صباح الخميس الماضى فوجئ كثير من المصريين بأن كل دول حوض النيل ما عدا السودان تريد أن توقع اتفاقية إطارية جديدة تعطى لهذه البلدان الحق فى إنشاء مشروعات وسدود دون موافقة مصر بما قد يقلل من حصة المياه المتدفقة إليها ويهدد أمنها المائى. هذا الكابوس المخيف لم يكن وليد مفاوضات جرت ليوم واحد فى شرم الشيخ لكنه موقف يتراكم يوما بعد يوم منذ سنوات ولم ننتبه إليه جيدا. ليس اليوم مناسبا للتقريع واللوم ونقد سياسات مرحلة بعينها لكن على المغامرين الذين القوا بكل (بيضهم فى سلة أمريكا وإسرائيل) منذ زيارة السادات المنفردة إلى القدس نهاية عام 77 أن يخرجوا اليوم بشجاعة ويعتذروا للشعب عما اقترفوه فى حق مصر وأن نبدأ فى وضع قواعد جديدة تحفظ المصالح المصرية العليا. عبدالناصر سواء اتفقنا أو اختلفنا معه عرف بالضبط أهمية أفريقيا للأمن القومى المصرى والعربى وبذلك استثمر هناك جيدا، جاء السادات وهدد إثيوبيا بالقصف الجوى لمصلحة الولاياتالمتحدة، رحل السادات ومنذ عام 81 ونحن ننسحب رويدا رويدا من أفريقيا، حتى جاءت محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك الفاشلة فى إثيوبيا منتصف التسعينيات لتضع علامة رمزية فارقة فى علاقتنا مع أفريقيا نحو مزيد من الانسحاب. فى كل مكان تركناه هناك جاءت قوى أخرى تضع أقدامها فيه سواء كانت صينية أو أمريكية أو إسرائيلية أو فرنسية. أفريقيا وبلدان حوض النيل لم تعد تلك (القطط المغمضة)، هى تبحث عن مصالحها وتحاول اللعب بكل ما معها من أوراق. علينا النظر إلى الأمام لأن الحديث فى الماضى مؤلم، والآن نسأل: هل خسرنا بلدان حوض النيل للأبد؟ الإجابة بالقطع لا، لأن السياسة ليس بها مواقف نهائية فتتغير طبقا للمصالح التى هى بطبيعتها متغيرة. وللموضوعية، فإذا كان هناك فريق فى النظام شجع على الابتعاد عن أفريقيا، وحوض النيل فى السنوات الماضية فمن حسن الحظ أن هناك بقايا روح لبؤر متناثرة داخل جهاز الحكم لاتزال تدرك قيمة أفريقيا وحوض النيل، وتعرف أين تكمن بالضبط المصالح الوطنية العليا. فهؤلاء هم الذين ضغطوا من أجل تحسين العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا ومع بلدان حوض النيل خصوصا إثيوبيا فى الشهور الأخيرة، هم أيضا الذين يراهنون على أن استيراد لحوم من إثيوبيا حتى لو كانت أكثر تكلفة من استيراد لحوم من أوراجوى والبرازيل هو أمر مهم للأمن القومى المصرى. هذا التيار عليه أن يتقدم ويمسك بالدفة الكاملة لإدارة هذا الملف بعد أن ثبت أن كارهى أفريقيا فى الإدارة المصرية قد ثبت فشل توجههم أولا وإداراتهم للملف ثانيا. علينا أن نتحرك بسرعة وبكل الوسائل قبل أن نكتشف أن بلدان حوض النيل تعرض علينا استيراد مياه النيل معبأة فى زجاجات بأسعار تنافسية؟