كان تصور الرئيس الأمريكى كارتر أنه ما إن يجمع السادات ومناحم بيجين فى كامب ديفيد بعيدا عن الإعلام ويواجههما سويا، حتى ينتهى اللقاء إلى اتفاق بينهما ينهى الأزمة المعقدة ويجنى السادات ثمار مبادرته التى جعلته يتحدى المألوف ويذهب إلى إسرائيل. إلا أن الوضع كان على العكس يزداد تعقيدا كل يوم، بحيث قرر كارتر ألا يجمع بين الرئيسين فى لقاء واحد، وأن يبقى كل رئيس فى «كوخه»، وأن يقوم كارتر بجولة مكوكية بينهما لتبادل الأفكار ومحاولة التوصل إلى صياغة تلقى قبولهما. وكان أسامة الباز يحضر اجتماع كارتر مع الرئيس السادات لتسجيل ما يدور، إلا أن هذه الطريقة لم تحقق أى نجاح وبدا أن الأيام تجرى ورئيس الدولة الأعظم الذى عزل نفسه عن العالم سيواجه شعبه بالفشل. ثم بعد ذلك طلب كارتر أن يقوم كل رئيس (السادات وبيجين) بتخصيص ممثل لهما يجتمع بهما كارتر ويتبادل معهما الآراء وصياغات ما يمكن التوصل إليه من اتفاقيات. ويحكى عبد الرؤوف الريدى فى كتابه «رحلة عمر»: كان فى كامب ديفيد مطعم نتناول فيه الوجبات، وكثيرا ما كنا نلتقى هناك بالوفد الإسرائيلى وكل طرف يحيى الطرف الآخر بأدب فاقد للحرارة. وكان بيجين يحضر محاطا بأعضاء الوفد الإسرائيلى وهو يرتدى لباسه بشكل رسمى: البدلة ورباط العنق، بينما مرافقوه يرتدون ثيابا بسيطة. ولم يكن الرئيس السادات يحضر إلى المطعم، وذلك لأنه كان له نظام خاص فى الطعام، حيث لا يتناول بعد الإفطار إلا وجبة واحدة فى المساء يتناولها داخل كابينته. ويضيف عبد الرؤوف الريدى: باستثناء الأيام التى كنا نلتقى فيها مع الجانب الأمريكى كنا نشعر بأننا مغيبون عن حركة المفاوضات التى تجرى. وكان أسامة الباز (كان الريدى يشاركه غرفة النوم) هو وحده المشارك الحقيقى فى المفاوضات، سواء فيما يعده من أوراق عمل يطلبها منه الرئيس السادات، أو النقاش الذى يجريه معه الرئيس كارتر الذى عرف منذ البداية أن أسامة هو الذى يقوم بالدور الأكبر فى إعداد وصياغة الأوراق والمشروعات التى يتقدم بها الرئيس السادات.. وقد كان يعز علينا أن نرى الوفد الإسرائيلى يجتمع باستمرار مع رئيس الوزراء بيجين، وكذلك الحال فى الوفد الأمريكى، بينما نحن لا نعرف مما يجرى شيئا إلا ما يخبرنا به أسامة أو نعرفه من خلال أحاديث جانبية مع أعضاء الوفد الأمريكى. ويقول أشرف غربال، سفير مصر فى واشنطن، وعضو الوفد (كتاب صعود وانهيار علاقات مصر وأمريكا): كان عيزرا وايزمان من أكثر أعضاء الوفد الإسرائيلى توددا للرئيس السادات، وكان يناديه بكلمة «ياريس» بالعربية. وفى أحد لقاءاتهما اقترح وايزمان على الرئيس أن يجتمع بموشى ديان، وزير الخارجية، باعتبار أن وضعه قوى فى الحكومة ولدى الرأى العام الإسرائيلى. واستجاب السادات للاقتراح ودعا ديان لمقابلته، وبعد انتهاء الاجتماع نقل السادات إلى أسامة الباز الذى نقل إلى باقى أعضاء الوفد ما دار بين السادات وديان. إلا أنه فى صباح اليوم التالى- يحكى أشرف غربال (ص141 من كتابه)- استدعاه الرئيس السادات. «وأبلغنى الرئيس السادات بأنه قرر إنهاء المفاوضات، وقال- وكان فى حالة ضيق شديدة- إنه سيتوجه إلى واشنطن ويجتمع بأعضاء الكونجرس نوابا وشيوخا ويعقد مؤتمرا صحفيا يشرح فيه ما جرى وما انتهت إليه المفاوضات. وطلب منى أن أجهز لحملة إعلامية لشرح وجهة نظر مصر وتعنت إسرائيل البالغ». وتم إبلاغ سيروس فانس قرار الرئيس السادات بوقف المفاوضات، مضيفا إلى ذلك طلب إعداد طائرة هليكوبتر لنقل السادات والوفد المصرى لواشنطن، فلم يعد لاستمرار كامب ديفيد كما أعلن السادات أى فائدة!.
