نقيب الأطباء يطالب بتشديد عقوبات الاعتداء على الأطقم الطبية    طلاب المرحلة الابتدائية عن امتحان الرياضيات: سهل وحلناه في 5 دقائق    عقب تدشينه كنيسة العذراء.. البابا تواضروس: مصر في قلب الله    التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية بمركز سقارة لرفع كفاءة 159 من العاملين بالمحليات    انطلاق فعاليات الملتقى التوظيفي الأول بجامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر غدًا    وزيرة التضامن تشهد عرض المدرسة العربية للسينما والتليفزيون فيلم «نور عيني»    مياه الجيزة تطلق حملة "اعرف أكتر"    غدًا | وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات «يوم مؤسسة التمويل الدولية في مصر»    «الصناعات الغذائية» تبحث تحديات شركات الأسماك المؤهلة للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي    على مدار 3 سنوات.. الدولة تسترد 2.3 مليون متر مربع أراضي زراعية    التشغيل التجريبي الأربعاء.. وزير النقل يتفقد المرحلة الأولى من السيارات الكهربائية بالعاصمة الإدارية    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    جيهان مديح ل«إكسترا نيوز»: لا يوجد دولة قدمت ما قدمته مصر لدعم غزة    مودريتش يرحل عن ريال مدريد، والقميص 10 من نصيب مبابي    تشكيل مانشستر سيتي – تغيير وحيد في مواجهة فولام    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالم للإسكواش 2024 المقامة بنادي بالم هيلز الرياضي    محافظ الشرقية يهنئ فريق هوكي الرجال بالفوز بالدوري الممتاز للمرة ال33    الداخلية تستعرض جهود تحقيق الأمن ومواجهة أشكال الخروج عن القانون    «الأرصاد» تكشف تفاصيل طقس اليوم: أجواء ربيعية حارة في النهار    محامي شقيقين بقضية مقتل 3 مصريين بقطر يطلب 10 مليون تعويض    وزيرة التضامن: 171 مشرفًا لحج الجمعيات.. «استخدام التكنولوجيا والرقمنة»    بسبب أحمد السقا.. هشام ماجد ثالثًا في شباك تذاكر أفلام السينما ما القصة؟    تعرف على إيرادات فيلم السرب أمس الجمعة    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    أخصائي صحة نفسية يقدم روشتة للتخلص من جلد الذات (فيديو)    ومن الحب ما قتل.. سر إنهاء سمسار الإسكندرية حياته بطريقة بشعة    تداول أسئلة امتحان الكيمياء للصف الأول الثانوي الخاصة ب3 إدارات في محافظة الدقهلية    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم.. فرصة مانشستر سيتي الذهبية للصدارة    ضرب الشحات «قلمين».. اعلامية تكشف شروط الشيبي للتنازل عن قضيته (فيديو)    اللجنة العليا لمهرجان المسرح المصري تجتمع لمناقشة تفاصيل الدورة ال 17 (صور)    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    ما حقيقة فيديو باسم سمرة مع إنجي علي في برنامج «أسرار النجوم»؟    السفير المصري يلتقي وزير الخارجية بجنوب السودان    فيديو.. متحدث الأونروا يروي تفاصيل اعتداء مستوطنين متطرفين على مقر الوكالة بالقدس    وزيرة الهجرة توضح آخر مستجدات مبادرة السيارات    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لكأس الأمم الأفريقية    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد المستشفيات والوحدات الصحية بالأقصر    جهاز المنصورة الجديدة: بيع 7 محال تجارية بجلسة مزاد علني    مصرع مهندس في حادث تصادم مروع على كورنيش النيل ببني سويف    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    توقعات موعد عيد الأضحى 2024 في الجزائر: شغف وترقب    توريد 164 ألفا و870 طن قمح بكفر الشيخ حتى الآن    لهذا السبب.. بسمة بوسيل تتصدر تريند "جوجل"    صحة أسيوط: إحالة 7 أطباء ورئيسة تمريض للتحقيقات العاجلة    "لا يتمتع بأي صفة شرعية".. الإمارات تهاجم نتنياهو بسبب تصريحاته الأخيرة    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    بعد قطع العلاقات الدبلوماسية.. رئيس كولومبيا يدعو «الجنائية الدولية» لإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مياه الشرب بالجيزة: عودة الخدمة تدريجيا لمناطق الحوامدية    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع اليوم.. وحقائق الأمس
