ليلة جميلة شهدها حفل نظمته دار الشروق الأربعاء الماضى فى قنصلية وسط البلد، تزامنا مع إطلاق الدار لرواية حمدى أبو جليل الأخيرة «ديك أمى». غلف الليلة حب وتقدير وفرح على الرغم من الغياب لمشروع حمدى أبو جليل ولروايته الأخيرة، التى ظهرت بغلاف بديع للفنان أحمد اللباد، مؤكدين أننا أمام «روائى من طراز فريد، استطاع التعبير عن أفكاره الخاصة، التى وضعها فى قوالب لغوية تمردت على المألوف»، وهى توصيفات أطلقها عدد من كبار الكتّاب والأدباء على الكاتب الراحل حمدى أبو جليل. 6 مشاهد كبرى جمعت الصورة الكبيرة لتلك الليلة البديعة تنظيما وكلاما وإخراجا لها، والمشاهد كالتالى: • المشهد الأول: حضور كبير للوسط الثقافى والأدبى.. وإبراهيم المعلم وهشام مطر أبرز الحضور حرص عدد كبير من رموز العمل الأدبى والثقافى على حضور الأمسية، وكان فى استقبالهم، المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشروق، وهم الكاتب العالمى هشام مطر، والروائية ميرال الطحاوى والكاتبة ميسون صقر والكاتب عمرو العادلى، والروائية رضوى الأسود، والروائى أحمد صبرى أبو الفتوح والكاتب الصحفى سيد محمود والكاتب صبحى موسى والباحث نبيل عبدالفتاح والكاتب أشرف أبو جليل والدكتور عاطف معتمد، والفنان أحمد اللباد، والكاتبة منى الشيمى، والكاتبة رشا سنبل، والكاتب محمد الشماع، والسيناريست محمد هشام عبية، والكاتب وحيد الطويلة والكاتب محمد شعير والكاتب خالد البرى والكاتب ياسر عبدالحافظ والكاتب أحمد العايدى والكاتب سمير جريس والكاتبة هدى أبو زيد والكاتبة سمر عادل والكاتب حمدى الجزار والإعلامى خالد منتصر، فى حضور أميرة أبو المجد العضو المنتدب بدار الشروق، وأحمد بدير مدير عام الدار، فضلا عن حضور أسرة الكاتب الراحل حمدى أبو جليل: السيدة تهانى وأبنائه هشام وهالة ودنيا، ومعهم بعض الأطفال الذين كانوا يضحكون بصوت عال وبفرحة شديدة لحضور تلك الليلة الجميلة. • المشهد الثانى: كلمات المنصة.. حب ووعى نقدى لمشروع أبو جليل محمد بدوى: السخرية سلاح حمدى أبو جليل الروائية.. شعبان يوسف: أبو جليل ضرورة روائية فى حركة الأدب المصرى طارق إمام: أبو جليل كان يسخر للهروب من النوستالجيا واللغة الجمالية وأغانى البدو هشام أصلان: «ديك أمى» خطوة منطقية فى المشوار الأدبى لحمدى أبو جليل أدار النقاش بالأمسية باقتدار الكاتب هشام أصلان، الذى تربطه بأبو جليل علاقة صداقة قوية خاصة أن أبو جليل كان تلميذا للكاتب الكبير إبراهيم أصلان، تلك الأمسية التى تحدث فيها الناقد الأدبى الدكتور محمد بدوى، والناقد شعبان يوسف، والكاتب والروائى طارق إمام. قال هشام أصلان، إننا فقدنا كاتبا شديد الخصوصية ومبدعا لديه بصمة خاصة، وكان رحيله مروعا لكل من عرفوه واهتموا بأدبه، علينا الاحتفاء بصدور رواية حمدى أبو جليل الأحدث، والتى حينما قرأت نسختها الأولى فى مرحلة المسودة، اعتبرتها خطوة منطقية فى مشروع حمدى أبو جليل الأدبى، حيث إنها ناحية جديدة فى الاستغراق بعالمه عبر نافذة جديدة تتعلق بتيمة «مشوار