نظرا للجدل الذى أثاره مسلسل «وادى الذئاب» داخل تركيا وخارجها، وردود أفعاله فى إسرائيل، وعرضه فى عدد من القنوات العربية، قام ناقدنا كمال رمزى بمشاهدة الثلاثة أجزاء الأولى منه، والتى تتجاوز المائتى حلقة وكتب تقييماته التى نشرنا الحلقة الأولى منها أمس واليوم ننشر الحلقة الثانية والأخيرة. فى المسلسل يقول مسئول فى الدولة: لم يعد الحاضر مثل الماضى.. الآن، لا يستطيع ضابط أن يأخذ قواته فى الصباح الباكر، كى يستولى على الإذاعة، ومبنى الحكومة، فيصبح الانقلاب ناجحا.. طبيعة الأمور تغيرت، وما كان يحدث بالأمس لا يصلح لليوم، ونحن نعيش عصرنا. «وادى الذئاب» أيضا، يحاول أن يعيش عصره، سنوات «طيب أردوغان» و«عبدالله جول»، والمسلسل فى هذا لا يتوقف، باهتمامه، عند تغيرات الزمن، ولكن يرمى إلى تبين موقع وموقف تركيا، الآن على خارطة العالم، حيث تغيرت القوى، والاتجاهات، والطموحات. قد يصدم المتابع ل«وادى الذئاب» من كميات الدم المراق على طول الحلقات، لكن الصدمة الأشد ترجع لبساطة عمليات القتل التى يمارسها، بسهولة، كل الأطراف، بما فى ذلك الأطراف الحكومية. «أصلان»، يقتل عددا من الرجال، بقلب بارد، قبل أن يلقى مصرعه.. و«مراد علم دار»، الرقيق، النبيل، الوطنى، يتحول بين حين وآخر، إلى ماكينة قتل، وثمة إيحاءات بتواطؤ رجال شرطة فى عمليات اغتيال، بالإضافة لإشارات إلى تورط قضاة فى التستر على مجرمين.. ربما يفسر هذا ما تعرض له المسلسل من إيقافات، أكثر من مرة، وبعيدا عن التخمينات، وعلى الرغم من التوابل العثمانية اللاسعة المذاق، فإن مواقف «وادى الذئاب» السياسية، تتراءى على نحو ما، وراء ركام الجثث. الزمن داخل المسلسل، يبدأ عقب احتلال العرقا، ومنذ الحلقات الأولى، تبدو بلاد الرافدين حاضرة بقوة، فكما يقول أحد الأتراك «العراق ستأتى لنا إذا لم نذهب لها». إنها هنا ليست مجرد «جار» ولكنها حقل ألغام، وحقل بترول، سوق مفتوح أمام تجار السلاح ومهربى المخدرات، حلبة صراع بين مصالح دول وعصابات «مافيا» تتستر وراء شركات أمن، مصانع توريد أغذية، هيئات معونة، والأهم بل الأخطر، محاولات طرد «التركمان» من مناطق البرزانى الذى يتخذ منه المسلسل موقفا متشككا، رافضا، أكثر من الطلبانى، الداهية، المتغير الولاءات. «الشرق الأوسط الكبير»، يغدو فى المسلسل، حسب أقوال «أصلان»، وبعض المثقفين الوطنيين، ما هو إلا مشروع للهيمنة على المنطقة، بعد تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، وإثارة القلاقل والنعرات القومية والعرقية، مع نشر الإرهاب، والخوف، والاعتماد على خونة ومأجورين وضعاف عقول.. وما احتلال العراق إلا بداية لتقسيم لبنان وتركيع سوريا، ولأن تركيا هى إحدى بوابات العراق، ببترولها الغزير، فإن مافيات العالم تتجمع فى اسطمبول، وبالذات المافيا الروسية التى تعددت عائلاتها، واشتدت سواعدها عقب انهيار الاتحاد السوفييتى، وأصبح هناك مافيا شيشانية، وجورجية، وقوقارنية، «محمد قرخللى»، مخلب من مخالب «الشرق الأوسط الجديد»، يستفيد من الفوضى المنتشرة فى المنطقة، ويسهم فى تهريب السلاح، إلى شمال العراق، بينما البعض يريد التعاون مع الاتحاد السوفييتى المفكك. لكن الصوت التركى الأوضح، والذى يتبناه المسلسل، يقول: علينا الابتعاد عن أنياب الذئاب الأمريكى الشره، وتحاشى أنفاس الدب الروسى الحارقة. آفاق رؤية «وادى الذئاب» تتجاوز حدود تركيا، حيث يرد ذكر العديد من دول الجوار، وجوار الجوار، بما فى ذلك مصر، التى يقال اسمها مرتين، على نحو عابر مرة، وباستخفاف مرة أخرى، فعندما يجرى الحديث عن خط سير شحنة مخدرات مهربة، ينبه أحد رجال المافيا إلى أنه «ليس لدينا عملاء فى موانى قناة السويس»، وبالتالى لابد من تغيير خط السير»! ويأتى اسم مصر مرة ثانية فى سياق الحديث عن الدول التى من الممكن أن تعارض مشروع الشرق الأوسط الكبير، حينها يقول أحدهم «مصر لا تعارض، فهى تمشى فى ركاب السياسة الأمريكية». أما إسرائيل، فإنها تحتل مساحة واسعة فى عالم الجريمة، فالسلاح الذى يجرى تهريبه إلى شمال العراق، من منتجات إسرائيل، وثمة إشارة إلى أعداد كبيرة من الإسرائيليين، دخلوا بلاد الرافدين، للمساهمة فى عمليات تخريبية وللإتجار بالآثار المنهوبة، وثمة ما يقرب من الأربعين ألف إسرائيلى يريدون الذهاب إلى العراق. يتعرض «وادى الذئاب» لإسرائيل، على ثلاثة مستويات أولهم من باب التحليل، فهى، حسبما جاء فى الحلقة «18»، تريد مد أنابيب البترول إلى «أراضيها»، وتتمنى، وتعمل على تفتيت دول المنطقة وتحويلها إلى دويلات صغيرة.. وعلى مستوى ثان، تسهم مع المافيوزى، الشره، الخسيس، «نديم» فى إنشاء بنك متعدد الفروع، لتمويل عمليات غير مشروعة وغسل الأموال القذرة.. أما المستوى الثالث فتمثله «استر»، التى تبدو كما لو أنها قادمة من الجحيم، تتآمر، تتجسس، تخون، لحساب المخابرات الإسرائيلية.. ولا يعنى هذا أن «وادى الذئاب» ينهض كاملا على العداء لإسرائيل ونقدها، فالعداء لروسيا، برجال أعمال الوحشيين، أبعد غورا، والموقف الرافض لأمريكا، بأكاذيبها، ونهما لمصادرالطاقة، أشد صرامة.. ونظرة الشك لأوريا، المراوغة، تنضح بالمرارة.. والتخوف من الأكراد، خاصة مع قيادة الانتهازى، البرزانى، مسألة تستحق إعادة الحسابات.. لكن ما الذى دفع بإسرائيل إلى كل هذا الهياج، ضد المسلسل، قبل أن يبدأ جزأه الرابع؟.. الأرجح أنه انفعال ينتمى إلى هستيريا العاشق، الذى وجد نفسه، بعد طول غرام، مهجورا، زريا.