«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادة بطرس غالى على «كامب ديفيد»: السادات ديكتاتور متصلب الرأى ومراوغ

السادات كان فى مفاوضات كامب ديفيد «مراوغًا» لكنه راوغ الوفد المصرى أكثر من الإسرائيليين، وكان «ديكتاتورًا» لا يرجع إلى مستشاريه قبل اتخاذ القرار، وكان متصلب الرأى ولا يهتم بالتفاصيل.. هذا ما يقوله الدكتور بطرس غالى «ضمنيًا» فى شهادة مهمة عن مفاوضات السلام فى المنتجع الأمريكى كامب ديفيد عام 1977.

يرضى د. بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة فى الفترة ما بين عامى 1991 و1996 رافضى اتفاقية كامب ديفيد ببحثه وكشفه عن كواليس الاتفاقية عام 1977، حينما كان وقتها وزيرا لخارجية الرئيس الراحل أنور السادات( -1977 1991).
غالى كشف فى كتابه «طريق مصر إلى القدس» والمترجم إلى الإنجليزية ومن إصدار «الأهرام» الكواليس الحقيقية للاتفاقية بعدما أخفاها خوفا من الرفض أو الاستنكار من قبل السادات وقتها، وفى كتاب من القطع المتوسط انتقد الكاتب عدة جوانب من المفاوضات التى كان بطلها السادات وقعت بالتدريج فى كتابه بداية من (مناوشات فى العالم الثالث، أصدقاء على الطريق، الخرطوم - بلغراد روما، كامب ديفيد، كامب ماديسون، وقفة على الطريق، المعاهدة، صراعات فى منروفيا وهافانا، جدل مع الإسرائيليين، نهاية قصة بطولة).
ويبدو أن غالى كان مدفوعا من الرفض الشعبى العام لكامب ديفيد فعارضها وأبرز ذلك وبدا جليا ثم عاد بعد عشرين عاما ليتراجع عن أقواله فيها وفى حوار له مع الكاتب والإعلامى أحمد منصور ببرنامج شاهد على العصر قال غالى إن كتابه كان بين عامى 1977 و1981 وأن انطباعاته وقتها كانت من حس وطني، وبعدما هاجم السادات بشدة منذ عشرين عاما، قرر فى حواره تغيير آرائه لتكون مدافعة عن السادات ليعيد طبع كتابه.
وأضاف غالى فى كتابه: «فيما كنت أستقل سيارتى عائداً إلى بيتى رحت أفكر بأن مصر قد ضحت بما فيه الكفاية من حياة أبنائها وأموالها من أجل العرب والفلسطينيين. وقد حان الوقت لأن تفكر مصر فى نفسها، وأن التزام السادات بمصر أولاً له ما يبرره وكنت على اقتناع تام بأن الرافضين مصريون أو غير مصريين سيدركون عاجلاً أو آجلاً أن مصر كانت على حق، وأن الطريق الوحيد الذى ينبغى انتهاجه هو طريق الحوار والمفاوضات مع الإسرائيليين».
تقرير غالى تم إيداعه فى مؤسسة هوفر بجامعة ستانفرد، ويعتبر أول تقرير مصرى كامل عن خبايا وأسرار ما جرى فى «كامب ديفيد» والكتاب كما قال الرئيس الأمريكى الأسبق كارتر «وصف للمؤامرات والمناورات التى جرت وراء الستار» ويحكى كيف تصدى الوفد المصرى أو «عصابة وزارة الخارجية» كما أطلق عليهم الإسرائيليون لإحباط مخطط إسرائيل ويبين الخلافات العنيفة التى ثارت بين الرئيس أنور السادات ووفده والتناقضات بين الوفد الإسرائيلى وصراعاته الداخلية.
12 يوما قضاها الوفد المصرى والإسرائيلى يتفاوضان برعاية الرئيس الأمريكى جيمى كارتر إلى أن خرج الطرفان باتفاقية كامب ديفيد والتى وقع عليها السادات وبيجن فى 17 سبتمبر 1978 فى المنتجع الرئاسى كامب ديفيد فى ولاية ميريلاند القريبة من واشنطن.
