دعت حملات شعبية عبر منصات التواصل الاجتماعي لمقاطعة بعض المنتجات والشركات، بداعي مساندتها لإسرائيل في عدوانها الأخير على غزة، مع الترويج لبدائل أخرى محلية. وتمثلت الانطلاقة الحقيقية لتلك الحملات في أول أيام العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أعلنت شركة مطاعم بارزة عن تقديم 4 آلاف وجبة مجانية لجنود الاحتلال. تأتي تلك الدعوات باعتبارها سلاح معارضة ضد الاحتلال الإسرائيلي وداعميه، على الرغم من تأكيد الوكلاء المصريين عدم مسئوليتهم عن القرارات الداعمة التي تصدر من الشركات الأجنبية الأم، وتحذير البعض الآخر من تأثير ذلك على العمالة وخسارة استثمارات كبرى. وتابعت "الشروق" ذلك عن قرب، فأجرت جولة داخل أحد المراكز التجارية بالقاهرة، ولُوحظ في أحد مراكز تسوق الأغذية تصدر لافتات لدعم الشعب الفلسطيني وتقديم المساعدات إليه بملايين الجنيهات من خلال الهلال الأحمر، مع الإشارة في مواضع أخرى إلى أن العلامة التجارية مملوكة بالكامل لمجموعة اقتصادية عربية، ومنفصلة تماما عن الشركة الفرنسية صاحبة السلسلة في بلاد مختلفة من العالم. - تباين في آراء المواطنين حول دعوات المقاطعة وفي ممرات التسوق أجرت "الشروق" حوارا مع بعض المواطنين، بالقرب من قسم المشروبات الغازية، وقال علي، طالب جامعي، إنه تابع بالتأكيد حملات مقاطعة الشركات الأجنبية الداعمة لإسرائيل، وبالفعل تخلى عن شرائها منذ أسبوع، ولجأ لبدائل أهمها مشروب شعير من الصناعة المصرية. ومن جهة أخرى، رأت منى، ربة منزل، أن دعوات المقاطعة لابد أن يتبعها تحسن في جودة المنتج المحلي، ليكون قادرا على المنافسة، وهو ما لم نلمسه حتى الآن، ما يجعله بعيدا عن حسابات مخزون السلاسل الكبرى، ما يجعلنا نقبل مضطرين بالمنتج الأجنبي رغم دعمه لأعدائنا. وبالتحرك لمنطقة المطاعم "فود كورت"، بدا على شاشات الدعاية لأحد المطاعم شعاره المعتاد مضافا إليه العلم الفلسطيني، في تأكيد على دعم القضية الفلسطينية، وبسؤال لأحد زبائنه، قال إن لديه دوافع كثيرة لمقاطعة المطاعم صاحبة العلامات الأجنبية، فهو أضعف الإيمان لدعم الأشقاء وشركاء الدم العربي من الشعب الفلسطيني، فضلا على أنها في الآونة الأخيرة تغالي بشكل كبير في أسعارها مع انخفاض مستوى الجودة الذي أجد له بدائل أخرى في المنتجات المصرية. وفي المقابل، توجهنا لأحد مطاعم السلاسل الأمريكية، والتي نالت نصيبا كبيرا من دعوات المقاطعة، على الرغم من تأكيد الشركة التي تديرها في مصر بأنها منفصلة بشكل تام في قراراتها عن الفروع الداعمة لإسرائيل، مع إعلانها عن التبرع للشعب الفلسطيني. وبسؤال سيدة اشترت إحدى الوجبات لطفليها، قالت إن أبنائها تعودوا على ذلك المطعم ووجباته؛ لذلك من الصعب أن أقنعهم بغيره مع عدم إدراكهم للأبعاد والقضايا السياسية، وأعتقد أن الشركة أكدت أنها غير تابعة لأي كيان داعم لإسرائيل، فمن غير المجدي مقاطعتها والوقوف كعقبة أمام مصادر رزق آلاف من الشباب المصري. بينما قال شاب آخر، إنه جاء لذلك المطعم بداعي الاستفادة من العروض التي يقدمها المطعم عبر تطبيقه الإلكتروني. - دعوات المقاطعة بالقليوبية والجيزة وفي أحد أسواق القناطر الخيرية بالقليوبية، أوضحت هدى، ربة منزل، أنها تدعم المقاطعة بشدة، مؤكدة أن المنتجات الأمريكية والفرنسية وأي