منذ أسبوعين تقريبا تقوم الولاياتالمتحدةالأمريكية بإلقاء مواد الإغاثة الإنسانية على قطاع غزة لتخلف بذلك جهودا سبقتها إليها الأردن وفرنسا ومصر. وقد تبع كل ذلك إعلان الولاياتالمتحدة عن عزمها تأسيس رصيف بحرى عائم أمام شاطئ غزة، لإدخال تلك المواد إلى القطاع خلال شهرين، أى عقب شهر رمضان. جهود الإغاثة الأمريكية بدت مظهرية وخائبة إلى حد كبير. فبالنسبة إلى ما تلقيه من الطائرات فقد فشل فى تحقيق الغرض منه، لأن جزءا معتبرا منه قد سقط فى بحر غزة وأرض ال48 فى فلسطين التاريخية، وكأن الولاياتالمتحدة أقوى قوة عسكرية وتكنولوجية فى العالم فشلت دون قصد فيما نجحت فيه الأردن فى إيصال المساعدات جوا إلى الأهل فى غزة. عامة، الإجراء الأمريكى مسرحى وكاريكاتيرى إلى حد كبير من عدة زوايا. فأولا ومن حيث المبدأ فإن الولايات الماحدة التى تدعم إسرائيل بمختلف أنواع الأسلحة، وأقامت لها جسرا جويا يشتمل على تقديم العتاد بمختلف أنواعه، بما فى ذلك القنابل محرمة دوليا، تقوم بمد يد العون والغوث للفلسطينيين الذين يقتلهم الصهاينة بدم بارد وسط ذهول عالمى وصمت عربى، فهى تذبح بيد وتقدم الغذاء بيد أخرى!!! الأمر الثانى، أن ما تقوم به الولاياتالمتحدة هو إجراء تريد أن تقول للعالم من خلاله أنها رغم كل ما يعرفه القاصى للدانى عن نفوذها غير المحدود على الكيان الصهيونى، والذى لها الفضل فى بقائه، غير قادرة على الضغط عليه لفتح معبر رفح الحدودى مع مصر لدخول مئات الشاحنات التى تفوق تأثيرها مئات الطائرات التى تحمل الإغاثة. جدير بالذكر أن المعبر مفتوح من الطرف المصرى وموصد من قبل إسرائيل من الطرف الآخر، إمعانا فى إذلال أصحاب الأرض. الأمر الثالث أن ما تلقيه الولاياتالمتحدة من مواد إغاثة عبر الجو هو محدود الكيف إلى حد كبير، فما يحتاجه القطاع اليوم أكبر من مجرد الغذاء، لأن هناك لوازم طبية وأدوية يحتاجها هذا الشعب الأعزل المحاصر برا وبحرا وجوا، بعد أن قامت إسرائيل بتدمير المستشفيات ومنعت مستلزمات الرعاية الطبية عن مرضى القلب والسكرى والكلى ومتطلبات حضانات الأطفال. الأمر الرابع، أن مسألة تأسيس رصيف عائم لإنزال المساعدات عبر البحر من قبل سفن قادمة من قبرص، هو أيضا أمر قاصر على الغذاء، وهو بلا شك إجراء يعبر عن رغبة فى إرضاء الناخب الأمريكى المعارض لسياسة بايدن تجاه العدوان الإسرائيلى فى هذا العام الذى ستجرى فيه الانتخابات الأمريكية. كما أن هذا الإجراء يتواكب مع قرار غريب أعلنت عنه الولاياتالمتحدة فى نهاية يناير الماضى، وهو وقف المساعدات التى كانت تمدها لوكالة الأونروا، فهى أكبر داعم لتلك الوكالة التى ترعى 6 ملايين لاجئ فلسطينى. وقد توقفت الولاياتالمتحدة عن الدعم بمجرد اتهام صهيونى لم يثبت صحته بوجود 12 موظفا فقط بالوكالة تورط فى عملية طوفان الأقصى، ضمن 13 ألف موظف بالوكالة يعملون فى غزة. الغريب هنا أن الولاياتالمتحدة أوقفت الدعم للوكالة بمجرد الاتهام الإسرائيلى، لكنها عجزت عن وقف تصدير السلاح بناء على قرار محكمة العدل الدولية لوجود إبادة جماعية فى عدوان إسرائيل على القطاع. غاية القول، أن المظهرية الأمريكية وحركات الاستعراض الواضحة فى عملية الإغاثة، أصبحت لا تخيل على سذج، فهى الطرف الداعم للعدو، والمقاوم لفرض وقف إطلاق نار دائم فى القطاع، وهى القادرة على ذلك، بل وعلى فرض حل الدولتين المتجاوز أصلا لقرار الأممالمتحدة بتقسيم فلسطين.