سيد محمود: فنون الرواية والمسرح والحوار السينمائى تكاملت فى رسائل الجنة «كاتب يملك أسلوبا خاصا، وأفكارا تعبر عنه وعن جيله بأكمله، يتفرد بلغة رشيقة تجمع ما بين الصحافة والأدب».. إشادات وجهها كوكبة من رموز العمل الثقافى والأدبى والصحفى بحق الكاتب أحمد سمير، أثناء حفل توقيع ومناقشة أحدث رواياته الصادرة عن دار الشروق، رسائل الجنة، الثلاثاء الماضى، والذى حضره المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق، والكاتب الصحفى خالد البلشى نقيب الصحفيين، وذلك بمقر دار الشروق فى ميدان طلعت حرب بوسط البلد. وقد جاء فى مقدمة الحضور وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازى، والدكتور عاطف معتمد، أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب جامعة القاهرة، الروائى والمؤرخ محمد عفيفى، الكاتب أحمد فؤاد الدين، والكاتب والناقد سيد محمود، والكاتب طاهر المعتز عبدالله، الكاتبة عزة سلطان، والعضو المنتدب للدار أميرة أبو المجد، وأحمد بدير مدير عام دار الشروق، والكاتب الصحفى عماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة الشروق. عدَّد الحضور مجموعة من أهم مقومات رواية «رسائل الجنة»، والتى رأوا فيها انعكاسا لحالة انشغال أحمد سمير بهموم المجتمع وقضاياه، مع تناول روائى مميز جمع داخل النص الواحد بمجموعة من الألوان الأدبية التى تراوحت ما بين الرواية والقصة القصيرة والحوار والكتابة المسرحية. وقال الكاتب أحمد فؤاد الدين إن معرفته بالكاتب أحمد سمير تمتد لسنوات طويلة منذ العام 2005، عرفه خلالهم كاتبا متميزا، وأحد أهم كتاب المقالات خلال العشر سنوات الأخيرة، موضحا أنه قد بدأ أول أعماله الروائية فى العام 2017، وصولا إلى كتابة رواية رسائل الجنة التى نحتفى بها. وواصل: الرواية تتحدث عن موضوع رئيسى ممتد عبر 3 أجيال مختلفة، ولكنها غير مكتوبة بشكل كلاسيكى تقليدى، وإنما على العكس تماما، فالرواية بها مساحة ضخمة للتاريخ، كما نلمس فيها المقال الصحفى، والسيناريو، والمسرحية والقصة القصيرة، وأن هناك جزئية لافتة قام بها أحمد سمير، أنه قدم للقارئ مكاشفة فورية ولحظية منذ الصفحات الأولى، سيموت البطل، هكذا أعلنها للقارئ، ورغم ذلك سوف يتملكك شعور بضرورة مواصلة ما سوف يدور، وفى رأيى هى طريقة شديدة الذكاء لكى يرفع العبء عن كاهل الأحداث، ويضع الاهتمام كله على «ما وراء الأحداث». وأضاف: الرواية تتحدث عن منظور 3 أجيال لمشكلة الشباب مع مسألة «عدم ممارسة الجنس»، دون أن يكون هناك أى شىء خارج عن السياق أو مثير للإزعاج بالنسبة للقارئ، على العكس تماما، جدية كاملة واحترافية فى التناول، وتوزيع الأدوار ما بين الحديث عن تلك المسألة من جانب كل الأطراف فى الرواية، حيث أفكار جادة عن المصير والقهر الاجتماعى والمشاعر والعواطف، التى لا تعتبر «تيمة سهلة» تماما وإنما معقدة وتستدعى مجهودا كبيرا فى الكتابة. وأفاد فؤاد الدين: الراوى سوف تربطه علاقة بالقارئ الذى ينتظر تعليقاته الشيقة على الدوام، سوف ينتظره عبر صفحات الرواية من شدة خفة ظله وظهوره الهام على مدار صفحات «رسائل الجنة»، ليوجه بعدها سؤالا للكاتب أحمد سمير، عن سر اختياره لمسألة «القهر الاجتماعى» كموضوع للرواية. أما على صعيد اللغة، فقال الكاتب أحمد فؤاد الدين، إنها جاءت مختلفة تماما عن أعمال سابقة للكاتب أحمد سمير، والتى غلب عليها روح المقال الذى تميز به سمير، لتأتى «رسائل الجنة» بحالة اختلاف ملحوظ عن ذلك، حيث الجمل القصيرة، الأفكار المكثفة، برشاقة معهودة، وتعليقات من الراوى لها طابع خفيف، رد الكاتب أحمد سمير موضحا بأنه فى أعماله الأولى لجأ إلى حبكة تتعرض فيها أجيال عديدة وكثيرة لقضية ما واحدة، وفى