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 10 - 2023

بعد حرب سريعة، يهجر الأرمن اليوم «قره باخ» (الجبل المسمى أيضا ناجورنو كاراباخ أو أرتساخ) وسيحل مكانهم الآذريون، كنهاية لصراع عرقى دام طويلا فى منطقة متعددة الإثنيات كان الكرد يشكلون سابقا جزءا أساسيا من سكانها. هكذا كانت الحروب دوما فرصة لتغيرات جوهرية فى تركيبة السكان، حيث تعمل القوى المنتصرة فيها على «إدارتها» بهدف إقامة «عالم جديد». هكذا أدت الحرب العثمانية الروسية ثم العالمية الأولى إلى طرد السكان الأرمن والأشوريين من مناطق أضحت اليوم مواطنا للقوميتين الكردية والتركية، وتم فى السياق نفسه طرد الشركس من القوقاز إلى بلاد الشام وتم الاستبدال الكبير بين المسيحيين والمسلمين فى الأناضول واليونان والبلقان. لقد زالت الإمبراطورية العثمانية ذات الأعراق والأديان المتعددة وحلت مكانها دول «قومية». وهكذا أيضا شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية ثم الحقبة الستالينية فى الاتحاد السوفيتى تغيرات كبيرة فى حدود الدول الأوروبية وهجرات نهائية للسكان أنهت وجود الكثير من «الأقليات».
• • •
عرف المشرق العربى أيضا تغيرات كبيرة فى سكانه خلال القرن العشرين، من هجرات «السفر بر» نحو الأمريكيتين، وهجرات المسيحيين إلى لبنان من جواره، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، واغتراب العمل إلى الخليج، وصولا إلى النزوح واللجوء الكبير للسوريين خلال حربهم الأهلية الأخيرة.
وخلال القرن العشرين، انبثقت فكرة مشروع «العروبة»، وعلى خلاف القومية التركية، بالتحديد كرفض لشرذمة سكان المنطقة فى دول «قومية» صرفة أو فى دول وحيدة المعتقد الدينى أو ذات المذهب الواحد، وكذلك انبثقت لمواجهة خطر مشروع صهيونى استيطانى لم يظهر فى 1948 بل فى الحقيقة منذ نهايات القرن التاسع عشر.
لكن مشروع «العروبة» عرف هزيمته سنة 1967، مع بداية التحول التدريجى ليس فقط نحو دول وطنية تبقى هوياتها الداخلية متعددة، بل مؤخرا نحو تفكيك الدول الوطنية ذاتها على أسس إثنية أو مذهبية. وأضحت الدولة الصهيونية هى «الواقع» و«النموذج» فى المنطقة فيما يخص طريقة «إدارة» الهجرات الوافدة و«الأقليات» المتواجدة بهدف تهجيرها البطىء. وتغيير الديموغرافيا يرافقه تحريف للتاريخ. ومع فقدان محور لبنان سوريا العراق القدرة على إدارة تنوعه الذى ما زال كبيرا، عروبيا ووطنيا. بل أضحى هذا التنوع بمثابة «الشذوذ» أمام «الواقع» و«النموذج» ودخل فى «هشاشة» مستدامة تتحمل مسئوليتها «النخب» المحلية والقوى النافذة الإقليمية والدولية.
كثرٌ نسوا اليوم لماذا أنشئت أصلا الجامعة العربية سنة 1944، فى وقت لم تكن فيه الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها ولم تكن الاحتلالات العسكرية الخارجية قد زالت؟ إذ كان وراء ذلك النشوء تخوّف من إعادة ترتيب المنطقة تبعا لإرادة القوى العظمى المنتصرة، ومن المشروع الصهيونى الذى كان يجرى العمل حثيثا على تأسيسه. موضوعان أساسيان كانا فى صلب نقاش تأسيس الجامعة: الدفاع المشترك... والاقتصاد المشترك. وكلاهما... ذهبا مع الرياح سريعا، لتنخرط بعض الدول العربية المستقلة حينها فى مؤتمر سان فرنسيسكو وتأسيس الأمم المتحدة.
• • •
بالطبع أضحت «إسرائيل» واقعا يفرض نفسه اليوم. وهذا الواقع هو دوما مركز اهتمام الإدارات الأمريكيّة والمشرّعين الأساسى، وكذلك هو أحد شروط التعاون بين الاتحاد الأوروبى – الذى أنتج اقتصادا ودفاعا مشتركين – وبين الدول العربية. ومهما كانت الانتقادات الأمريكية والأوروبية الخافتة للانتهاكات الإسرائيلية لم تؤدّ يوما إلى الإقرار الصريح ب«التمييز العنصرى»، الذى هو أيضا واقع، ولا إلى إدانة الاحتلال.
