ليست الجمهورية الإسلامية فى إيران على وشك الانفجار. لكن الفكرة المضللة القائلة بذلك أصبحت مكرسة فى واشنطن باعتبارها حكمة تقليدية. ويوفر سوء الفهم هذا قدرا من التغطية للرئيس أوباما؛ فهو يساعد على إخفاء فشله فى متابعة وعودة الانتخابية بالتوصل إلى اقتراحات جادة وإستراتيجية مع إيران. وفى الوقت نفسه يدفع الآن أولئك الذين لم يقبلوا قط بالاتصالات الدبلوماسية مع إيران بضرورة سقوط حكومة طهران دعما لموقفهم الداعى إلى توجيه ضربة عسكرية للأهداف النووية الإيرانية وتبنى «تغيير النظام» كهدف نهائى لسياسة أمريكا تجاه إيران. لنبدأ بآخر الأحداث. ففى 27 ديسمبر تدفقت الحشود الجماهيرية على شوارع المدن الإيرانية للاحتفال بذكرى عاشوراء. وتزامن هذا مع مراسم عزاء رجل دين موقر، هو آية الله العظمى حسين على منتظرى، الذى كان قد رحل عن عالمنا قبل أسبوع من ذلك. واغتنم المحتجون الفرصة للتجمع فى طهران وفى كل مكان، واشتبكوا مع قوات الأمن. وهذه أحداث مهمة دون شك. لكن التأكيد على أن الجمهورية الإسلامية تنفجر الآن بالطريقة نفسها التى عاينها نظام الشاه فى عام 1979 لا تصمد حتى أمام أقل تدقيق. وتزعم المواقع الإلكترونية الإيرانية المناهضة للحكومة أن «مئات الآلاف» شاركوا فى احتجاجات عاشوراء، ويقول آخرون فى إيران إن هذه الاحتجاجات ضمت ما بين 2400 و4000 شخص. وبغض النظر عن دقة هذا التقدير أو ذاك، فإن ما نعلمه بحق هو أن قطاعا كبيرا من المجتمع الإيرانى انزعج من استغلال المحتجين لليوم المقدس فى التعبير عن مواقف سياسية. وخرجت أعداد كبيرة من الإيرانيين إلى الشوارع فى 30 ديسمبر، فى تظاهرات نظمتها الحكومة لإظهار التأييد للجمهورية الإسلامية (يقدر أحد المواقع الإلكترونية المعارضة لإعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدى نجاد فى يونيو الحشود بمليون شخص). وترجح الصور الفوتوغرافية ولقطات الفيديو هذا التقدير ما يعنى أن ذلك قد يكون أكبر حشد تشهده شوارع طهران منذ جنازة آية الله الخمينى فى 1989. وفى أعقابها، اضطر حتى خصم الرئيس أحمدى نجاد فى انتخابات يوليو الرئاسية الأخيرة، مير حسين موسوى، للاعتراف ب»التطرف غير المقبول» من قبل بعض محتجى عاشوراء. وقد أعمى تركيز الغرب على المظاهرات المناهضة للحكومة الكثيرين عن الحقيقة المزعجة التى لا مفر منها؛ فالإيرانيون الذى استغلوا يوم عاشوراء للاحتجاج السياسى لا يشكلون الأغلبية بحال من الأحوال. وعلى أولئك الذين يتحدثون بثقة عن «المعارضة» فى إيران كطليعة لثورة جديدة أن يجيبوا عن ثلاثة أسئلة قاسية: أولها، ما الذى تريده المعارضة؟ والثانى، من الذى يقود هذه المعارضة؟ والثالث، ما هى الطريقة التى ستطيح بها هذه المعارضة الحكومة فى طهران؟ فى حالة ثورات 1979، كانت الإجابة عن هذه الأسئلة واضحة. فقد كانوا يريدون الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوى المدعوم من الأمريكيين وإقامة الجمهورية الإسلامية. ويعلم الجميع أن من كان يقود الثورة آية الله الخمينى، الذى كان يستطيع، برغم إقامته فى باريس، حشد الجماهير الكبيرة فى إيران بإرسال الأشرطة المسجلة إلى البلاد. وبينما يختلف المؤيدون حول أجندة الثورة فى الأجل البعيد، فإن أفكار الخمينى كانت معروفة تماما من كتاباته وبياناته العلنية. وبعد مغادرة الشاه، عاد الخمينى إلى طهران ومعه مسودة لدستور النظام السياسى الجديد. وكانت النتيجة تشييد الهياكل الأساسية للجمهورية الإسلامية بسرعة ملفتة. فما الذى تريده «المعارضة» الحالية من وراء التعبير عن سخطها الأساسى؟ ليس الهدف نصرة السيد موسوى فى انتخابات الرئاسة؛ فالسيد موسوى نفسه يعيد الآن تركيز أجندته على «المصالحة الوطنية». ويبدو أن بعض المحتجين يريدون توسيع الحريات الشخصية والتفاعل مع بقية العالم، لكن ليس لهم أجندة شاملة. ويدعو آخرون ممن حظوا بتغطية كبيرة فى الصحافة الغربية إلى استبدال الحكومة الإسلامية ب«جمهورية إيرانية» (علمانية ظاهريا). لكن استطلاع جامعة ماريلاند الذى أجرته بعد الانتخابات ورد الفعل الشعبى على احتجاجات عاشوراء يشير إلى أن معظم الإيرانيين لم يستجيبوا لدعوات الإطاحة بالجمهورية الإسلامية، إن لم يرفضوها. ومع تزايد تهميش السيد موسوى، من يقود الثورة المفترضة؟ من المؤكد أنه ليس على أكبر رافسنجانى، الرئيس الأسبق الذى أصبح من الشخصيات البارزة فى الاحتجاجات التى أعقبت انتخابات الصيف. صحيح أنه لاعب سياسى بارع، ويعتبر «الأب المؤسس» للدولة ويرأس مجلس الخبراء، تلك الهيئة التى يمكنها تغيير المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. لكن السيد رافسنجانى فشل فى محاولته استعادة الرئاسة أمام أحمدى نجاد فى 2005، ولم يبد ميلا لتحريض الجماهير على إسقاط النظام الذى ساعد فى قيامه. ولن يتحمل محمد خاتمى العبء؛ ففى 1999، فى قمة شعبيته، تبرأ من مظاهرات الطلبة الواسعة المحتجة على إغلاق صحيفة تؤيد إدارته. ويؤكد كثير من الغربيين الذين يرون أن المعارضة تسعى للإطاحة بالجمهورية الإسلامية على احتمال تواصل الاضطرابات خلال احتفالات العزاء التى يقيمها الشيعة للموتى فى اليوم الثالث والسابع والأربعين من الوفاة. وخلال الشهور الأخيرة من حكم الشاه، استغل معارضوه طقوس العزاء التى كانت تقام للقتلى من المتظاهرين على أيدى قوات الأمن للتحريض على المزيد من الاحتجاجات. لكن هل يعنى هذا أن سلاسل العزاء المتواصلة لمن سقطوا من المتظاهرين يمكن أن تؤدى إلى تصاعد دوامة الاحتجاجات، لتطيح فى النهاية بالنظام السياسى فى إيران؟ لا أعتقد أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث. أولا: كان لآية الله منتظرى وضع فريد فى تاريخ الجمهورية الإسلامية؛ وليس غريبا أن تجتذب الحشود مصادفة اجتماع عزاء اليوم السابع المقام من أجله مع احتفالات عاشوراء. ولابد أن ذكرى الأربعين لوفاته التى ستحل فى 29 يناير والاحتفال فى أوائل فبراير بذكرى ثورة 1979 ستشجع على الأنشطة الجماهيرية. لكن ليس ثمة فى تاريخ الجمهورية الإسلامية ما يشير إلى أن احتفالات العزاء التى ستقام مستقبلا لأولئك الذين سقطوا فى مظاهرات عاشوراء ستحظى بالاهتمام نفسه. على سبيل المثال، أثار اغتيال أربعة من أبرز المثقفين، فى أواخر 1998، الذى قيل إنه تم على أيدى ضباط من الاستخبارات، غضب الجماهير. لكن إقامة العزاء للضحايا لم يؤد إلى قيام المظاهرات على نطاق واسع. وفى 1999، قُمعت مظاهرات الطلبة التى شملت الأمة بعنف، ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص واعتقال 1200 آخرين. ومرة أخرى، لم تؤد مناسبات عزاء من سقطوا إلى مظاهرات جديدة مهمة. وبالطريقة نفسها، وفى أعقاب الانتخابات الرئاسية فى يونيو، لم تؤد وفاة بعض المتظاهرين على أيدى قوات الأمن حتى تلك التى أقيمت لندى سلطان، التى حظى مقتلها بأكبر قدر من الاهتمام فى عصر اليوتيوب إلى المزيد من الاضطرابات. وعلى المنوال نفسه، لم يؤد عزاء اليوم السابع لأولئك الذين سقطوا أثناء احتجاجات عاشوراء إلى مظاهرات مهمة فى إيران. ومن الواضح أن مقارنة احتجاجات عاشوراء بسقوط جدار برلين فى 1989، وتوقع مواصلة التصعيد أمر خيالى. وستستمر حكومة الجمهورية الإسلامية فى حكم إيران. وحتى إذا كانت هناك تغييرات فى بعض المناصب القيادية مثل حلول على لاريجانى، رئيس البرلمان، محل الرئيس أحمدى نجاد، كما يروج بعض الغربيين فإن هذا لن يغير جوهريا من سياسة إيران الإقليمية، أو برنامجها النووى أو غيره من المسائل المثيرة للقلق. وتشوه الجهود الدبلوماسية الفاترة التى تبذلها إدارة أوباما مع طهران هذا التواصل. والنتيجة هى تزايد أنصار الخيارات المتشددة بين الأطياف السياسية فى أمريكا. وسيسىء الرئيس إلى المصالح الأمريكية إن هو انتظر عبثا حتى «تحل» الآليات السياسية الإيرانية مشكلات السياسة التى ينتهجها تجاه إيران. وعلى الرئيس أن يحذو حذو ما حدث مع الصين كنموذج. فمنذ انفتاح الرئيس ريتشارد نيكسون على الصين (الذى تم أثناء الثورة الثقافية)، كانت الإدارات الأمريكية المتتالية من الحكمة بحيث لا تجعل الخلاف السياسى سواء بين النخبة الحاكمة أو بين الدولة والجماهير، كما هو الحال بالنسبة لاحتجاجات ميدان تياننمن والحركة الانفصالية فى سينجيانج يبعد واشنطن عن التواصل الدائم والإستراتيجى مع بيجين. وعلى الرئيس أوباما أن ينهج نهجا مماثلا فى التعامل مع إيران. New York Times Syndication