الأم» فى المجتمع البدوى، ويحيلنا ذلك إلى عالم خاص شكله أبو جليل وتفرد به. وتابع أصلان: حمدى أبو جليل كان سيسعد بوجود تلك الأسماء التى حضرت اليوم لمناقشة عمله، أنا متأكد من ذلك. الناقد محمد بدوى قال إننا جميعا نعرف حمدى أبو جليل، وشخصيا حدثت بداية التعارف بيننا منذ زمن بعيد، حيث عرفنى عليه الصديق والكاتب محمد البساطى، وكان حمدى دائم الضحك والسخرية، ولم يكن قد وضع يده على أثمن ما فى موهبته بعد، لذلك حمدى أبو جليل كان روائيا ولم يكن قصصيا، فكان أميل إلى الكتابة التى تمنحه القدرة على الحركة ورسم اللوحات الواسعة التى تشبه التدفق السردى الذى يميزه، كان أبو جليل بالنسبة لى بخلاف كونه صديقا لا تمل صحبته شخصية ممتلئة بالحياة، ويعجز عن أن يمنع نفسه من إبداء رأيه فى كل شىء. استطرد: أتذكر أننا فى مناقشات حول أمور السياسة فى التسعينيات كنا نختلف كثيرا فى قضايا بعينها، وبعد ذلك فى مراحل لاحقة تراجع عن مثل هذه الآراء، فكان قادرا على أن يمتص كل جديد وحيوى ويمتلكه لنفسه، ويصبغه بصبغته، ومن المؤكد أن الجماعة المرجعية له وبخاصة أساتذته من كبار الكتاب والأدباء كإبراهيم أصلان وخيرى شلبى ومحمد مستجاب، قد أثروا فى تكوينه وتبصيره بمعنى الكتابة واللغة والإبداع. وواصل: نجد صورة وثيقة بين كتابة حمدى وكتاب الستينيات، حيث كانوا أبناء مقولة شهيرة جدا: «لا تكتب إلا عما تعرفه» وهذه المقولة تصبح خطيرة لأنها تضعف ملكة الاختلاق، والتخيل، وتجعل الكاتب مكبوح المخيلة، إلا اذا استطاع أن يحول حياته إلى أسطورة، وكل روايات حمدى أبو جليل تنتمى لروايات السيرة الذاتية، التى لا تعد فى ذاتها «رواية سيرة ذاتية» على الإطلاق، ولكنها الرواية التى تحول خبرة الذات فى إدراك العالم، وما مر به من أحداث وعلاقات بالمرأة والحب، إلى حدث يمكن أن يسرد وينتج معنى وحياة. كان كثير التأمل فى واقعه وحياته وذاكرته، والأخيرة كانت هى الأساس، ليس بمعنى كل ما حدث لنا، وإنما ابتكار سيرة ما، وحدث ما، عبر تأويله، لذا فإن حمدى أبو جليل انطلق من رواية السيرة الذاتية، حيث تتحول أحداث الحياة إلى قطعة أو نص لا يخلو من فعل «التخييل»؛ لذلك نجد أن كتابته لا تصنع «حبكة» أو ذلك النظام الذى يدخله الكاتب على الأحداث، وإنما إبراز العديد من المتناقضات وصناعة المعنى الذى يجعل النص ينبض بالحياة واستلهام الخبرات من الذاكرة والتجارب الذاتية وعكسها فى النص، حيث انتصار «الإنسان» على «الفنان» فى الكثير من المرات. فيما قال الكاتب والشاعر شعبان يوسف: يجب توجيه الشكر إلى دار الشروق للدعوة المتعلقة بالاحتفاء بالراحل حمدى أبو جليل وإطلاق أحدث أعماله «ديك أمى»، وكان كاتبا معروفا عنه سرعة البديهة، والسخرية الممزوجة بالتأمل الشديد، وأرى فى حمدى أبو جليل «ضرورة روائية» كان له مكانة خاصة للغاية، وتمتع بخصوصية حقيقية تميزه عن غيره. وأضاف يوسف: بدأت تطل شخصية «البدوى» من خلال كتابات ظهرت مع صعود نماذج مميزة من أمثال حمدى أبو جليل وميرال الطحاوى، مثل أعمال «أسراب النمل»، و«أشياء