زيارة السادات لإسرائيل لم تؤت ثمارها المنشودة وبدت تقلص الآمال فى التقارب السياسى والدبلوماسى بينما أحبطت الجانب الإسرائيلى كلمة السادات الأشبه بالمحاضرة فجاءت أيضا كلمة بيجن كلمة مرتجلة جافة أشبه بالمهاترة صدمت وأحبطت المصريين.
كما قال غالى الذى كشفه فى الفصل الأول أنه تفاجأ بخطاب السادات عن نيته لزيارة القدس وقال «كان أول من انفجر بالتصفيق على خطاب السادات الشهير وقتها الرئيس ياسر عرفات ولم يكن عرفات ولا أنا ولا زملائى نتفهم تداعيات ما قاله وفهم معظمنا كلامه أنه تعبير منه على استعداده لبذل أقصى جهد ممكن لتحقيق السلام، بمجرد انتهاء الكلمة اشتركت مع عدد من الوزراء فى مناقشة ما قاله الرئيس وبدأ ينتشر الشعور أن ما اعتبرناه مجرد عبارات خطابية إنما يعنى فى الواقع أن الرئيس السادات ربما يعتزم فعلا زيارة إسرائيل ولم أوافق على ذلك التفسير وكان فى اعتقادى أن الرئيس أحرز كسبا دعائيا ولكن الحديث كان عن عزمه الذهاب إلى إسرائيل لا أساس له من الواقع».
وأضاف: «عرفت بعد ذلك أن الرئيس السادات قبل أن يلقى كلمته كان قد كشف لبعض مساعديه المقربين عن أنه يفكر فى إعلان عزمه على الذهاب إلى القدس كوسيلة للتغلب على المأزق الدبلوماسي، لكن مساعديه عارضوا ذلك بشدة وأعد السادات كلمة لم تتضمن أية إشارة إلى القدس وكان قد أعطاهم انطباعا أنه قبل وجهة نظرهم لكن مع بداية الكلمة خرج فجأة عن الكلمة المكتوبة وأعرب عن ذهابه إلى إسرائيل وأصاب مساعديه بالدهشة والفزع».
كما صور بطرس فى الفصل الأول من كتابه كيف تم اختياره وزيرا للخارجية وكيف اختاره السادات ليكون مهندسا لهذه الصفقة ومهندسا لإرساء قواعد الاستقرار المصرى - الإسرائيلى والتطبيع ويصف غالى أدوار بعض القيادات بالتفصيل فى تعزيز أو إعاقة، تلك العملية ودور نائب الرئيس - وقتها حسنى مبارك وحسين سالم وكذلك المهام التى تولاها حيث بدا له فى بداية عمله أنه بلا مهام محددة أو مكتب له برئاسة الوزراء.
كما يناقش بطرس غالى أيضا اتفاقية كامب ديفيد والمساعى والمفاوضات المصرية لكسب تأييد العالم العربى وبدت له المفاوضات ستكون طويلة ومرهقة وشاقة مع الجانب الإسرائيلى وظهر موقف المفاوض المصرى ضعيفا وكان موقف إسرائيل فى التفاوض قويا ويغوص فى تفاصيل شخصية السادات من خلال اجتماعه مع بيجن فى الإسماعيلية فى ديسمبر عام 1977 لوضع إستراتيجية السلم مع إسرائيل بعد زيارة السادات الشهيرة للقدس فى نوفمبر من نفس العام واستشف أنه قليل الصبر ويناور ليس فقط الجانب الإسرائيلى بل الموظفين المصريين العاملين معه.
وقال غالى فى كتابه عن هذه الزيارة: أنه شعر بالقلق بعدما خرج بيجن من الاجتماع مرتاح البال واكتشف بعدها أن السادات وبيجن اتفقا على مباحثات بين مصر وإسرائيل يحضرها وزيرا الدفاع والخارجية للطرفين، وقال «كشف لى اجتماع الإسماعيلية جوانب متعددة من شخصية السادات، كتبت فى مفكرتى النقاط الرئيسية كما رأيتها
أولاً: إن السادات ليس له صبر على التفاصيل. وهو يفضل أن يترك القرار لمساعديه مما يسمح له بأن يتخطاهم أو يغير ما اتفقوا عليه فى اللحظات الأخيرة.
ثانياً: بات من الواضح لى أن الهدف الوحيد للسادات هو استعادة الأراضى المصرية وعودة سيناء إلى الوطن. أما المسائل الأخرى فكلها ثانوية ويمكن إرجاؤها إلى حين تحقق الأولوية الرئيسية.