منتجات تساهم في تمويل الاحتلال الإسرائيلي بشكل أو بآخر لا يجب شرائها حتى لا تساهم في قتل الفلسطينيين، حد قولها. وقالت هدى: "بالرغم من صعوبة الأمر في البداية إلا أنني بعد أسبوعين من المقاطعة تعرفت على أنواع بديلة، وهو ما جعلني أذهب لأسواق القناطر، وهي بعيدة عني لأجد البدائل المصرية"، مؤكدة أنها مصممة على مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال بكل ما تستطيع إليه سبيل. وفي الوقت ذاته، أكد أصحاب محلات المواد الغذائية في مناطق متفرقة بالجيزة، أن الطلب تزايد على بعض المنتجات مصرية الصنع، خاصة المياه الغازية، خصوصا أن جميعها أمريكية الصنع، والأنواع المصرية ليست متوافرة بقوة. وأشاروا إلى أنه مع تزايد دعوات المقاطعة أصبحت طلبياتهم على المنتجات مصرية الصنع متزايدة. وأضاف أحمد، صاحب محل مواد غذائية بالوراق، أن الطلب على بعض المنتجات الغذائية المصرية تزايد بشدة، مؤكدا أن بعض زبائنه أصبحوا يسألونه عن كل منتج إن كان مصريا أم لا، وفي بعض الأحيان يترك الزبائن البضاعة المستوردة ويطلبون المنتج المصري البديل. ولفت أحمد إلى أنه بالرغم من تلك الدعوات إلا أن الشريحة الأكبر من المواطنين لا يسألون عن المنتجات بل يشترون ويذهبون، لكن لُوحظ في الفترة الأخيرة أن هناك شريحة لا بأس بها تركز على كون المنتج محلي الصنع أم لا. - الأطفال يقاطعون ومن الملفت خلال جولة "الشروق"، رؤية الأطفال داخل أحد محال البقالة "سوبر ماركت" بشمال الجيزة، يتساءلون، "دي مقاطعة ولا معانا؟". وسألنا رضوى، 12 عاما، عن مدى معرفتها بالمقاطعة، وقالت: "والدتي أخبرتني أن المنتجات الأمريكية تدعم إسرائيل في قتل أخواتها بغزة، ويجب ألا نساعدهم في ذلك". وأشارت رضوى، إلى أنها تعلم جيدا ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، وأكدت أنها قررت تطبيق المقاطعة حينما علمت أن أمريكا هي من تساعدها على ذلك، وهو ما اقتنع به أخيها الصغير أحمد أيضا، البالغ من العمر 7 سنوات. وأوضح أحمد، أنه يسأل عن المنتجات إذا كانت تدعم إسرائيل أم لا، وعندما يعلم أنها لا تدعمها يشتريها وغير ذلك يعيدها لصاحب المحل. - افتقار المنتج المحلي للجودة تلك الحالة من المقاطعة لا يطبقها الجميع، ففي مدينة نصر، تقول إيمان، مهندسة معمارية، إنها غير متحمسة بشكل كبير لدعوات مقاطعة الشركات الأجنبية التي تمتلكها دولا داعمة لإسرائيل، خاصة في المنتجات التي ترتبط بالاستهلاك المنزلي بشكل مباشر مثل الأطعمة أو منتجات التنظيف؛ حيث إن المنتجات المحلية البديلة تفتقر معظمها للجودة العالية ولا تقارن مع نظيرتها الأجنبية. بينما رأت، أنه من السهل نسبيا التخلي عن المنتجات الترفيهية مثل الملابس وتطبيقات المنصات الفنية التي تعرض الأعمال السينمائية والدرامية، كنوع من وسائل الضغط على الكيانات الداعمة لإسرائيل، وذلك انطلاقا من مقولة ما "لا يدرك كله لا يترك كله". وأشارت إلى أن تعودت مع تلك الدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية والدنماركية في قضية الرسوم المسيئة، أنها تأخذ منحى تصاعديا وتلقى قبولا وقاعدة واسعة من المواطنين؛ لكن مع مرور الأيام يقل التمسك بالمقاطعة وتعود الأمور لما كانت عليه سابقا، وما يؤكد ذلك أن الشركات الأجنبية لا تزال تعمل في السوق المصري إلى الآن.