مطوية بعناية فائقة»، حيث يطل للتحدث عن بعض ما يخصه، والظهور كان متمردا لشخصية البدوى على يد ميرال الطحاوى وحمدى أبو جليل، والأخير استعان بالسخرية الشديدة فى تقديم تلك التيمة، وكان خيرى شلبى «الأب الروحى» له كما كان يعتبره، وأيضا كان يفضل «ميلان كونديرا»، والأخير كان يملك سخرية لاذعة تماما كما كان يفضلها حمدى أبو جليل. كان حمدى أبو جليل يصوغ كل أعماله بعناية وإخلاص شديدين، وكانت إطلالات شخصياته فى «الفاعل ولصوص متقاعدون»، مميزة للغاية للدرجة التى يمكن معها أن نقول حمدى أبو جليل وظهوره الصاخب فى بداية الألفينات كان «ظاهرة» أكثر من كونه مجرد كاتب عادى، وكانت تقع كتابته ما بين منطقة «السخرية الشديدة، والجدية الشديدة» فى الوقت ذاته، وكان حريصا بشدة على رواية السيرة الذاتية، حيث نفسه وذاته متواجدة طوال الوقت فى نصوصه وحكاياته. وأردف: كان حمدى أبو جليل يضع ذاته وأفكاره فى النص بطريقة تجعل منه امتداد وضرورة قصوى لكتابة الرواية المتقاطعة مع سيرة البدو بشكل دقيق للغاية، للدرجة التى تشعر معها بأنها ليست رواية حمدى أبو جليل، وإنما رواية «البدو» كعنصر مهمين طوال الوقت. ثم تحدث الكاتب والروائى طارق إمام، قائلا إن الشكر موصول إلى دار الشروق على نشر العمل الأخير لحمدى أبو جليل، ولن أتفاجأ بأننا قد نعثر على أعمال أخرى لهذا الكاتب والصديق الكبير، وأمسية الشروق هى فرصة حقيقية لكى نسترجع جزءا مهما من سيرة حمدى أبوجليل، باعتبارنا نسترجع جزءا من حياتنا الشخصية. وأوضح: عرفت حمدى أبو جليل فى مرحلة مبكرة عام 1993، فكنا نبدأ الكتابة حينها، وحضرنا مهرجانا ثقافيا فى كفر الشيخ، ورأيت حمدى أبو جليل هناك لتنشأ بيننا صداقة عميقة توطدت مع الأيام، وأعتبره جزءا حيا من ذاكرتى الشخصية، ولا يمكن الانفصال فى الحديث عن حمدى أبو جليل كإنسان، دون أن تستدعى شخصيته الإبداعية وكتاباته، والعكس صحيح. وأشار إمام إلى أن حمدى أبو جليل كان أحد المجددين فى الكتابة، وألقى بحجر فى مياه الكتابة والإبداع المصرى، ولا يمكن الاختلاف على ذلك، فكنا معتادين على أن السرد إما يأتى قادما من القاهرة وإما من الدلتا وإما من الصعيد، ولكن منطقة الكتابة عن «البدو» لم تكن موجودة على الخريطة الأدبية، وكانت التصنيفات منحصرة ما بين كتابة «المدينة والريف»، أو «القاهرة والصعيد»، ولكنه جاء ليطور السرد المصرى انطلاقا من مساحة جديدة ومدهشة متعلقة بالكتابة عن البدو. كان يملك القدرة على إدهاش القارئ والناقد طوال الوقت، ولم يكن يكتفى بأى دهشة مجانية فى منطقة الكتابة عن البدو، وإنما كان يريد أن يكون له أدب يثير الكثير من التعليقات وكسر الإيهام بأنك قد استطعت الإلمام بالمعانى التى يريد حمدى أبو جليل التأكيد عليها، وأعتقد أن حمدى أبو جليل كان ينظر للفخاخ التى فى طريقه بنفس القدرة التى كان يحدد بها ما يريد أن يفعل أو يصنع، فكان محددا فيما يريد أن يوجهه للقارئ على مستوى الموضوع واللغة وهكذا، وكان يريد أن يتجنب القوالب المصنوعة سلفا. وأفاد إمام بأن