أمام هذا الواقع، تم الدفع بقوة نحو «التطبيع» وليس «السلام». والفرق شاسع بين هذا وذاك. فالسلام يعنى مرجعية قرارات الأمم المتحدة، ويعنى مبدأ «الأرض مقابل السلام» الذى تبنته القمة العربية فى بيروت عام 2002 بمبادرة أتت أصلا من المملكة العربية السعودية... أى عودة إسرائيل إلى حدود عام 1967. وفى حين أن اتفاقيات مصر والأردن مع إسرائيل لم تكن «تطبيعا» بل «اتفاقيات سلام»، استرجعت مصر مقابلها أرضها المحتلة فى سيناء وأبعَد الأردن محاولات تحويلها إلى وطن بديل للشعب الفلسطينى. أما «التطبيع» فهو فى شكله الرسمى علاقات دبلوماسية وإمكانية تنقل الأفراد والبضائع بين الدول، وفى شكله غير الرسمى هو تعاون خاصّة أمنى ضد مخاطر «مشتركة».
ويقوم «التطبيع» مبدئيّا على احترام ضمنى لسيادة ولسياسات الدولة التى يتم التطبيع معها وعلى عدم التدخل فى شئونها «الداخلية». أى ما يعنى القبول بالمستوطنات وبضم القدس الشرقية والجولان السورى وبغزة «السجن الكبير» وبسياسات «التمييز العنصرى»... ودون مقابل. وبما أن هذه القضايا تبقى جميعها شديدة الحساسية لدى شعوب البلدان العربية، يتم استخدام الرموز الآنية كى يتم تقبل «الواقع» تدريجيا، كالدفاع عن حلّ الدولتين الذى لم يعُد ممكنا عمليا أو المناداة بأولوية القضايا الوطنية على جميع القضايا «العربية». مثل نغمة «مصر أولا» و«الأردن أولا»... كما تقام مشاريع طموحة تغيّر الواقع الاقتصادى للمنطقة، من الهند وحتى... حيفا.
لم تكن القضية الفلسطينية يوما قضية دينية كى يكون نبى عنوانا لحل قضيتها... وللتطبيع. إنها فى الأساس قضية تهجير شعب من أرضه واستبداله بآخر. وعندما يصمد جزء من هذا الشعب على أرضه بكلفة بشرية وإنسانية كبيرة يجبَر على العيش فى ظل «تمييز عنصرى».
لا تأبه «لعبة الأمم» القوية بالتهجير القسرى للشعوب، بل تراها أحيانا حلولا لخلق وقائع تفرِض نفسها بنفسها وإن تطلب ذلك زمنا كى يتم نسيان التاريخ. بل تستخدم هذه الهجرات التى عملت عليها كأداة فى صراعات نفوذها الواحدة ضد الأخرى، وكى يتم الأخذ إلى صراعات إثنيّة ودينية أو مذهبية جديدة أو إلى صراعات بين المواطنين والمهجّرين كما شهدت ساحتا الأردن ولبنان.
• • •
يبقى أن العصر الحالى هو عصر تهجير كبير للسكان على المستوى العالمى من جراء الصراعات المفتوحة، حسب ما تذكره الأمم المتحدة. والقضية الإنسانية والسياسية الكبرى هى كيفية تعامل الدول والشعوب مع قضايا التهجير والهجرات والمهاجرين والمهاجرات. ليس أساسا لإغاثتهم و«تبرئة الضمير» ووضعهم فى خيم بانتظار أن ينسى الزمن تهجيرهم وأن يندمجوا، بل أن تعود الإنسانية إلى إنسانيتها عبر نبذ التمييز العرقى والدينى والمذهبى وعبر اعتبار المهجرين والمهاجرين بشرا مثل كل الآخرين. وأن القبول بتهجير الآخرين القسرى يفتح مجالا للقبول بتهجير من قَبِلَ به... يوما ما.
إن العالم يحتاج إلى خطوات عميقة وكثيرة كتلك التى قام بها بشجاعة بابا الفاتيكان فى مرسيليا لتذكير الأوروبيين بأنهم جميعا أحفاد هجرات تاريخية وأن البحر المتوسط وغيره من البحور.. ليسوا مقابر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.