ثالثاً: إن ما يبدو من عدم اهتمام السادات بالقضية الفلسطينية هو انعكاس لاقتناعه بأنه يتعذر معالجة القضيتين المصرية والفلسطينية فى نفس الوقت، وأن محاولة معالجتهما معاً ستقلل من قدرتنا على تحقيق أى منهما. وبعبارة أخرى إن السادات استخلص أن مصر لا تستطيع أن تبذل جهداً أساسياً لكسب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى مادامت هناك أرض مصرية تحت الاحتلال الإسرائيلي. وعلى النقيض كنت على يقين من أنه لا يمكن لأية معاهدة للسلام أن تدوم إلا إذا تضمنت تدابير لحقوق الفلسطينيين حدها الأدنى وهو حق تقرير المصير.
رابعاً: إن السادات لا يتمسك بمؤتمر جنيف، ومن الواضح أن مؤتمر مينا هاوس ليس فى رأيه تحضير لمؤتمر جنيف بل تمهيد لمفاوضات مباشرة بعيدة عن الهيكل الشامل الذى يضم جميع الأطراف فى مؤتمر جنيف.
خامساً: إن السادات يناور ويقدم الحجج ليس فقط مع الجانب الإسرائيلي، بل أيضاً مع موظفيه المصريين، وربما كان يفعل ذلك بدرجة أكبر. وبدا أنه يريد فى وقت واحد أن يشجع، وأن يحتوى اختلاف رأينا مع رأيه. فهو يريد أن يبين لبيجن أنه يواجه مقاومة داخلية كما يواجه معارضة من العالم العربى الأوسع تجلى الموقف المناور للرئيس السادات على فريقه المفاوض فى الاجتماع الذى عقده مع مجلس الأمن القومى الذى عقده فى 28 أغسطس 1978 قبيل سفره إلى كامب ديفيد والذى حدد فيه الخطوط للسياسة المصرية قبل الذهاب إلى هناك.
وزير الخارجية الإسرائيلى موشى ديان قال إنه من الأفضل لإسرائيل أن تفشل مبادرة السلام على أن تفقد إسرائيل مقومات أمنها وعرض الإسرائيليون على مصر ترك قطاع غزة للإدارة المصرية مقابل تعهد بعدم اتخاذها منطلقًا للأعمال الفدائية، وكان هدفهم من ذلك عدم إثارة موضوع الضفة الغربية، شعر السادات أن الإسرائيليين يماطلونه؛ فألقى خطابًا فى يوليو 1978 قال فيه: إن بيجن يرفض إعادة الأراضى التى سرقها إلا إذا استولى على جزء منها كما يفعل لصوص الماشية فى مصر.
ويستكمل غالى عن مواجهة السادات ومناورته من أجل استعادة سيناء قائلا «أكد السادات أن صفقة منفردة من أجل سيناء بدت غير واردة. ذلك أن مصر زعيمة العالم العربي، ونحن لا نستطيع التخلى عن الوحدة العربية لمجرد استعادة أراضينا فى حين تظل الأراضى العربية الأخرى تحت الاحتلال الإسرائيلي».
ويعود مرة أخرى يقدم الحجج للسادات لافتا إلى أنه لا يؤيد الرأى السابق فمصر بالنسبة للسادات تأتى أولاً وبعد أن تعرض للإدانة العربية بسبب مبادرته بدأ يهزأ بالعالم العربى باعتباره بركة بجوار النهر، وكانت عصابة وزارة الخارجية كما كان يسميها السادات قلقة من إستراتيجية السادات لاستعادة سيناء أولا بهدف إحراز القوة التى تمكنه من استرداد بقية الأراضى العربية فيما بعد لن تنجح. وكنا نخشى أن الخطوة الأولى لن تستتبعها الخطوة الثانية.
لذلك يذكر د. بطرس غالى أنهم عقب وصولهم كامب ديفيد كانت المخاوف الرئيسية تأتى من الرئيس السادات وليس من إسرائيل أو الولايات المتحدة نتيجة موقفه المناور مع وفده، أدت بعثرة الأكواخ فى كامب ديفيد إلى صعوبة الاتصالات بيننا. لكن لم تكن الترتيبات المادية مشكلتنا الرئيسية، إنما أسلوب السادات الذى أربكنا، فكلما التقى مع كارتر أو بيجن لم نكن نبلغ على الإطلاق بما قاله فى حين كنا نلاحظ أن الزعيمين الأمريكى والإسرائيلى يحيطان وفديهما علماً بالأمر قبل كل اجتماع وبعده.
