أخيرا أصبح لدى المحتجين سبب صحيح للتظاهر، فقد كانت الحركة المناهضة للعولمة تتوسع فى تحديد أعدائها واضعة مشكلة بحجم الإفراط فى التمويل الدولى فى نفس الركن المظلم مع مفاهيم مثل التجارة الحرة والسوق المفتوحة وهما أساس النمو والازدهار. واختلف الوضع الآن، فقد توافقت احتجاجات هذا الأسبوع، والتى تسبق اجتماع مجموعة العشرين المقرر عقده يوم الخميس 2 أبريل، مع اتجاه متصاعد فى أوروبا والولاياتالمتحدة. فقد دفع سلوك رجال المال فى الغرب العالم للجثو على ركبتيه ولم يدرك هؤلاء حتى الآن جسامة أخطائهم أو قدر ظلم الصفقة التى عقدوها مع المجتمع المدنى. فقد جنى هؤلاء المليارات حصل موظفو وول ستريت وحدهم على 39مليار دولار أمريكى كعلاوات عام 2007 بينما يتعين على دافعى الضرائب الآن دفع فاتورة مقدارها عدة تريليونات تستخدم فى توفير خطط لإنقاذ الشركات وزيادة رءوس أموالها أو كضمانات للقروض. ولايزال المصرفيون ورجال المال يطالبون بحوافز مذهلة ومعاشات تقاعدية مرتفعة من المؤسسات التى أفلسوها، ويمثل المديرون فى إيه آى جى بالولاياتالمتحدة آخر طابور طويل من نظرائهم. ولاتزال البنوك تهيئ مخططات كبيرة للتهرب الضريبى حتى تضلل الحكومة بشأن الدخل من الضرائب اللازمة لإنقاذ قطاع البنوك. وبينما كان تحطيم نوافذ منزل، فريد جودوين،المصرفى البريطانى المطرود فى إدنبرة، تصرفا خاطئا، إلا أنه جزء من رد فعل عالمى بدأ يخلف تغييرا. فقد أعاد بعض المديرين فى إيه آى جى حوافزهم، وإن كان ذلك بصورة وقحة،وفجأة أصبح المصرفيون فى أى بنك سويسرى يتخوفون من السفر خارج البلاد خشية التعرض للاعتقال. وقد انسحب اثنان من الشركاء الأمريكيين الثلاثة فى مشروع فارس باركليز بروجيكت نايت» وهى خطة لتجنب دفع الضرائب، من الخطة. وبالطبع فإن السبب هو رفضهم أن يكونوا جزءا من هذه المهزلة، بينما شعر رويال بنك أوف سكوتلاند (آر. بى. إس) بأنه يجب عليه تعليق منتجاته المصرفية الخاضعة لضرائب منخفضة عن المفروضة عن مثيلاتها. ويمثل هذا التحول فى المواقف والسلوكيات أنباء جيدة. ولكن الخبر الأفضل تمثل فى أن بلدان مجموعة العشرين تظهر وكأنها بدأت توحد مواقفها وقد يكون ذلك رد فعل للرأى العام العالمى أو بسبب خطورة الامتناع عن فعل أى شىء والتى باتت واضحة. وأصبح جليا أنه سيتم التوصل إلى اتفاق يكون بمثابة نظام جديد للتمويل العالمى. وليس هذا هو الرأى الشائع عن اجتماع مجموعة العشرين، الذى يراه الكثيرون كخيبة أمل ضخمة، وملىء بالتفاهات، ومحاولة لتغطية الخلافات العميقة بين أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية. وتتلخص الخلافات فى أن أوروبا تريد مزيدا من التنظيم، بينما الولاياتالمتحدة وإلى حد ما بريطانيا لاتزال متشبثة بالأسواق الحرة والتنظيم الأقل. وفى نفس الوقت، يرتاب البريطانيون بشدة فى الحماس الأنجلو ساكسونى للزيادة الكبيرة فى الإنفاق والاقتراض العام. وتورط جوردون براون رئيس الوزراء البريطانى فى محاولة عقيمة لسد الفجوة التى لا يمكن سدها بين وجهة نظر أوروبا والولاياتالمتحدة والتى لا يمكن لأى قدر من الرطانة إخفاؤها. ولكننى أختلف مع هذا الرأى، فأنا أعتقد أنه لا يمكن فعل أى شىء حقيقى بالنسبة إلى أى نظام مالى وطنى منهار إلا فى إطار مجموعة من القواعد العالمية المتفق عليها. واعتقد أن مجموعة العشرين سوف تقرر، على غير العادة، تنظيم صناديق التحوط، وتسجيل وكالات التصنيف الائتمانى وممارساتها التجارية، والإصرار على أن يتم تداول المشتقات فى بورصات منظمة، فضلا عن وضع نظام عام لأجور وعلاوات البنك. كما أتوقع أن تطلب قدرا أكبر من الشفافية وإتاحة المعلومات فيما يتعلق بالإعفاءات الضريبية. وقد خلصت رؤى كل من تيم جيثنير وزير الخزانة الأمريكى، واداير تيرنير البريطانى، رئيس جهاز الخدمات المالية البريطانى، وجاك دى لاروس الخبير المالى فى الاتحاد الأوروبى حول تنظيم الأسواق على نفس النقاط. ويروج براون وفريقه للتوصل لاتفاق عالمى حول تنظيم الأسواق لم يكن من الممكن التفكير فيه منذ ثلاثة شهور. وعلاوة على ذلك، سيكون هناك إطار عام متفق عليه للتعامل الركود