوف يطرح فى كامب ديڤيد.
تشكل الوفد المرافق للرئيس السادات من حسن التهامى الذى كان يعمل فى رئاسة الجمهورية بدرجة نائب رئيس وزراء، وبذلك كان الرجل الثانى فى الوفد ووزير الخارجية محمد إبراهيم كامل، ووزير الدولة بطرس غالى، وأسامة الباز، وعبد الرءوف الريدى، وأحمد ماهر السيد، وأنا، وأحمد أبو الغيط بوصفه سكرتيرًا لوزير الخارجية. وانضم إلى الوفد الدكتور أشرف غربال سفير مصر فى واشنطن.
سافر الوفد بالطائرة الرئاسية إلى باريس ومنها إلى واشنطن «ثم نُقلنا بواسطة طائرة هليوكوبتر إلى كامب ديڤيد، حيث كان الرئيس كارتر قد رتب حرس شرف للرئيس السادات، وتم توزيعنا على أكواخ متناثرة».
كانت إقامة الرئيس السادات فى كوخ كبير، وأقام حسن التهامى فى كوخ وحده، ونزل محمد إبراهيم كامل وبطرس غالى فى كوخ معًا. ونزلت فى كوخ واحد مع أسامة الباز وعبد الرءوف الريدى وأحمد ماهر وأحمد أبو الغيط.
فى الأيام الأولى من وصولنا إلى كامب ديڤيد أقام الرئيس كارتر حفل استقبال على شرف الرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى بيجين.
وفى أثناء الحفل وجدت الرئيس السادات واقفًا وحده فذهبت إليه واستفسرت منه عن مدى التقدم الذى أُحرز فى اجتماعات الرؤساء التى يدعو إليها الرئيس كارتر. وكان الرئيس السادات متفائلًا للغاية وذكر أن الحجج التى يتقدم بها بيجين واهية وغير مقنعة وأنه قد نجح فى دحضها تمامًا، واستخدم عبارة «إنه قلب المائدة عليه» ويعتقد أنه قد كسب الرئيس كارتر إلى موقفه.
بيجن يستقبل الرئيس المصري أنور السادات في مطار بن غوريون في 19 نوفمبر 1997
أسلوب عمل
كانت الترتيبات التى وضعتها الولايات المتحدة هى أن يتم التفاوض مع كل وفد على حدة، بحيث لا يجتمع الوفد المصرى مع الوفد الإسرائيلى منعًا للمساجلات والمزايدات من وجهة نظر الولايات المتحدة التى أعاقت التوصل إلى اتفاق فى الاجتماعات الوزارية السابقة التى استغرقت الفترة من يناير إلى سبتمبر 1978.
أما الرئيسان، فكان الرئيس كارتر يجتمع بكل منهما على حدة، وأحيانًا يجمعهما معًا. أما المفاوضات فقد كانت تعقد فى كوخ كبير ويرأس كل جانب فيها وزير الخارجية، فكان سايروس ڤانس يرأس الوفد الأمريكى، ومحمد إبراهيم كامل يرأس الوفد المصرى، ثم يجتمع بعد ذلك ڤانس مع الوفد الإسرائيلى برئاسة موشى ديان.
بعد انتهاء الأسبوع الأول من المباحثات دون إحراز أى تقدم بسبب ما اعتبره الأمريكيون تشددًا من الجانبين، وبالذات من الوفد المصرى، قرر الرئيس كارتر تجاهل الوفود، وأن يدير التفاوض شخصيًّا مع الرئيسين، على أن يرافق كل منهما شخص واحد. واصطحب الرئيس السادات معه أسامة الباز، واصطحب بيجين معه أهارون باراك، المستشار القانونى للحكومة الإسرائيلية.
اليوم الأخير.
من وجهة نظرى تبدأ أحداث اليوم الأخير الموافق الأحد 17 سبتمبر بتلقى الوفد المصرى عدة أوراق أمريكية تحوى إطارًا للسلام فى الشرق الأوسط وإطار اتفاق لمعاهدة سلام بين مصر وإسرائيل، ثم مشروع خطابات يتم تبادلها بين الرئيس السادات والرئيس كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلى حول القدس والمستوطنات وحول الضفة الغربية وغزة.