حمدى أبو جليل كان يخشى الفخاخ العاطفية فى الكتابة، وكان يهرب من النوستالجيا بالسخرية، وكان يريد أن ينجو بالنص الخاص به من أى فخاخ مسبقة الصنع، وبشكل شخصى كنت ألاحظ أن حمدى أبو جليل تميز بالسعى إلى الاستعانة ب«التخييل» فى أعماله. تابع: كان يريد أن يصل بعالمه إلى الهزلية، وكان يلجأ إلى السخرية التى تجعل القارئ «يضحك» بشكل راديكالى، كان يريد أن يصل بذلك إلى معانى عميقة، كما رأينا فى «لصوص متقاعدون»، و«الفاعل»، وذلك بشكل مقصود ومتعمد، وأعماله تذكرنا بشكل ما أو بآخر بالسينما الصامتة، فكان سريع التحريك المفرط للشخصيات والعالم القصصى لديه الذى كان يغلب عليه «سيولة» تذكرنا بالأفلام الصامتة، وكان يترك فى أنفسنا ذلك الانطباع «الهزلى» الذى نتحدث عنه، وشخصياته كانت تتفاعل مدفوعين بطاقة غريبة ومدهشة. فيما عاود الناقد محمد بدوى الحديث بقوله: جزء كبير من أهمية حمدى أبو جليل لا تتعلق بالتأريخ للبدو فقط، وإن كان جانبا تاريخيا، ولكن بشكل أساسى التركيز على «الحدث الإنسانى» كمسرح أساسى لديه يحرك الأحداث، وكان المرجع الأساسى لديه هو حياة البدو ليس لمجرد تأريخ التفاصيل اليومية، وإنما إبراز التفاعلات الإنسانية بشكل وجودى، وكان التركيز الأساسى لديه على أنه كان يجعل الأماكن تقود العالم عنده، تقول أشياء عن الظلم والحق، والعدل والموت، والحياة والرغبة والشهوة والوجود. وأضاف: كان يكتب عن المهمشين من موقع المهمشين وليس مجرد سرد الحكايات عنهم، وفى «لصوص متقاعدون» كنا نلمس أن الأساس لديه هو إبراز الحياة من موقع الكاتب الذى يعرف جيدا ما يكتب عنه، وكان «الخوف المقنع» ملمح أساسى يبان ويظهر فى كتاباته، وهو الامتداد الذى نلمسه جيدا فى إتقانه لكتابة «ديك أمى»، فتنتهى إليه مفهوم «أنا أراقب العالم ولكن لا أعلق». فى روايته الأخيرة يجب الإشارة إلى تيمة «الابن الضال»، حيث شخص بعد الرحيل والترحال، يعود إلى الرحم الأول، كابتكار متعلق بسمة «الأم» المصرية المكافحة التى تحارب لأجل مصلحة أبنائها، وكانت مهمة حمدى أبو جليل أن يكسر تابوهات معتادة حول فكرة «الأم»، صنع ذلك من خلال المصالحة بين مختلف الكائنات والعودة إلى الطبيعة بمعناها الذى افتقده فى رواياته السابقة، وهناك سبب أيديولوجى فى ذهن حمدى أبو جليل متعلق بأن المرأة هى الأساس وأنها المحرك الرئيسى المهيمن على كل شىء. بعدها قال شعبان يوسف إن الرواية المطروحة حديثا «ديك أمى» هى اختصار لما كان يريد أن يكتبه حمدى أبو جليل، وهى اختصار لما كان يتمنى أن يدونه حول كثير من أفكاره وتقنياته، فقد خلق روايا شعبيا عبر 3 مستويات من اللغة، وكان أبو جليل يدرك العديد من التقنيات التى سوف تمتع القارئ، وهو مقياس مهم جدا لنجاح الكتابة والكاتب، فقد كان أبو جليل «حكاء» وكتاباته انعكاس لشخصيته طوال الوقت. وأضاف: استعان أبو جليل بالعديد من الشخصيات التى تمحورت حول «الأم» بشكل أساسى فى «ديك أمى»، وكان يحاكم العديد من الآراء عبر صوت الراوى الذى يحتفى بالأعياد والذكريات والمواقف وغيرها من