ويحلل غالى موقف السادات أنه كان متخوفا من أن استعادة سيناء قد تسبب للسادات تقديم تنازلات ضخمة. كان تكتيكه يقوم على إقناع وفديّ الولايات المتحدة وإسرائيل بأنه معتدل بينما وفده غير مرن، اعتقاداً منه بأن ذلك من شأنه تدعيم موقفه التفاوضي، ولم تكن بقيتنا بمثل هذا اليقين.
وأوضح أيضا أن الرئيس السادات كان يستجيب تحت الضغوط لكل ما كان يطلبه منه الأمريكيون، والرئيس كارتر شخصياً لأن كارتر وجد أن أنجح طريقة مؤثرة للضغط على السادات هى التلميح بأنه إذا لم يكتب له النجاح سوف يعنى نهاية حياته السياسية.
وتعليقاً على الخطة الأمريكية المقدمة فى كامب ديفيد المكونة من جزأين أحدهما خاص بسيناء والثانى بالفلسطينيين يقول أن الجزء الثانى كان يفتقر كثيراً إلى التحديد بحيث يكون من السهل على إسرائيل أن تتجنب اتفاقاً بشأن القضية الفلسطينية ولدى عودتنا إلى كوخ السادات، هاجم المشروع الأمريكي، ليس لعدم كفايته للفلسطينيين، وإنما لما ينص عليه من أن سيناء ستعود لمصر على مراحل فحسب. وأعلن بأنه سينسحب من المحادثات وسيترك كامب ديفيد فى صباح اليوم التالي.
قرار السادات أربك غالى ورجاله والذى وصفه غالى وقتها أن الأمر لم يسعدهم رغم عدم موافقتهم على الورقة الأمريكية، لافتا أنهم كانوا يشعرون أن مصر ينبغى عليها مواصلة المفاوضات. ويواصل حديثه بأن الرأى العام العالمى كان قد استقبل الانسحاب المفاجئ للوفد المصرى من اجتماعات اللجنة السداسية بالقدس فى شهر يناير الماضى بصورة سيئة. وإذا كررنا مثل هذا التصرف فإننا سنضعف التأييد الدولى لمعركتنا الدبلوماسية لاحظ أن السعى وراء الرأى العام العالمى يمكن أن يصبح سيفاً مسلطاً علينا والأسوأ من ذلك أنه إذا ترك السادات كامب ديفيد خاوى الوفاض فإن حكومته سوف تضعف فى الداخل، بل ستسقط .
وبخصوص المشروع الأمريكى قال غالى «كان ما يقلقنا نحن المصريين أن تحاول إسرائيل الإبقاء على العلاقات الإسرائيلية - المصرية ثنائية تماماً بدلاً من كونها جزءاً من سلام شامل على كافة الجبهات. وكنا نخشى أيضاً من أن عملية سلام كامب ديفيد لن يسمح لها الإسرائيليون إطلاقاً بأن تؤدى إلى تقرير المصير للفلسطينيين فى شكل دولة فلسطينية.
الاهتزاز والذبذبة كانت السمة الأساسية لتعامل السادات مع مفاوضات كامب ديفيد فكان يأخذ قراره مساء ثم يغيره صباحا والعكس ودلل على ذلك ما سرده غالى ففى يوم الجمعة 15 سبتمبر قال: «دعانا السادات إلى كوخه وكان شديد الغضب، وأعلن أنه قرر مرة أخرى وقف المفاوضات ومغادرة كامب ديفيد. وأمرنا بحزم حقائبنا بعد ظهر اليوم نفسه. وفى كوخنا فتح حسن كامل وأشرف غربال حقائبهما وشرعا فى جمع ملابسهما، ورفضت أن أفعل ذلك، وقلت أنه ليس هناك حاجة لحزم الحقائب، لأنى على ثقة أن السادات سوف يغير رأيه خلال الساعات القليلة القادمة، فإن القرار الذى اتخذه ليس إلا تحذير للضغط على الأمريكيين والإسرائيليين».