أحدث أعماله واصل السير على هذا النهج، حول 3 أجيال تتعرض لظروف وتداعيات عديدة، وسط هاجس أساسى يدور حولهم، وهو «القهر أو الكبت الجنسى». وأضاف أحمد سمير: القرار المتعلق بالإفصاح فى أول صفحة عن وفاة البطل، أن الرواية ليس رواية «تشويق»، وإنما هناك «حواديت» عديدة مشوقة فى ذاتها، فلا يقتصر اهتمام القارئ عما سيحدث للبطل، وإنما التعليق على ما يدور كمساحة أكبر من أى حدث، وسط سخرية من البطل لما يحدث، والرواى فيها يعرف كل شىء، وبملك رؤية لكل ما يدور، ويملك انحيازاته الواضحة على الدوام. رأى سمير، بأنه بالنسبة لأى صحفى هناك عوائق تقابله بسبب اختلاف الطريقة عن الأدب، ففى الصحافة، يكون هناك هاجس دائم لدى الكاتب باستخدام كلام فى نطاق محدود للغاية، مع استبعاد دائم للكثير من المصطلحات، فهى لغة ربما تكون أسهل ولكنها محدودة، ولكن فى الأدب هناك شىء مغاير يحتاج عملا أكبر وتعبيرا أدق ومراعاة للسرد والحبكات وهكذا. وواصل سمير، هناك رسائل كثيرة بالعامية فى الرواية، ولكنى لا أريد استخدامها بشكل عامى بحت، كما أننا نجد أن أكثر من ثلث الرواية يقوم على فكرة «الحوار» الذى لم أرد له أن يكون «عاميا» للغاية فذائقتى الأدبية ترفض ذلك بالأساس، لذا فقد جاء استخدام الكلمات بعناية لتكون ما بين العامية والفصحى، وهى مسألة ليست سهلة على الإطلاق. واستطرد: المسرحية فى الرواية بها شخصيتان تعرفان أنهما يقومان بأدوار معينة بطريقة ما بها وعى ذاتى، وباقى الشخصيات تشعر بعدم رضا لاحتياجاتهم فى تأدية ما يريده جمهور آخر، وأضاف أن هناك عددا من الأشكال الأدبية فى هذا العمل، ما بين الكتابة المسرحية، والحوار السينمائى، والقصة القصيرة وكان اللون الأدبى الأكثر صعوبة وسطهم، هو مستوى الكتابة المسرحية، التى يجب إيصالها للقارئ بسلاسة، وكان أمر مجهد وشاق ولكنه خرج بشكل أرضى عنه تماما. وأفاد بأن: الشخصيات النسائية فى العمل كانت تبحث عن حلول وتتخذ زمام المبادرة، وكان لديهن تساؤلات دائمة، ودهشة تدفعهن لاكتشاف المزيد، عكس باقى الشخصيات. كما أوضح سمير: أكتب دائما عن شىء يشغلنى بالضرورة، ربما يكون نفس الشاغل لدى جيلى بأكمله، ولكنى أكتب دائما عما يشغلنى ويدور فى ذهنى بشكل خاص وشخصى، وعن المحافظة على الإيقاع الخاص بالعمل، فقال: إن قناعتى الشخصية تذهب لأن البراعة تكمن فى كيفية جذب قارئ ربما لا يكون مهتما بأى شكل عما تكتبه، ولا تعنيه تلك الحدوتة على وجه الخصوص، ولكن أن تجبره على المواصلة حتى النهاية، وهو «تحدٍ» يتجدد أيا كان الوسيط الذى أكتب فيه، سواء مقال أو رواية. وتابع: لا يجب أن يهتم الكاتب بإرضاء الجميع، لا يجب أن ينشغل الكاتب بمدى رضاء 400 مليون عربى عما تكتب أو يكون هناك إجماع على رد الفعل، لا يجب أن يهتم الكاتب بمخاطبة الكل، وإنما لو خرج بفئة محدودة أقل من الرقم السابق بكثير، فاعتبر ذلك انتصار حقيقى. كما أشار إلى أن شخصية جنة لديها تساؤلات طفولية عن أمور بديهية مع الوقت لم يعد البشر يدركوها بشكل حقيقى، وتأتى «جنة» لتثير الدهشة حول تلك الأمور، عبر أسئلة حقيقية قد يراها البعض ساذجة لحداثة عمرها. فيما تطرق المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشروق إلى أحمد سمير والمجهودات التى يبذلها كمستشار لدار الشروق، حيث يقضى ساعات طويلة جدا فى قراءة عشرات الأعمال الجيدة لكتاب بحجم المؤرخ الكبير محمد عفيفى، وغيره، وكنت مشفقا عليه من الانهماك فى قراءة وتقييم نصوص ليس على المستوى المطلوب، وكنت أخشى أن ينعكس ذلك على أسلوبه فى الكتابة، إلا أن ذلك لم يحدث، وكانت روايته «رسائل الجنة» على قدر عالٍ جدا من الجودة والكفاءة، بخلاف امتلاكه لذائقة أدبية فريدة، وضمير إنسانى حى. بعدها قال المعلم: إنه فيما يتعلق بتناول القضايا التى تخص المجتمع والتاريخ، والقول بأنه لا يوجد تاريخ مزور وإنما وجهات نظر، فإن وجهات النظر أيضا قد تأتى وفقا لأقوال غير دقيقة، فقد شاع عن أن الأديب الكبير نجيب محفوظ قد قال بأن طه حسين وتوفيق الحكيم أحق منى بجائزة نوبل، وهو قول يدعم وجهة نظر غير صحيحة، فهو لم يقل ذلك، وإنما قال بأنه لو كان «أساتذتى الثلاثة على قيد الحياة إلى الآن، عباس محمود العقاد، وطه حسين وتوفيق الحكيم، كنت اتكسف أن أحصل على جائزة نوبل»، هو القول الصحيح، والمغلوط أنه قال بأنهم أحق منى، وهذا لم يحدث. وقد توجه المعلم بسؤال لأحمد سمير عن شهادات للآخرين بمدى براعته وإجادته فى فن المقال الصحفى، فهل سيستمر فى ذلك بعد أن باتت له روايات، وشهد بأن الكتابة الصحفية محكومة ومحدودة فى نطاق اختيارها للألفاظ، ليرد سمير: نعم سأواصل كتابة المقالات الصحفية، وقد توجه المعلم بسؤال للناقد سيد محمود، متعلقا بأن كبار الناشرين فى أوروبا يقيمون الرواية، وفقا لكونها «ميتة أو حية»، «جيدة أو غير جيدة»، فما هى الوسيلة العصرية، لتعريف القارئ الحالى بالعمل الجيد من عدمه. رد محمود بأن مناخ القراءة تغير فى مصر على مدار 20 عاما، وأن الحل فى رجوع المطبوعات المعنية بالكتابة والقراءة، وأن صحافتنا الثقافية تحاول أن تبذل جهدا لتعريف القارئ بالأعمال التى تستحق القراءة، ولكن الجو العام لا يساعدها لتحقيق الأهداف الخاصة بإبراز الأعمال الجيدة بشكل كافٍ. وأوضح سيد محمود، أن ظهور الراوى فى النص يبرهن على وجود مستوى من «الفصاحة» الأقرب إلى «اللغة الثالثة»، التى بها تداول يومى ويفهمها الجميع دون أن تكون عامية، فالراوى من داخل تلك الأساليب اللغوية يمكنه النفاد إلى عقل وذهن وقلب القارئ، حيث يملك الراوى منذ اللحظة الأولى تحررا ذاتيا من التعليق على الأحداث، وإنما يقوم بدور أوسع لكسر حدة «القضايا» شديدة الجدية فى النص، فبدا كما لو أنه يملك تصورات حاسمة، فكانت اللعبة السردية ممتعة دون أن تتقيد بشكل فنى محدد. وواصل: استخدام اللغة فى «رسائل الجنة»، تذكرت معه «يحى حقى» عن محيط السيدة زينب وعابدين وأماكن تحرك الأبطال. بعدها قال أستاذ الجغرافيا عاطف معتمد إن سمير يملك قمة العمق فى الكتابة مع البساطة فى التعامل الإنسانى، وتلك الثنائية هامة للغاية، لربما تبدو سهلة ولكن صعوبتها فى أنها يجب أن تظهر فى الكتابة والتحلى بالصبر على النص، وأنه دوما ما يقوم بالمغامرة فى النص مع تصديق نفسه وذاته للغاية وهو ماينعكس على قوة النص. أردف بالقول: حينما نريد كتابة ما دار فى العشر سنوات الماضية على الصعيد الاجتماعى، الأحداث وما يرتبط بدور الشخصيات فيها، سنجد أن أحمد سمير قد برع فى ذلك، من حيث تسليط الضوء على الشخصيات المقهورة، حيث تتوه تلك الشخصيات فى زحام الأحداث، ولكن دور الأدباء النابهين، هو عدم إفلات ما تعرض له تلك الشخصيات وما قاموا به. أحمد سمير ليس كاتبا فقط، وإنما ناقد كبير أيضا حيث يبرع فى تفكيك أى غموض أو إبهام لأى نص يقوم بقراءته، فهو حينما يمارس الكتابة، يضع فى ذهنه الكيفية التى سوف يتلقى بها القارئ هذا النص. كما قال الكاتب طاهر المعتز بالله، إن كتابات أحمد سمير، ليست ممتعة فقط، وإنما بها إفادة قيمة على الدوام، وأنه قد كان أحد أكثر الملهمين بالنسبة لى، وكان يشجعنى على الكتابة، لم يبخل بما لديه من علم ووقت ودراية وخبرة، فهو على المستوى الشخصى يملك الموهبة والشجاعة والفكاهة، وهى سمات مطلوبة لإبداع النصوص المتميزة. وواصل: فى «رسائل الجنة» يضع أحمد سمير الضوء بشكل مباشر ودون مواربة على مشكلاتنا الاجتماعية، بطريقة شيقة وجذابة ولكنه يمضى فى إيقاع لم يهتز فى كلمة واحدة على مدار صفحات الرواية.