الأشياء الممزوجة بالسخرية الشديدة، ولا أرى أن «ديك أمى» هى حكاية الأم فقط، وإنما اشتملت على الكثير من الأبعاد الأخرى المميزة. وقال بعدها الكاتب طارق إمام، إنه مع مطالعة رواية «ديك أمى» يتولد لدى القارئ إيمان شديد بأهمية هذا النص، وأن غلاف هذا العمل يعتبر «مدخلا مثاليا» حيث حمدى أبو جليل وصورته مع أمه، بما لايدعنا أمام تكريم حمدى أبو جليل فقط، وإنما تعبير عن معالجة حقيقية لشخصيتين فنيتين فى الرواية، وهو جزء من طموح حمدى أبو جليل فى التخييل الروائى، حيث تحويل كل ما هو خبرة واقعة فى الحياة إلى «تخييل» يحيلك إلى رواية وليس سيرة ذاتية. لفت طارق إمام إلى أن مشروع حمدى أبو جليل جاء منشغلا بالمسافة ما بين الكلام والتدوين، أو المتلفظ والمكتوب، وكيف يمكن تقريب هذه المسافة ليصل بنا إلى ثنائية مدهشة تضعنا أمام «لغة ثالثة» تزول فيها الحدود ما بين ما هو بدوى أو رصين وما بين هو عامى بسيط، حيث كان يلعب على الاعتراف بوجود ثنائية «الفصحى والدارجة»، وكان يحدد أيا منهما بذكاء شديد تذوب معه فكرة الثنائيات. وتابع: الشخصية البدوية لديه كانت تقوم بفعل البناء فى المدينة، وهى جزئية هامة تَبَدَّت أيضا فى رواية «الفاعل»، فهو ينظر للمدينة من أعلى بشكل بانورامى، وأنه فى آخر رواياته كان هناك استدعاء من الذاكرة بشكل واضح ومميز، وتبدو كما لو أنه تأكيد على أفعال ومجريات تجرى فى الحاضر الآنى، وهو ما احتشدت به عناصر تميز رواية «ديك أمى»، والتى اشتملت على صوت المؤلف كصوت للجماعة، كمراوحة تشبث بها حمدى أبو جليل، وقد قرر أن تكون الأم هى «روح» هذه الرواية، كتجريد يضعنا أمام «الفردية» فى سياق مجتمعى يعج بالتابوهات. استطرد: كان حمدى أبو جليل فى رحلة لتطوير محكيات الصور وعلاقتها بالإطار الأكبر الروائى وهو ما يظهر فى عمله الأخير بشكل معكوس، فلا وجود لحكاية مركزية وإنما طوال الوقت محكيات صغيرة لا يوجد أفضلية لإحداها على الأخرى، لم يكن هناك حكاية مركزية، وإنما شخصية «مركزية» متمثلة فى الأم، فالرواية تثبت أن الجدلية تقوم على حفنات صغيرة. • المشهد الثالث: نشر مقاطع صوتية لحمدى أبو جليل تخلل كلمات المنصة والحضور سماع مقاطع صوتية للكاتب الراحل، وهى آخر تسجيلاته الصوتية التى كان يقوم من خلالها بقراءة مقاطع من روايته «ديك أمى»، وسط حالة من التفاعل الجماعى من الحضور، وخلال سماع المقاطع تم استعراض صور مختلفة لحمدى أبو جليل فى مناسبات مختلفة. وكان سماع المقاطع الصوتية من أبدع ما تم فى تلك الليلة، حيث شعر الجميع بحضور أبو جليل لتلك الحفلة، وكما قال طارق إمام: أشعر بأنه على أحد المقاعد غير المرئية فى هذه القاعة يجلس حمدى أبو جليل. • المشهد الرابع: عزف بنته فى ليلة عيد ميلاده المشهد الرابع الذى أحدث اندماجا وسموًّا لدى الحاضرين كان عزف ابنته دنيا لمقطوعة موسيقية أرادت تقديمها لوالدها فى ليلة عيد ميلاده. فقد عزفت دنيا مقطوعة شديدة الروعة لوالدها وسط تصفيق حار من الحاضرين. وكانت تلك اللقطة هى محور سعادة الناس وتفاعلهم وتذكرهم لحمدى