تحذيرات دولية تلقاها غالى بشأن كامب ديفيد قلقا على الملف الفلسطيني، فرانسوا بونسيه سكرتير عام الرئاسة الفرنسية فى عهد الرئيس جيسكار ديستان قال لبطرس غالى فى قصر الإليزيه ناصحاً قبل أن توقع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل: إذا لم تتمكن من الوصول إلى اتفاق بشأن الفلسطينيين قبل توقيع المعاهدة المصرية - الإسرائيلية فكن على ثقة من أنك لن تحصل لهم على شيء فيما بعد من الإسرائيليين. ذلك أن الوسيلة الوحيدة لمصر كما قيل لى هى عدم توقيع المعاهدة قبل الحصول على حق تقرير المصير للفلسطينيين.
غالى أكد ذلك أيضا بموقف آخر حدث له فى الفاتيكان معربا عنه فى أغسطس عام 1978 (كان من الواضح لى فى مقابلاتى مع المسئولين فى الفاتيكان، ومع المندوبين الأجانب الذين التقيت بهم فى روما أن هناك اعتقاداً بأن موقف السادات من إسرائيل يركز بالكامل على أهداف مصر، ويهمل القضايا العربية الجوهرية الأخري).
يذكر د. بطرس غالى أنه أدرك أن الإسرائيليين يريدون دفع مصر إلى سلام منفرد، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بعد انسحابهم إلى خط العريش، رأس محمد، وكانوا يطالبون بروابط تجارية لضمان استمرار تدفق البترول المصرى من آبار سيناء إلى إسرائيل، وفى الوقت نفسه كنا نخشى أن يقدم السادات تنازلات أبعد عن أسوأ مخاوفنا. فالسادات هو الرئيس، ويستطيع تجاهل مستشاريه وتخطى مجلس الشعب وتجاوز رغبات الشعب المصري، وكان يستمتع باستعراض سلطاته.
وبحسب غالى فقد عقدت عدة جولات من المباحثات فى مصر وإسرائيل لتطبيق الشق الفلسطينى من الاتفاقية عام 1979 لم ينجز منها شيء ومع ذلك حافظوا على استمرارها من أجل إخفاء عدم تحقق أى تقدم أو طمأنة الرأى العام؛ لكن بالنسبة لإسرائيل كانوا يستخدمون المفاوضات لكسب الوقت بينما يحققون السيطرة التامة على الضفة الغربية وغزة من خلال سلسلة المستوطنات التى يقومون ببنائها.
مباحثات الحكم الذاتى بين مصر وإسرائيل توقفت فى منتصف 1980 بعد عدة جولات بعد إعلان بيجن أن رئاسة الوزارة الإسرائيلية سوف تنتقل إلى القدس العربية الشرقية. وكان الكنيست قد اقترع رسمياً يوم 30 يوليو على ضم القدس.
غالى قال إنه أقنع السادات فى اجتماع عقد فى إحدى قاعات قصر عابدين أن يسمح له بإعلان تعليق محادثات الحكم الذاتى وقد عبر عن الموقف الإسرائيلى صراحة موشى ديان وزير خارجية إسرائيل فى هذا الوقت فى مناظرة له مع بطرس غالى فى ستراسبورغ أمام الجمعية الأوروبية لمجلس أوروبا فى أكتوبر 1979 أن اتفاقات كامب ديفيد لا تتضمن قيام دولة فلسطينية وأنه لو كان المصريون يعتقدون أنه يجب أن يكون للفلسطينيين حق تقرير المصير لما كانوا قد وقعوا هذه الاتفاقية التى لا تتضمن مصطلح تقرير المصير.
وعن قرار تجميد المستوطنات الإسرائيلية قال غالى إن كارتر فى آخر اجتماع بكامب ديفيد يوم الأحد 17 سبتمبر 1979 يعتقد أنه حصل على موافقة بيجن على تجميد المستوطنات إلى حين قيام سلطة فلسطينية للحكم الذاتى يمكن التفاوض معها على اتفاق إسرائيلى فلسطينى بشأن المستوطنات. ثم فى اليوم التالى الاثنين وصل خطاب من بيجن يقول فيه إن إسرائيل ستجمد المستوطنات ثلاثة أشهر فقط، وأحس كارتر وهو فى غاية الانزعاج بأنه قد غرر به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.