العالمى، ولإطلاق التسهيلات الائتمانية، وخصوصا لتمويل التجارة، ومساعدة البلدان الأقل نموا التى تعانى من هروب رءوس الأموال. وسوف تتفق مجموعة العشرين، بصرف النظر عن الاختلافات العديدة فى تقاليدها وفلسفتها الاقتصادية، على أنه ينبغى على الحكومات أن توفر رأس المال لدعم بنوكها إذا اقتضت الضرورة، وأنه لابد للبنوك أن تضبط صعود وهبوط رأس المال على مدار الدورة الاقتصادية، والأهم استخدام السياسات النقدية والمالية إلى أقصى حد حتى تدعم الطلب الضعيف. وحتى الآن، فالأمريكيون أكثر إلحاحا من الأوروبيين فى المطالبة بالحوافز المالية، ولكنهم يحتاجون إلى ذلك كونهم ينتمون إلى دولة أقل اهتماما بالخدمات الاجتماعية. ووفقا لتقارير صندوق النقد الدولى، فقد ارتفع العجز فى الميزانية فى دول مجموعة العشرين ما بين عامى 2008 و2009 بدرجة متساوية فى كل من أوروبا وأمريكا. وفى 2010 سوف تتعدى الزيادة فى حجم الإنفاق على سياسات التحفيز فى ألمانيا كل الدول. ولنا أيضا أن نتأمل الإجماع حول التعامل مع صندوق النقد الدولى، فمن المقرر أن يتم رفع رأسماله ليصل إلى 500 مليار دولار أمريكى، ومنحه صلاحيات للرقابة على السياسات الاقتصادية للدول. ويوازى ذلك فى الأهمية أن البلدان الأقل نموا سوف تتاح لها فرص أكبر للحصول على حقوق السحب الخاصة على عملة ورقية لصندوق النقد الدولى ومدعومة بالدولار والين واليورو والإسترلينى ويمكن استخدامها فى شراء العملة الصعبة، بموافقة البنوك المركزية. إنها تلك العملة التى يرغب زهو زياوشوان حاكم البنك المركزى الصينى فى التوسع فى استخدامها لتنافس الدولار، ومن ثم تحمى الصين من تأثير انهيار محتمل للدولار. هذا هو نوع الصفقة التى طالما دعا إليها الكينزيون من أمثالى. فهى سوف تقلل جذريا من التوجه نحو الانفلات فى نظام الظل المالى، وتحد من تقلب الأسعار، وتساعد على بناء الثقة فى البنوك، وتغير ثقافة الحوافز، وتشجع تدفقات رأس المال إلى البلدان الأفقر. ولكن ربما تظل كل هذه التغيرات غير كافية. فالاقتصادات الناشئة فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية تتأرجح على الحافة، وكل التعليقات الذائعة حول تعزيز الطلب فى 2010 لا تكفى، كما أنه من غير الواضح حتى الآن السلطات الجديدة التى يقترحها صندوق النقد الدولى. وسوف تظل البنوك الفاسدة قادرة على جذب الموظفين من خلال إطلاق الوعود بمكافآت مبالغ فيها. غير أنه لاتزال هناك حقيقة واحدة وهى أن أى شخص كان سيشير منذ عام إلى أن هذه التغيرات محتملة الحدوث كان سيثير تساؤلات ما إذا كان يتعاطى شيئا يؤثر على إدراكه. فيما يتجاوز التعامل مع الأزمة الحالية، ينبغى على براون أن يجعل ما يعنيه برأسمالية ذات مبادئ أكثر قبولا. وإذا كان جادا فعليه أن يتبع خططه لمجموعة العشرين بمقترحات حول الأسلوب الذى ستحيى به الشركات البريطانية فكرة إرضاء أصحاب المصالح أكثر من حملة الأسهم. وسيحتاج إلى العمل على إنضاج أفكار حول كيفية تعامل الناس العادية بصورة أكثر عقلانية مع المخاطر التى تكتنف حياتهم، سواء بخصوص وظائفهم أو دخلهم أو استخدامهم للرهن أو معاشات تقاعدهم. وعليه أيضا أن يتعامل مع مشكلة ارتفاع البطالة بنحو مليونين خلال العامين المقبلين فى بريطانيا. سيعتبر ذلك تغييرا كبيرا فى اتجاهات السياسى الذى كان من أكثر مؤيدى التوسع فى التمويل الكبير. ويصعب علينا ألا نتشكك فى هذه النسخة الجديدة من براون، وكذلك لا يرغب أى من الصحفيين أو المعلقين فى الفوز بلقب الساذج الذى يعلن نجاح القمة بصورة غير مسبوقة. لقد كتب السيناريو بالفعل؛ فرئيس الوزراء المحاصر يعد العدة للتغلب على الفجوة بين أنصار الدولة الأوروبيين المحافظين ماليا والأمريكيين المنادين بحرية السوق ولكن مع حرية الإنفاق أيضا. والسيناريو الحقيقى صعب للغاية؛ فهى القمة العالمية الأولى التى يقع على كاهلها تقديم تطوير أساسى فيما يتعلق بالتمويل العالمى منذ عام 1944. وينبغى على المحتجين أن يواصلوا العمل الجيد الذى قاموا به. فالرأى العام هو الذى يقود هذا التغيير. Copyright: Guardian News & Media 2009 OBSERVER NEWS SERVICE