وعلى الرغم من أن المطلب المصرى الرئيسى الذى لا يمكن قبول التنازل عنه أو المساس به الخاص بالانسحاب من جميع الأراضى المصرية إلى حدود مصر الدولية كان منصوصا عليه بوضوح تام، فإنه كانت هناك نقاط عديدة أعربت مصر عدة مرات عن معارضتها لها.
كان الوفد المصرى قد تلقى قبل خمسة أو ستة أيام ورقة أمريكية. وعقد الوزير محمد إبراهيم كامل اجتماعا شارك فيه جميع أعضاء الوفد، وأبديت آراء مختلفة حول هذه الورقة. وفى نهاية الاجتماع طلب منى الوزير محمد إبراهيم كامل تلخيص الاعتراضات السبعة الرئيسية التى توصلنا إليها كتابة لعرضها على الرئيس السادات. وطلب من السفير أسامة الباز ومنى الذهاب معه لمقابلة الرئيس، وعرض هذه الاعتراضات عليه.
استمع الرئيس السادات بإمعان ثم وجه كلامه إلى وزير الخارجية قائلا: «هذا كل ما لديكم يا محمد؟ لقد فاتتكم أهم نقطة، وأشار إلى أن الورقة الأمريكية تنص على أن يكون الانسحاب المرحلى الإسرائيلى إلى نقطة بالقرب من العريش دون تحديد موقعها بالضبط، وطلب ضرورة تحديد النقطة بدقة ثم نظر إلىّ وطلب منى إضافة هذه النقطة إلى الورقة التى قرأت منها وإعادة كتابة النقاط الثمانى بمعنى أنه وافق على جميع الاعتراضات التى قدمت إليه وإعداد رسالة بالإنجليزية توجه من الرئيس السادات إلى وزير الخارجية «ڤانس» وأن أذهب وأسلمها إلى «ڤانس» ولم يطلب الرئيس السادات إعادة عرض الرسالة عليه. وقمت بالفعل بهذه المهمة بناء على تعليمات الرئيس السادات.
وأخذًا فى الاعتبار لهذه الخلفية جاء نص الأوراق الأمريكية بمثابة مفاجأة تامة للوفد المصرى، لأنها تحوى أمورًا سبق أن رفضها الرئيس السادات. وبعد قراءة متأنية وتبادل وجهات النظر مع باقى أعضاء الوفد كان واضحا أنه يلزم إدخال بعض التعديلات على الورقة الأمريكية .
وبعد مزيد من القراءة والتشاور وفى ضوء مسئولياتى كمدير للإدارة القانونية والمعاهدات فى وزارة الخارجية كان لا بد فى هذه المرحلة من التركيز على الجوهر وترك التفاصيل، وكانت هناك ثلاثة موضوعات اعتبرتها أساسية وحيوية.
وملخص هذه الموضوعات كما جاء فى الكتاب تتعلق بانسحاب إسرائيل من سيناء والشق الخاص بالفلسطينيين، ومشكلة القدس.
افتتاح مؤتمر السلام في الشرق الأوسط 21 ديسمبر 1973

استقالة وزير
ذهبت بعد ذلك لمقابلة وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل واقترحت عليه الذهاب إلى الرئيس السادات وعرض الموضوعات الثلاثة السابق الإشارة إليها. وبعد أن أبدى وزير الخارجية اقتناعه التام بأهمية عرض هذه الموضوعات على رئيس الجمهورية أشار إلى أنه فى حالة حرج شديد وأنه لا يستطيع القيام بهذه المهمة. ولم يذكر وزير الخارجية فى حديثه معى أنه اختلف مع الرئيس السادات، وأنه قد قدم استقالته فى اليوم السابق.
ولما ألححت على الوزير بضرورة عرض هذه الموضوعات على الرئيس السادات، وأشرت إلى أننى أعتبر أنه بحكم منصبى كمستشار قانونى لوزارة الخارجية، فإننى مسئول عن أى اتفاقيات تبرمها مصر، وأستأذنه فى أن أحاول مقابلة رئيس الجمهورية، وسوف أطلب من باقى أعضاء الوفد الذهاب معى، فشجعنى على ذلك.
