كثرة الحديث فى الصحف القومية هذه الأيام عن انحياز الرئيس وابنه وحكومتهما للفقراء تبعث على القلق بأكثر مما تبعث على الثقة والاطمئنان. ثم إن التعبير عن ذلك الانحياز بتوزيع الفلوس على الناس يعزز ذلك القلق ويعمقه. وحين يتم ذلك من خلال قرار يصدره الرئيس فى أثناء اجتماعه مع بعض الوزراء فى فترة نقاهته بشرم الشيخ، فإنه يضيف الحيرة إلى القلق ويثير أكثر من سؤال حول أسلوب اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية فى مصر. لقد خرجت علينا صحف الجمعة (16/4) بعناوين تصدرت صفحاتها الأولى، قالت فيها إن الرئيس أمر برفع نسبة العلاوة الاجتماعية للعاملين فى الدولة التى تصرف فى يوليو المقبل إلى 10٪. وكانت النسبة المقترحة فى الموازنة العامة 7٪ فقط. وحرصت جميع الصحف القومية وهى تبرز الخبر على أن تشير إلى أن الرئيس اتخذ قراره هذا انطلاقا من انحيازه للفقراء. وهو خبر سار بطبيعة الحال، لأن «العلاوة» موضوعه. وهو مصطلح مبهج للذين ذاقوا طعم انتظار الراتب فى أول كل شهر، وعلقوا بعض أحلامهم على قدوم موعد العلاوة أو توزيع الأرباح. لقد تعلمنا أن عنوان الانحياز إلى الفقراء لا يطلق لوجه الله، خصوصا فى ظل حكومة رجال الأعمال. لذلك فإننا لا نعرف ما إذا كانت الزيادة فى العلاوة «هدية» إلى العاملين بمناسبة تعافى الرئيس وعودته إلى عمله أو أنها محاولة لامتصاص غضب الساخطين أو أن لها علاقة بترطيب الأجواء والخواطر بمناسبة الجولات الانتخابية المقبلة، أو أن القرار صد لهذه الاعتبارات مجتمعة. إلا أننى أزعم أن فرحة الناس بالعلاوة لن تطول. وأخشى أن أقول إن الضرر فى هذه الخطوة قد يكون أكبر من النفع والمصلحة. لن أتحدث عن الأسلوب الذى اتخذ فى إصدار القرار. وما إذا كانت الاعتبارات السياسية هى التى حكمته أم أن الدراسات الاقتصادية أوصت به. لكن ما يهمنى هو تحرير جدوى هذه الخطوة وأثرها على الناس، وهل ستؤدى العلاوة إلى زيادة دخولهم فعلا. وبأى نسبة؟ سأذهب فى البراءة إلى حد تصديق التصريحات الرسمية وأفتراض أن الرئيس أراد بقراره أن يحسن من دخول العاملين من خلال رفع نسبة العلاوة. وسأحاول أن أختبر هذا الهدف فى حالة موظف يتقاضى 500 جنيه شهريا، وهو فى الحكومة موظف محترم. صاحبنا هذا كانت علاوته فى ظل زيادة 7٪ ستصل إلى 35 جنيها. ولكن قرار الرئيس حين رفع العلاوة إلى عشرة فى المائة، فإنه أضاف إلى دخله 15 جنيها أخرى. وهى تقل عن الزيادة التى طرأت على سعر كيلو اللحمة خلال الأشهر الأخيرة. وإذا أضفت إلى ذلك الزيادات التى انضافت إلى أسعار السلع الأساسية خلال العام المالى الأخير، فستجد أن العلاوة كلها (50 جنيها) لم تحدث أثرا فى تحسين دخل الموظف. ولست أشك فى أن أى موظف سيكون أكثر اطمئنانا وتفاؤلا لو أنه لمس أى نجاح للحكومة فى كبح جماح جنون الأسعار، وستكون فرحته فى هذه الحالة أهم وأعمق من حصوله على العلاوة سريعة التبخر، التى يمثل توزيعها زيادة فى التضخم ودفعة جديدة إلى مؤشرات ارتفاع الأسعار. بكلام آخر، فإن أى تحسين للدخل لا جدوى منه ما لم يستصحب زيادة فى الإنتاج وترشيد للاستهلاك. وما لم يحدث ذلك فإن صرف العلاوات أو زيادتها سيتم من خلال الاقتراض، الذى وصل فى ظل الحكومة الحالية إلى معدلات غير مسبوقة. وللعلم فإن عجز الميزان التجارى فى مصر خلال الربع الأول من السنة الحالية يصل إلى سبعة مليارات و200 مليون جنيه. وهو معدل قياسى لم تعرفه مصر خلال المائة سنة الأخيرة، كما يقول الخبراء. إن حكومتنا الراهنة تستسهل تدبير الموارد المالية من خلال التفتيش فى جيوب الناس وتوسيع نطاق الجباية منهم والاقتراض من أى جهة، لكننا لا نكاد نسمع شيئا عن الحث على زيادة الإنتاج واستثمار الطاقات المتاحة، وابتكار الحلول التى تساعد على تلبية الاحتياجات من خلال الاعتماد على الذات. كما أنها لا تدعو ولا تضرب المثل فى ترشيد الاستهلاك والحد من السفه والبذخ. وتلك كلها مقدمات تمهد الطريق أمام حدوث كارثة اقتصادية من العيار الثقيل تلوح إرهاصاتها فى الأفق. لكنهم يغمضون أعينهم عنها ويصمون آذانهم كى لا يسمعوا دويها المكتوم. ويكتفون بالحلول المسطحة والسهلة، وبإطلاق الشعارات التى تحذر ولا تحفز.