أبو جليل، وشعورهم بالسعادة البالغة. • المشهد الخامس: مداخلات حب وتقدير من ميرال الطحاوى وميسون صقر وأشرف أبو جليل قال بعدها الكاتب عمرو العادلى، إنه حينما يكتب حمدى أبو جليل، فكأنك تسمع صوته، كأن نصوصه هى صوت للشخص نفسه، وكان حمدى أبو جليل يطارد شخصياته فى مواقف يومية مميزة، وكان هناك صوت وبصمة صوت لحمدى أبو جليل مكتوبة فى النصوص تبرز كل مقومات الأعمال الخاصة به، قائلا: كانت لغة حمدى أبو جليل مخالفة للمألوف بشكل واضح. فيما قال الكاتب أشرف أبو جليل، إن دار الشروق تقدر أدب حمدى أبو جليل بشكل واضح، وأن رواية «ديك أمى» تأتى كأحد أكثر أعماله اكتمالا، تعبر عن عوالمه بشكل جيد، ومن يقرأ أعماله ويختمها بهذه الرواية، يشعر بأن حمدى أبو جليل كان يكتب روايته الأخيرة، مشيرا إلى نقطة مهمة وهى أن أبو جليل انحاز دوما للمهشمين؛ فهو حينما كتب عن عائلته كان يكتب عن المهشمين وليس الباشوات والزعماء خاصة الذين أثروا خلال ثورة 1919 وهم كثيرون فى عائلتنا لكن أبو جليل أراد أن يكتب عن الفقراء والمشهمين فقط. فيما أكدت الكاتبة ميرال الطحاوى، إن علاقتها بحمدى أبو جليل تعود لأولى محاولاتها للكتابة، وأن رواية «ديك أمى» إلى جانب باقى أعماله، تمثل لنا نموذجا ملهما عن الطريقة التى تفرد بها حمدى أبو جليل، وكيف استطاع أن يشق طريقه ويحقق لنا هذا المشروع الأدبى. أضافت: استطاع التعبير عن الكثير من العوالم وتناقضاتها، دون حسابات مسبقة، وكان هناك جزء فطرى وتلقائى فى طريقة تعامله مع الأمور، وهو ما انعكس على تجربته فى الكتابة. وقالت الشاعرة ميسون صقر: أتصور أن حمدى أبو جليل أحد أمهر من أحدثوا مزيجا فى نصوصه بين العديد من المقومات، ومنها اللغة، التى تراوحت ما بين العامية والفصحى، البدوية والقاهرية، وقد عبر لنا عن فترة هامة من خبراته ومشواره وحياته. أضافت: سعدت بكتابات حمدى منذ أول رواية له، وسعدت بأننى عاصرته، وتعرفت عليه ورأيت فيه مبدعا «يستعجل» كل ما يقوم بكتابته وتدوينه كما لو أنه يشعر بقرب رحيله، كما أننا فى معرض الحقائق نصبح أمام حقيقة أن أعمال حمدى أبو جليل أظهرت إبداعا حقيقيا وخالصا. • المشهد السادس: الاحتفاء بغلاف رواية «ديك أمى» وصور الأسرة ورسالة زوجته كان غلاف الرواية الأخيرة هو محور حديث الحاضرين، ذلك الغلاف الذى أبدعه الفنان أحمد اللباد، وقد أعلن الكاتب هشام أصلان، أن نجل حمدى أبو جليل يملك «ختما» لوالده، سيتم استخدامه فى توقيع نسخ الروايات الخاصة ب«ديك أمى»، وهى المسألة التى تفاعل معها الحضور، وذلك قبل أن يكشف أصلان عن احتفاظه بأول نسخه عليها ختم ل«حمدى أبو جليل»، كتوقيع يعتز به. كما تم استعراض جميع أعمال أبو جليل الصادرة عن الشروق وعن دور النشر الأخرى. كما نقلت السيدة «تهانى» زوجة الكاتب الراحل حمدى أبو جليل رسالة للحضور، عبرت فيها عن شديد سعادتها باللقاء ومجرياته، وقالت إنه لم يكن ليطلب أو يسعد ويحتفى بأكثر من مثل هذا اللقاء والحاضرين فيه وما ذكروه عن أعماله، وإطلاقهم لروايته الأحدث «ديك أمى».