وبعد اعتذار اعضاء الوفد الآخرين ذهب الدكتور العربى بمفرده للقاء السادات فى الكوخ الذى كان يقيم فيه وعندما استفسر الرئيس السادات عما يرد ذكر له أن هناك موضوعا هاما يرجو أن يسمح له بعرضه عليه بعد أن تسلمنا الورقة الأمريكية.
وأضاف «سأحاول الآن نقل ما دار من حديث بأمانة تامة وموضوعية كاملة طبقا لذاكرتى وما لدىّ من أوراق قليلة سطرتها فى حينه. ما حدث هو أنه بعد أن عرضت الأمور الثلاثة السابق الإشارة إليها بإسهاب، أنهيت حديثى بالتركيز على ما يلى:
1 بالنسبة للشق المصرى من الاتفاقيات لرئيس الجمهورية، كامل الصلاحية للتوقيع، ولكنى أقترح التوقيع بالأحرف الأولى فقط فى الوقت الحالى حتى نتحقق من أن إسرائيل سوف توافق على الانسحاب من المستوطنات التى أقامتها فى سيناء.
2 بالنسبة للشق الفلسطينى، فإن مصر لا تملك صلاحية التعهد باسم الفلسطينيين أو باسم الأردن ويجدر التشاور معهم قبل الإقدام على أية خطوة، لأن سقف الإطار الفلسطينى أقل مما يطالب به الفلسطينيون وفيه إجحاف بَيِّن لحقوقهم.
3 أن الخطابات المقترح تبادلها حول القدس سوف تؤدى إلى اهتزاز الموقف الأمريكى لصالح إسرائيل ومن ثم لا جدوى من تبادلها ومن الأفضل عدم التعرض لموضوع القدس ما دام الخطاب المقترح على هذا النحو.
زعماء كامب ديفيد في منتجع ثورمونت

الغابة والأشجار
استمع الرئيس السادات إلىّ بإمعان ولم يقاطعنى، ثم صمت لفترة ونظر إلىّ وقال: «أنت لست رجل دولة، فأجبته بأننى سمحت لنفسى بالحديث بوصفى فنيا (technician) مسئولا عن الجوانب القانونية، ولا أعتبر أن مسئوليتى تتعدى منصبى كمدير للإدارة القانونية فى وزارة الخارجية.
صمت الرئيس السادات لعدة دقائق ثم قال: «إن كل موظفى وزارة الخارجية لا يفهمون سياسته، وإنهم ينظرون فقط إلى الأشجار ولا يرون الغابة بجميع أطرافها وإنهم بما فى ذلك وزير الخارجية لا يعون قدر التعهدات التى قدمها الرئيس كارتر، أقوى رجل فى العالم».
وعلى الرغم من الصياغات والتفصيلات التى أبديت اعتراضات بشأنها، فإن المهم فى نظره هو تأييد الولايات المتحدة، وفى تقديره فإن هذا التأييد قد أصبح فى حكم المؤكد بعد تعهدات كارتر. وقد كرر الرئيس السادات الإشارة إلى تعهدات «كارتر» عدة مرات دون أن يفصح عن فحوى ومضمون هذه التعهدات.
وكان الرئيس السادات هادئا ولم ينفجر غاضبًا أو يثُر أو يرفع صوته طوال هذا الحديث كما نشرت بعض الصحف وكما جاء فى كتاب محمد إبراهيم كامل، ولكنه صمت لفترة طويلة نسبيا حاولت خلالها أن أستأذن فى الانصراف، ولكنه رفض وأبقانى معه. ثم فجأة نظر إلىّ والغضب والشرر الشديد يتطايران من عينيه وقال: «عديلك يقصد الأستاذ محمد حسنين هيكل عاوز يعمل انقلاب ضدى». فأجبت بأن ذلك مستحيل، لأنه لا علاقة للأستاذ هيكل بالقوات المسلحة. فضحك الرئيس السادات بصوت عال جدا وقال: «لا مش عن طريق الجيش بل عن طريق المراسلين الأجانب». وكررها عدة مرات ثم توقف ونظر إلىّ مرة أخرى بغضب شديد، وحملنى رسالة تحوى تهديدًا سافرًا إلى الأستاذ هيكل لا أسمح لنفسى على الرغم من مرور هذه السنوات بالإفصاح عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.